استنفدت وزارة التربية السبل كلها ولم تنجح في إخماد إضراب أساتذة التعليم الثانوي. جربت شتى الطرق في الضغط عليهم ولم تحصل على تنازل إلا بعض الأساتذة الذين خافوا على وظيفتهم، وعادوا إلى التعليم الجزئي. وما يعقد الأمور أن بعض الأساتذة الذين عادوا إلى التعليم الجزئي (تعليم طلاب الشهادة الرسمية حصراً) في الثانويات، سيعودون إلى الإضراب مجدداً في المقبل من الأيام. فقد أبلغت الوزارة مدراء الثانويات أنها ترفض التعليم الجزئي تحت طائلة عدم دفع الحوافز، ظناً أنها تستطيع الضغط على الأساتذة للتعليم بدوامات كاملة.
فشل الدمج واستبدال الأساتذة
اكتشف الأساتذة أنه حتى الوعود بتلقي بدل الإنتاجية كانت مجرد مناورة من الوزارة لإنهاء العام الدراسي وإجراء الامتحانات الرسمية. وحالياً، وعوضاً عن تمكن الوزارة من إخماد “انتفاضة الكرامة”، بدأ الأساتذة وطلابهم الاستعداد لتنظيم تحركات على الأرض، وصولاً إلى منع إجراء الامتحانات الرسمية. وسيبدأ طلاب الثانويات الرسمية تحركهم باعتصام مركزي يوم غد الثلاثاء أمام وزارة التربية للمطالبة بإلغاء الامتحانات الرسمية، التي ستكون عملياً لطلاب المدارس الخاصة، طالما أن أكثر من ثمانين بالمئة من الثانويات الرسمية لم تعلم طلابها بعد.
لم تنجح وزارة التربية في دمج الثانويات، ولا في استبدال أساتذة الملاك بمتعاقدين جدد. وبقيت قراراتها في هذا الشأن مجرد حبر على ورق. وقد جرى الاتصال بأساتذة الفائض، من الذين نجحوا بدورات مجلس الخدمة المدنية ولم يعينوا بالوظيفة حينها لعدم الحاجة إليهم، ولم تنجح الوزارة إلا باستقطاب بعضهم للتعاقد معهم. وهذا أمر طبيعي لأن من نجح ولم يحالفه الحظ بتسلم الوظيفة حينها، صرف النظر عنها وبحث عن وظائف أخرى (آخر دورة لمجلس الخدمة المدنية كانت في العام 2016). أما التعاقد الداخلي مع أساتذة بملاك الدولة فهو لا يفي بالغرض، سواء لناحية اعتكاف الأساتذة، أو لأن الأستاذ الذي عاد إلى التعليم دوامه كامل في الأساس. أي بالمحصلة لم تنجح الوزارة بتحقيق أي انجاز من وراء القرارات التي اتخذتها مؤخراً ووصفها الأساتذة بأنها تعسفية.
الحلبي محبط
ووفق مصادر مطلعة، حتى مدير التعليم الثانوي خالد الفايد، الذي اقترح تلك القرارات باستبدال أساتذة الملاك الممتنعين عن التعليم بمتعاقدين، كان غير مقتنع بنجاح تلك الإجراءات. بل نفذ ما طلبه منه مدير عام التربية بالتكليف عماد الأشقر. فواقعياً لا يمكن تأمين آلاف المتعاقدين لاستبدال غالبية أساتذة الثانوي بقرار. وبالتالي، اكتشف الأشقر أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة، ورغم ذلك لم يتوصل إلى أن الحل المعقول بقضية إضراب أساتذة الثانوي هو حل شامل لكل مشكلة موظفي القطاع العام. أي بقيام الحكومة بإنصاف الأساتذة ببدلات مالية مقبولة، والإقلاع عن سياسة تركيب الطرابيش والعمل في سوق صرافة الدولار (سلفة الـ1050 مليار التي تقوم الوزارة بصرفها على منصة صيرفة لدفع بدل الإنتاجية). خصوصاً بعدما تبين للوزارة مخاطر هذه الأمور وفشل تأمين بدل الإنتاجية للأشهر المقبلة، أي الـ125 دولاراً بالشهر، التي لم تصل الأساتذة بعد، ولن تصل لهم قبل نهاية الشهر الحالي.
أما وزير التربية فيائس ومحبط ومعتكف في مكتبه ويقلل من حضور الاجتماعات وغير راغب بمقابلة أحد. كان يطمح بتكليل مسيرته الوزارية بإنجاز ما مثل الامتحانات الرسمية من خلال عام دراسي شبه طبيعي رغم كل الانهيار، لكن لم تسعفه لا الحكومة ولا الدول المانحة. وعوضاً عن اتخاذ قرار بتعليق العام الدراسي، أو حتى الخروج على رأس تظاهرات الأساتذة، للضغط على الحكومة لاتخاذ قرارات منصفة للأساتذة، سلم أمر الوزارة إلى نحو ثلاثة أشخاص مقربين منه لإدارة ملف التعويضات المالية واتخذ القرارات القمعية بحق الأساتذة.
اعتكاف أعضاء الهيئة الإدارية
من جانبها، استقالت رابطة أساتذة الثانوي من مهامها. فالهيئة الإدارية للرابطة منحلة: من أصل 18 عضواً ما زال هناك ثلاثة أعضاء يسيرون شؤون الهيئة (ممثل حزب الله وممثل حركة أمل وممثل الحزب التقدمي الاشتراكي). أما باقي الأعضاء فإما استقالوا أو اعتكفوا. ويقول أعضاء معتكفون إن ما وصل إليه الوضع كان معروفاً من قبل. فهؤلاء الأعضاء الثلاثة رفضوا الاحتكام إلى الجمعيات العمومية وفرضوا رأيهم بفك الإضراب من دون الأخذ برأي الأساتذة. والنتيجة كانت أن الأساتذة لم يعودوا إلى التعليم، وأعضاء الهيئة الإدارية فضلوا الاعتكاف والتفرج عليهم من الخارج. وعوضاً عن الاستقالة والدعوة لانتخاب هيئة إدارية جديدة، تكسب ثقة الأساتذة، يواصلون السياسة عينها في انكار الواقع على الأرض.
ووفق مصادر مطلعة، التقى الأعضاء الثلاثة في الهيئة الإدارية مع وفد من الأساتذة المنتفضين بما يسمى “لجنة انتفاضة الكرمة”. وكان الاجتماع عاصفاً ولم يصل إلى أي نتيجة. فرغم أن أساتذة لجنة الانتفاضة تنازلوا والتقوا بما تبقى من هيئة إدارية، باتت غير شرعية بنظرهم، لمحاولة التوصل إلى حلول معقولة لفك الإضراب، رفض أعضاء الرابطة وضع ورقة مشتركة تتضمن مطالب موحدة. ورفضوا تشكيل لجنة مصغرة لمحاورة وزير التربية ورئيس الحكومة. ليس هذا فحسب، بل بدا أعضاء الهيئة الإدارية ملكيين أكثر من الملك في تبرير عجز الحكومة عن تحسين رواتب الأساتذة، كما أكدت المصادر. وأضافت أن أعضاء الهيئة الإدارية لم يحملوا أي مقترح يتعلق بحقوق الأساتذة، بل أصروا على العودة إلى التعليم وإنهاء العام الدراسي، وبعدها يصار في بحث مصير العام الدراسي المقبل والدعوة إلى الإضراب.
المدن