كتبت ابتسام شديد في “الديار”:
يوم أبحر مركب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بين عامي 2015 و2016 في رحلة التفاهم المسيحي، لم يكن كثيرون يؤمنون بامكانية “عجيبة التلاقي”. وينقل عن سفير غربي في لبنان عقب تبني معراب ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة قوله لأحد عرابي المصالحة “كيف صنعتم ذلك؟”.
اليوم، يشعر البعض بأن زمن العجائب قد ولى، وأن ظروف الأمس تختلف عن تحدّيات اليوم. يضاف إليها فقدان الثقة بين المكونين المسيحيين الأساسيين، حتى تكاد تفصل بينهما جبال وأودية من المقاربات المختلفة والحسابات السياسية المتباعدة. ما يجعل طرح السؤال عن “لشو التقارب؟” مشروعاً إذا ما كانت الخلفية مصلحية لا استراتيجية، ترتبط بما يمكن أن يحققه كل طرف، لا ما يستطيعان انجازه معاً على المستويين المسيحي والوطني.
وفي رحلة البحث عن الرئيس الرابع عشر للجمهورية، وفي ظل الحديث عن مساع جارية على خط معراب – ميرنا شالوحي للاتفاق على اسم، تحضر الحاجة الى تعلّم الثنائي المسيحي من الماضي والأخطاء التي رافقت ما بعد التفاهم. مع ما يتطلّبه ذلك من اجراء نقد ذاتي للتمكين من معاينة الخلل، فلا تتقدّم المصالح مرّة أخرى على السياسة، ولا يكون التقارب موسمياً في زمن الانتخابات، بل يتحوّل الى مسار مستمر، يحفظ التوازن الداخلي، ويمكن من الانجاز، ويكوّن شبكة أمان للرئيس المقبل ليكون حكمه مختلفاً ويحدث فرقاً.
وفي هذا الاطار، يبدو البحث عن المواصفات المطلوبة للمرحلة المقبلة ملحاً، ليتم على اساسها اسقاط الشخص المناسب. لاسيما أن المواصفات المطلوبة لبنانياً، كما أميركياً ودولياً وسعودياً، باتت واضحة لناحية ابتعاد الرئيس المقبل عن الفساد والمامه بالملفات الاصلاحية، وقدرته على الجمع والتواصل مع الجميع. يضاف اليها أن يكون ابن بيئته، ويحظى بغطاء مسيحي وازن ضمن لعبة التوازنات الداخلية.
وفي ضوء الحركة المعلنة للسفير السعودي في الأيام الماضية، والاتصالات البعيدة من الإعلام لسفراء غربيين مؤثرين في المشهد اللبناني، لا تزال بضعة أسماء متداولة في رحلة البحث عن مالئ شغور بعبدا.
ففي الساعات الماضية، كثر الحديث عن تقدّم اسم الوزير السابق جهاد أزعور، مدير منطقة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، على خط الاتصالات بين التيار والقوات و”المعارضة”. وهو الذي حضر الى لبنان قبل أيام قادماً من واشنطن، بعدما مهّد شقيقه الأرضية له.
وبينما يتم الحديث عن حركة عربية ودولية في اتجاه لبنان، يبرز اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون في كواليسها. وهو الذي قد تكوّن اجماع على وصفه “بالآدمي” الذي حيّد المؤسسة العسكرية عن الصراعات الدائرة. لكن طريقه الى بعبدا تعترضه عقبة وضعها الثنائي الشيعي من خلال رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتقوم على الحاجة الى تعديل المادة 49 من الدستور، ما يتطلّب تأمين نصاب الثلثين. الأمر غير الميسّر حالياً في ضوء الموقف المعلن من رئيس المجلس النيابي نبيه بري في هذا الشأن؟
أما الاسم الثالث فهو الوزير السابق زياد بارود الذي لا يمكن وصفه طبعاً بغير الاصلاحي. إنما تطرح في كواليس رؤساء الكتل وبعض مراكز القرار تساؤلات عن قدرته على الحكم واتخاذ القرارات في ضوء تشعبات الساحة اللبنانية وتحدياتها، من المال الى الاقتصاد وصولاً الى حزب الله.
أما الاسم الرابع فهو النائب ابراهيم كنعان الذي ادرجت بكركي اسمه على لائحتها لكن تحضر أمامه عقبة وضعها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حتى اللحظة. علماً أن كنعان يتمتّع بعامل الالمام بالملفات المالية-الاصلاحية من الزاويتين السياسية والتقنية وعمل على التدقيق البرلماني في مالية الدولة اللبنانية على مدى سنوات، ويحظى بالاحترام دولياً وفي الوسط المسيحي انطلاقاً من دوره في تحقيق الى المصالحة المسيحية في العام 2016 التي انهت فراغ ما بعد العام 2014، وأوصلت الى رئيس بخلطة مسيحية-لبنانية.
بناء على ما تقدّم، تبدو المسؤولية مرة جديدة على القوى المسيحية للمبادرة وحسن الاختيار للبننة الاستحقاق الرئاسي لا لتمرير مصالحها او رفض مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية فقط ، ومواكبة الاهتمام الاقليمي والدولي ومتغيّراته ومتطلباته. لاسيما أن المرحلة الراهنة تبدو مصيرية وحساسة، ما بين استعادة لبنان الى سابق عهده المزدهر، وفق اسس اصلاحية متينة، وبين بقائه عليلاً، يداوى بمسكنات لا تشفي من المرض وقد تقضي على المريض.