كتب طوني عيسى في” الجمهورية”:
اليوم، بالذهاب مباشرة إلى طهران والتطبيع مع دمشق، يعالج السعوديون أزمات المنطقة كلها دفعة واحدة، وضمن سلّة واحدة.
فالاتفاق مع طهران يتضمن رؤية لحل الأزمات الإقليمية العالقة. وإذا كان بديهياً أنّ الاهتمام السعودي بالبيت الخليجي واليمن هو الأولوية، لكن هذا لا يعني أنّ المملكة تخلّت لإيران عن العراق وسوريا ولبنان. وثمة توازن في معالجة هذه الأزمات يحرص عليه السعوديون، ويقبل به الإيرانيون.
ففي سوريا مثلاً، كان السعوديون يريدون إعادة العلاقات مع الرئيس بشار الأسد بهدف الحدّ من نفوذ إيران في سوريا. لكنهم باتوا اليوم مستعدين للانفتاح على الأسد ضمن معادلة التوافق مع طهران.
وثمة من يقول إنّ هذا المنطق صالح للتطبيق في لبنان أيضاً. فقد بات السعوديون أكثر استعداداً للتعاطي مع الواقع المفروض، حيث يمتلك حليف إيران «حزب الله» أوسع نفوذ في السلطة.
وعلى الأرجح، هذه الفرضية هي نفسها التي يعتمدها الفرنسيون حالياً. وربما عند هذه النقطة من «الواقعية» جرى التقاطع في قمة ماكرون- بن سلمان. ومعنى ذلك أن يضطلع الفرنسيون والسعوديون بدور الوسيط المحايد بين القوى اللبنانية لكي تقوم هي وحدها بتحديد خياراتها، أياً كانت. وإذا كان هناك اعتراض من جانب أي طرف دولي كالولايات المتحدة مثلاً على هذا الخيار، فليبادر هذا الطرف إلى المواجهة. وفي تقدير المطلعين أنّ هذا ما يفسّر التزام السعوديين والفرنسيين معاً، جانب الصمت والتريث في إطلاق المواقف في ما يتعلّق بملف الرئاسة.
ولكن، ألا تخشى المملكة أن تخسر مواقع نفوذها التقليدية في الشرق الأوسط لمصلحة إيران، وفي شكل دائم؟
العالمون بالموقف السعودي يقولون إنّ المملكة تمتلك من القدرات ما يسمح لها بأن تكون مطمئنة، ولو تخلّت عن بعض النفوذ في سوريا ولبنان.
فالسعوديون يدركون أنّ من المستحيل نهوض سوريا من دمارها من دون مساعدتهم، وأنّ لا خيار أمام القوى المعنية بالشأن اللبناني سوى طلب الدعم المالي السعودي لتجاوز الانهيار الحالي.
فإذا كان محور إيران يرجّح كفة التوازنات عسكرياً وسياسياً، فإنّ السعودية وحليفاتها الخليجيات ترجح الكفة مالياً واقتصادياً. وفي الوقت عينه، يصعب تجاهل الرصيد السياسي والمعنوي الذي تمتلكه المملكة، في العالمين العربي والإسلامي، بما له من أثر في الدول والشعوب.
لذلك، وعلى رغم غياب المرجعية السنّية في لبنان، تمضي المملكة في خياراتها السياسية الجديدة، وهي مطمئنة إلى أنّ أحداً لن ينتزع منها الموقع والرصيد. وهذا ما ستعبّر عنه الانتخابات الرئاسية، عندما يحين موعدها.