كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
من أصل 24704 موظفين في القطاع المصرفي، تمّ صرف 8223 خلال 3 سنوات وتحديداً من كانون الأول 2019 الى الشهر نفسه من 2022. وأتى ذلك نتيجة إقفال 276 فرعاً مصرفياً من أصل 1058 موزعة على كامل الأراضي اللبنانية، والغاء أقسام التسليفات في المصارف للحدّ من الأكلاف المترتبة على البنوك بعد انفجار الوضعين المالي والإقتصادي في نهاية العام 2019 وتضاؤل أداء العمل المصرفي. وهناك صرف من الخدمة اضافي في النصف الاول من 2023 مع مخاوف من موجة صرف جديدة في السنتين المقبلتين.
وفي ظلّ تأخر الحكومة ومجلس النواب ومصرف لبنان عن اقرار وتنفيذ اجراءات اعادة هيكلة المصارف وتعاظم تداعيات الأزمة يتزايد الذعر لدى الموظفين والبالغ عددهم حالياً 16481 مستخدماً حول مصيرهم في الأمدين المنظور والطويل بعدما كانوا يُحسدون على وظيفتهم نتيجة التقديمات التي يحصلون عليها من أقساط مدرسية وتأمين وزيادات وعلاوات على رواتبهم. أما اليوم فباتت تقديماتهم تعتمد على الإستفادة من “صيرفة” وتأمين قيمة نصف راتب كحد أقصى مما كانوا يحصلون عليه.
تدارك الأسوأ
نقابة موظفي المصارف في لبنان تحاول تدارك الأسوأ، كما أكّد رئيسها اسد خوري لـ”نداء الوطن” بحيث “تتمّ عملية تجديد العقد القائم مع جمعية المصارف ببروتوكول مقبول للصرف، يتقيّد به كل مصرف يقدم على هكذا قرار. فـ”لغاية الساعة لا نعلم الى أين سنصل في عملية التفاوض على البروتوكول مع جمعية المصارف” كما قال.
واستناداً الى النقيب “فإن عقد العمل يجدّد عادة كل عامين إلا أنه لم يجدّد في العامين الماضيين”. لافتاً الى أن “الأقسام التي تضاءل حجم العمل فيها هي تلك المتعلقة ببطاقات الائتمان وخدمة القروض الشخصية والسكنية والسيارات”. أما الموظفون الذين تمّ صرفهم ، فقسم عمد الى فتح تجارة او مهن خاصة فيما بقي وضع العدد الأكبر غير مستقرّ وليس بخير. أما موظفو المعلوماتية أو الـIT الذين تمّ صرفهم من المصارف فكان حظّهم أوفر اذ وجد معظمهم عملاً في لبنان والخارج وحتى عبر الـonline “.
تراجع العدد 40%
هواجس تقليص المصارف عملها وزيادة أعداد المصروفين من العمل والتي شهدها أيضاً العام 2023، حملناها الى وزير الإقتصاد السابق والمصرفي رائد خوري الذي اعتبر خلال حديثه الى “نداء الوطن”، إن “تراجع عدد موظفي المصارف 40%، هو أمر طبيعي بعد اندلاع الأزمة المالية وتقلّص حجم القطاع المصرفي وعدم تحقيق أرباح”.
فالودائع كما أوضح “تقلّصت من 125 مليار دولار الى 93 مليار دولار، وعدد الموظفين سيشهد مزيداً من التقلّص، فكلّما “طوّلت” الأزمة تصبح استمرارية المصارف بالوضع الذي هي عليه اليوم أمراً صعباً وستسعى للتخفيف من التكاليف الملقاة على عاتقها”.
ومعلوم أنه مع بدء الأزمة تراجع أداء اقسام عدة في المصارف، فعمدت البنوك الى إقفالها في مرحلة لاحقة مستغنية عن العاملين فيها تخفيضاً للكلفة، وتلك الأقسام بحسب الوزير خوري هي “أقسام التسليفات بالتجزئة والتسليفات للصناعيين وللتجار اذ تقلّص عدد العاملين فيها بنسبة تتراوح بين 80 و90%، كما توقفت أقسام اعتمادات البنوك المراسلة للمصارف اللبنانية”.
