كتب عمار نعمة في “اللواء”:
إذا وضعنا جانباً العبارات العامة حول لبنان التي أوردها البيان الختامي للقمة العربية في جدة، من الواضح أن ما بعد القمة ليس كما قبله بالنسبة الى المنطقة ككل ولبنان من ضمنها، وإن كان لا جديد على صعيد عدم احتلال انتخاب رئيس للجمهورية أولوية في ملفات المنطقة في هذه اللحظة.
لكن الجديد يتمثل في الحراك الجدي على صعيد انتخابات الرئاسة ما يخرق جمود المرحلة الماضية الطويلة.
لا شك ان الأجواء التصالحية في المنطقة التي عكستها قمة جدة وإرهاصاتها، ستشكل عاملاً مساعداً على طريق التسوية اللبنانية، ذلك ان أجواء التوتر والحروب تشكل عائقاً امام تسوية كتلك لا يمكن لها ان تولد من دون “مصالحة” تاريخية شهدتها المنطقة في الاشهر القليلة الماضية.
هذه “المصالحة” كان احد عناوينها حضور الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا بعد 12 عاما من العزلة وسط احتفالية رسمية وإعلامية واضحة في وسائل إعلام الدول المعنية بهذا التقارب الذي كان يُعمل عليه منذ سنوات.
لعلها كانت قمة سوريا رغم حضور ملفات بارزة على الطاولة ومنها ملف السودان، مهما تم الحديث عن تنازلات سورية في العملية السياسية وفي إصلاح النظام السياسي.
فحضور دمشق يعني وضع الختم على المرحلة الماضية المؤسفة التي عكست تهديدا للأمن القومي العربي وهو ما يريد القادة العرب الكبار الذين اجتمعوا في جدة تجاوزه لافتتاح مرحلة جديدة من التضامن العربي على اقل تقدير إذا كان من الصعب توحيد الموقف العربي تجاه الاستحقاقات التي يواجهها العرب.
لذا بات العرب على يقين بأنه من الأهمية بمكان اجتراح مقاربة جديدة لمرحلة مغايرة تشهد تحولات كبرى ليست المنطقة العربية خارجها ولا يجب عليها أن تكون، وبات عليها مقاربتها بنهج جديد قائم على تعزيز العمل المشترك بأوجهه المختلفة، وفي موازاة ذلك مواجهة التدخلات في شؤونها الداخلية.
يذهب البعض الى اعتباره نظاماً عربياً جديداً، ويمكن تصنيفه أيضاً بالتفاهم العربي العام على القضايا المشتركة التي تتصل بالأمن والتنمية بما يفيد المنطقة ككل وبالتالي كل دولة عربية على حدا، والتي سيكون لها القرار المصلحي والسيادي في الذهاب قدماً لتعزيز المصالحات التي تمت بين العرب أنفسهم من ناحية، وبين العرب والدول الإقليمية المؤثرة كإيران وتركيا من ناحية ثانية.
قد يكون ما يحصل عربياً الأهم منذ ما بعد حرب الخليج الثانية في العام 1991، والمؤكد أنه سيفيد في تفاهمات اقليمية أولا تفتح صفحة جديدة على طريق تفاهمات عربية عامة، أو هكذا يأمل أركان العمل العربي في جدة.
هذا المناخ سينعكس إيجاباً على لبنان لناحية التهدئة والشروع في البناء الداخلي بعد ان تعب الجميع من حروب الماضي وانقساماته التي لم تفد أحداً وأدخلت البلد في كارثة إقتصادية وإجتماعية كبرى.
لكن هذا لا يعني قرب الحلول فالطريق ما زال طويلا وغير معبد بالنوايا التسهيلية، خاصة وان التطورات اثبتت ان للملف اللبناني طابعه الصراعي الداخلي وفي امكان بعض الافرقاء، سيما المسيحيين، تعطيل أي حل على حسابهم اذا ارادوا ذلك حتى لو جاء بإيعاز خارجي.
كل ذلك يعزز فكرة أن الرئيس المقبل غير المورَّط بمواقف محورية سيكون نتاج هذه التسوية العامة. لكن الأمر ما زال غير ناضج سواء بالنسبة الى فريق الممانعة للتراجع عن مرشحه سليمان فرنجية أو بالنسبة إلى الفريق المعارض الذي لم يتفق على مرشح ولا يريد حرق تسمية جهاد أزعور بعد تراجع التيار الوطني الحر عنه (وقد يكون طرحه له من قبل المناورة).
المؤشرات تدلّ على حال مراوحة رئاسية حالياً، وفترة ترقب لما ستحمله الأسابيع القليلة المقبلة وسط تبادل لكرات الترشيح وحرق للأسماء.