كتبت “الراي” الكويتية:
يستعيد المجتمع الدولي دخولَه على خط الانتخابات في لبنان كما حصل عام 2005 إثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعلى نحو أكثر وضوحاً مما حصل مع الانتخابات الرئاسية لمرتين عام 2008 و2016.
قد يكون تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، أعاد لبنان إلى الخريطة الدولية والاهتمام الخارجي، سواء إعلامياً أو من خلال مبادرة الرئيس الفرنسي إيماونويل ماكرون، أو عن طريق استنفار الدول العربية والغربية لتقديم مساعدات إغاثية وإعانات عاجلة لمنع الإنهيار الشامل، لكن مقاربة الوضع اللبناني لم تتجل في هذه الحدة، منذ 16 عاماً، راسمة خطاً فاصلاً بين ما قبل الإنتخابات النيابية وما بعدها.
الصراعُ اليوم كما يظهر تدريجاً منذ المرحلة التي سبقت تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إنبثق من قرار المجتمع الدولي بضرورة إجراء الانتخابات في لبنان في موعدها. والمجتمع الدولي يعني أولاً الولايات المتحدة وثانياً كل العواصم التي تهتم عادة بلبنان كدول أوروبا، إضافة إلى الدول العربية وفي مقدمها السعودية، وكلها تتعاطى مع الإنتخابات على أساس انها إستحقاق مصيري. وقد رشح من دوائر ديبلوماسية فرنسية ان المحادثات بين باريس والرياض عبر زيارة وزير الخارجية جان – ايف لودريان والإتصالات المشتركة وصلت إلى نقطة محورية وحيدة تتعلق بموقف الرياض من لبنان ومساعدتها له «نتحدث بعد الإنتخابات، إذا كنتم تعتبرون انها مفصلية».
في المرحلة الأولى لم يكن الاهتمام الدولي بالانتخابات واضحاً إلى هذا القدر، وخصوصاً قبل تشكيل الحكومة. وكان الرأي الغالب أن لبنان يتجه إلى تمديد ولاية مجلس النواب، وان بعض القوى السياسية ومنها حزب رئيس الجمهورية ميشال عون («التيار الوطني الحر») لن ترى سبباً مانعاً لتأجيل الإنتخابات، في ظل التراجع الشعبي الذي سجّله التيار، الذي يترأسه الوريث السياسي لعون، النائب جبران باسيل، في المرحلة التي تلت إنتفاضة 17 تشرين 2019. لكن التيار لا يُظْهِر اليوم حماستَه كثيراً لتأجيل الإنتخابات، بعدما إستعاد أنفاسه عقب تشكيل الحكومة، متريثاً في إستشكاف ما تذهب إليه تداعيات تأليفها وإنعكاس تجاوبه مع واشنطن في تخفيف حدة الشروط عليه.
المرحلة الثانية تزامنت مع إعطاء واشنطن الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة، مُحاوِلَةً تطويق الآثار السلبية الناجمة عن الإنهيار الإقتصادي، وتخفيف حدته. وكانت واشنطن واضحة في فرض معادلة الحكومة مع الإنتخابات النيابية. وهذه المعادلة غير قابلة لأن تكون منفصلة، ما يعني ان المجتمع الدولي سيكون من الآن وصاعداً أكثر حضوراً وضغطاً في سبيل إجراء الإنتخابات في موعدها، بعدما سلكت التسوية الحكومية طريقها.
ويشدد زوار لبنان من ديبلوماسيين وسياسيين، كما في العواصم المعنية، على أن مفتاح التغيير الحقيقي هو الإنتخابات النيابية، كما حصل في دورتي 2005 و2009، حين ظهرت سلوكيات انتخابية جعلت الأكثرية في يد قوى «14 آذار». ورغم أن التسويات لاحقاً، عطّلت مفاعيل فوز هذه القوى، إلا انه يُحسب لها انها سجلت إنتصاراً مدوياً في مقابل الرهانات الخاسرة التي كانت معقودة على فوز قوى «8 أذار» بقيادة «حزب الله».
لكن هذا التغيير يتطلب شروطاً تحرص عليها الجهات الداعمة. ولذا لم يعد سراً أن هناك حملات دعْمٍ خارجية للقوى التي تتجمع من أجل خوض الإنتخابات في مواجهة عون و«حزب الله». وهذا يشمل في حيثياته قوى المجتمع المدني التي ظهرت بقوة بعد إحتجاجات 17 تشرين الأول، ودخلت إلى ساحة القوى السياسية. والشروط السابقة الذكر تتعلق بمدى إستعداد كل القوى المُعارِضة لأن تنخرط جدياً في مشاريع تغييرية، لأن الرهان هذه المرة لا يتعلق بقوى سياسية كانت أكثر حضوراً في السلطة كما كانت الحال سابقاً. وهذا يضع تحدياً كبيراً على المجتمع الدولي كما على الأحزاب التي سترى في جمعيات المجتمع المدني مُنافِساً لها، وخصوصاً ان شعارات إنتفاضة 17 تشرين ساوت بين القوى السياسية كافة، المعارضة والموالاة على السواء.
لكن ما يَظْهر في الأيام الأخيرة أن ثمة إصراراً من عواصم معنية على أن تكون الانتخابات المحك الأساسي للمرحلة المقبلة التي ترتسم فيها معالم الكباش الحقيقي، بين محورين اقليمي ودولي في التعامل مع لبنان. وإذا كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان تُعتبر مؤشراً إيرانياً بالغ الدلالة على إستعداد حلفاء إيران في لبنان للتعاطي مع المرحلة الجديدة التي تلت تشكيل الحكومة، عبر ملفات إقتصادية وسيادية في موازاة الإنتخابات، فان القوى المعارضة للحزب، تضع من الآن الإنتخابات وحدها كخط أساسي يمكن من خلاله العبور إلى معاودة رسْم التوازنات في السلطة في لبنان. وهي بذلك تستند إلى معايير وملامح ثبات في المواقف الغربية تجاه حتمية إجراء الإنتخابات ومد المساعدة لهم مالياً. وهنا بدأ الكلام عن ضخ مساعدات إلى بعض القوى السياسية والمجتمع المدني من أجل القيام بترتيبات عاجلة للبدء في معركة الإنتخابات، ذلك أن الوقت لم يعد سانحاً بعدما بدا ان قرار تقريب الموعد شهرين (من أيار الى 27 آذار المقبل) إتُخذ من اجل تطويق حركة المعارضة. والتحدي الآن يكمن في نقطتين، مدى قدرة القوى المُعارِضة على التكيف مع خلافاتها الداخلية لتجميع صفوفها بدل الدخول إلى المعركة مشرذَمة، وبين ثبات المجتمع الدولي على موقفه فلا يكون متأرجحاً، على قاعدة الدخول في مساومات طويلة الأمد إقليمياً ودولياً، فتخسر المعارضة مرة جديدة رهانها الانتخابي.