متى إعادة الهيكلة؟
والى أي مدى سيبقى الوضع كما هو عليه اليوم، ومتى ستتم إعادة هيكلة القطاع؟، خصوصاً وأن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي الى لبنان إرنستو راميريز قال لـ”نداء الوطن” إن “إعادة هيكلة القطاع المصرفي أمر طارئ وكان يجب أن يحصل امس قبل اليوم”. حول ذلك أكّد خوري، أن “إعادة هيكلة القطاع بأكمله ستحصل ولكن ذلك لا يمكن الإقدام عليه، ما لم يتمّ البتّ بالأمور الأساسية من قبل الدولة لناحية تحديد مصير الخسائر او أموال المصارف الموجودة في مصرف لبنان والبالغة 70 مليار دولار وسندات اليوروبوندز والتي تبلغ نحو 11 مليار دولار. لذلك يترتب وضع خطّة لمعرفة مصير تلك الأموال التي تفوق قيمتها الـ80 مليار دولار”.
وأشار خوري الى أن “وضع المصارف اليوم غير سليم ولا يمكن لأي منها أن يشتري أو يندمج مع أي بنك آخر إلا في حالة ضخّ أموال نقدية. فمن لا يريد أن يضخّ رأسمالاً “فريش” سيخرج من السوق وسيتمّ بيعه او دمجه أو تصفيته. اما من سيضخّ دولاراً نقديا سيبقى وقد يشتري مصرفاً آخر، عندها تصحّ عملية الدمج أو الشراء. وهذا التدبير يحتاج الى إصدار قوانين من مجلس النواب لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتنظيم الوضع المالي بعد معرفة مصير الأموال”. فالمساهمون أو المودعون برأيه “غير مستعدين لضخّ أو إيداع أموال بالقطاع المصرفي من دون معرفة مصير ثغرة الخسائر”.
التعميم 165
وفي ظلّ التعميم 165 الذي يجيز التداول بالدولار النقدي المودع في المصارف من خلال شيكات مصرفية، هل هذا الأمر قد يحسّن وضع المصارف لجهة تحريك عجلة الإيداع مجدداً؟
يقول الوزير خوري “لن يستقطب القطاع المصرفي ودائع “فريش” إنما قد يستقطب ايداع التجار أموالاً نقدية لتسهيل حركة البيع والشراء من خلال الشيكات وعمليات المقاصة التي ستحصل. لكن في غياب الحلّ الشامل لا يمكن للتعميم 165 بمفرده تحريك الإيداع”.
الأرباح من الرسوم والعمولات
في ظلّ غياب الثقة بالقطاع المصرفي وبالتالي عدم الإيداع في البنوك بهدف الإدخار، وبالتالي وقف خدمات التسليفات… تقتصر الأرباح على الرسوم التي تتقاضاها المصارف من الحسابات القائمة لديها اكانت باللولار أو بالدولار ومن التحويلات التي تردها أو التي تتم من لبنان الى الخارج. حول ذلك أوضح خوري أن “المصرف يحقّق أرباحاً عادة من خلال طريقتين:
– أولاً، من فرق الفوائد بين الودائع والتسليفات الأمر غير المعمول به اليوم في القطاع المصرفي بسبب توقف عمليات الإقراض. ولإعادة تفعيل التسليفات بالدولار النقدي، يجب إقرار قانون من مجلس النواب يلزم من اقترض بالـ”فريش” إعادته نقداً وليس شيكاً، علماً أن هناك مصارف قادرة على الإقدام على تلك الخطوة في حال إقرار القانون.
– ثانياً، هناك ارباح من العمولات التي يتمّ تقاضيها من “صيرفة”. مؤكداً أنه رغم كل تلك الرسوم التي ترتفع بشكل دوري، فإن البنوك لا تستطيع تسديد كلفة الرواتب ومصاريفها التشغيلية من مازوت وصيانة، ونقليات وتأمين الموظفين وتسديد رواتبهم لا سيما لقسم المعلوماتية IT والتي تعتبر مرتفعة وبالدولار النقدي.
تدحرجت الرواتب نزولاً
بالنسبة الى رواتب موظفي المصارف، تراجع إجمالي قيمتها بالدولار النقدي (بين الليرة والشيك والنقدي) حتى اليوم كما اوضح الوزير خوري بنسبة تتراوح بين 30 و 50% . فمن كان راتبه على سبيل المثال قبل الأزمة 2000 دولار، أصبحت قيمته بعد الأزمة تتراوح بين 600 و 1000 دولار أميركي. أما الموظف الذي كان راتبه 10 آلاف دولار فيتراوح اليوم راتبه بين 3500 دولار و5000 دولار.
سيتراجع العدد أكثر
وعن اتجاه المصارف الى الإستمرار في اعتماد سياسة الصرف خلال العام الجاري والمستقبل أكّد رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود لـ”نداء الوطن” أنه “على الموظفين أن يعلموا أن هذا العدد غير قابل للإستمرار في المستقبل”، لافتاً الى ان “المصارف اليوم تستمر بتسديد مصاريفها وركيزتها الأساسية “صيرفة” للبقاء وتحقيق أرباح ودفع المصاريف”. مشدّداً على أنه “اذا توقف عمل منصّة “صيرفة” لا يمكن للبنوك أن تستمر، وبالتالي على الموظفين أن يدركوا أن أحجامهم ستكون أقلّ بكثير وسيكون هناك صرف من العمل وإقفال لعدد من الفروع. لا سيما وأن الإتجاه في العمل المصرفي هو نحو البنوك الرقمية وأنظمة الدفع الرقمية وسيتضاءل عمل الصرافات الآلية الى أقصى حدّ ، ولن يعود هناك من حاجة الى تواجد فروع عدة للمصارف اذا ما قدر للبلد أن يستعيد عافيته ووضعه المصرفي . فنمط العمل الجديد هو خدمات مصرفية من دون تكلفة. والأموال المحجوزة في المصرف لا يستطيع صاحبها أن يسحبها وتتآكل بالعمولات اذ قد تذوب اذا استمرينا بهذا النمط”. مؤكّداً أن “هذا ليس عملاً مصرفياً صحيحاً، لا هو سليم ولا مقبول ولا يمكن الإستمرار على هذا المنوال”.
نموذج العمل الجديد؟
في الغضون، يقول حمود حول مستقبل القطاع المصرفي إن “المشكلة الحقيقية تكمن في نموذج العمل أو الـ Business Model الذي ستعتمده المصارف بعدما انكسر النموذج القديم. فلم يعد باستطاعة المصارف أن تستمرّ كما كان الوضع عليه قبل 2019، حينما كان عملها يتركّز على استقطاب الودائع من الخارج، وكان البنك المركزي والدولة كفيلين بتأمين ربحيتها واستمراريتها وزيادة رسملتها وتحسين سيولتها أو تأمينها. مع اعتماد المعايير الدولية يجب ان تقرّر المصارف أي نموذج عمل ستعتمده لتحقيق الربحية ، لأنها لا تستطيع أن تزيد رأسمالها إلا بمقدار قياس الربحية على ما يسمى بالرأسمال الإقتصادي.
القدرة على الإستمرار
يرى حمود أن “حجم المصارف سيعود الى ما كان عليه في بداية العام 1993 أي صغيراً. وكي يتقلّص حجم البنوك وتكون قابلة “للعيش” عليها أن تكوّن رأسمالاً جديداً وسيولة جديدة ونموذج عمل جديداً، على أن يسبق ذلك تشريع لمعالجة التزامات المصارف بودائع الدولار”. فلا يمكن لنسبة 90% من المصارف الحالية أن تستمر ليس لأنها غير قادرة على اعادة الرسملة ولكن لضرورة مدى قدرتها على التواجد في السوق وتحقيق أرباح.
ولفت الى “أننا لا نستطيع تحديد عدد المصارف العربية أو الأجنبية التي ستتواجد في السوق أكانت 5 أو 10 بنوك ، لم يعد ذلك مهما، بل الملحّ هو إصدار تشريعات واستعادة البنك المركزي دوره الصحيح على الصعيد التنظيمي أو الناظم وفقاً للمعايير الدولية خصوصاً “بازل”.
إقفال الفروع وصرف الموظفين في 3 سنوات
تراجع عدد الفروع المصرفية منذ كانون الأول 2019 من 1058 فرعاً الى 782 في كانون الأول 2022، أي تمّ إقفال 276 فرعاً في غضون ثلاث سنوات (إستناداً الى تقرير المؤشرات المصرفية الصادر عن جمعية المصارف في لبنان حتى نيسان 2023).
وتدريجياً تمّ في العام الأول (بين كانون الأول 2019 وكانون الأول 2020) إقفال 66 فرعاً ، وفي العام الثاني (اي من كانون الأول 2020 الى الشهر نفسه من 2021)، تم إقفال 99 فرعاً. وفي الشهر نفسه من 2021 الى 2022 تم إقفال 111 فرعاً وهو الرقم الأعلى منذ بدء الأزمة.
وتراجع عدد العاملين في المصارف من 24704 موظفين في كانون الأول 2019 الى 21366 في الشهر نفسه من 2020، ثم الى 19688 في 2021 فإلى 16481 في كانون الأول 2022.
وبذلك يكون عددهم تقلّص خلال ثلاث سنوات 8223 عاملاً، فمنهم من هاجر وآخرون غيروا وجهة عملهم ومنهم لا يزالون عاطلين عن العمل.
ففي العام الأول من بدء الأزمة انخفض عدد العاملين في المصارف 3338 مستخدماً وفي العام 2021 تراجع العدد 1678 وفي 2022 خرج 3207 مستخدمين من القطاع المصرفي.