كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
كما كان متوقّعاً له، انتهى لقاء بيت عنيا كما انطلق: صفر نتيجة. الأرجح أنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لم يكن ينتظر من هذه الخلوة الروحية – السياسية أن تحقق المعجزات، لكنه بدا في الفترة الأخيرة كمن قرر الاستسلام لقدر الخلافات والتعقيدات التي تحيط بالاستحقاق الرئاسي، وترك مصير البلد ومعه المسيحيين للتدخل الإلهي.
جمع الراعي ما تيسّر من النواب المسيحيين. صلّى المشاركون «بالخمسة» على الطريقة المارونية. والخشية من أن تكون هذه الخلاصة، هي الانجاز الوحيد الذي تحقق جراء اللقاء، إلى جانب الصورة طبعاً. أمّا غير ذلك فلا نزال في المربّع الأول. لا يُحسد الراعي على موقفه. القيادات المسيحية تغرق في خلافاتها، وفي شق كبير منها، تعود أسباب هذه الخلافات إلى مصالح فئوية، فردية، لا مكان للصالح العام فيها. فترقّي الترشيحات للرئاسة ومشاريعها، على سلّم الأسماء البارزة لدخول «القصر»، أو تشيطنها وترمي بها في القعر، وفقاً لاعتباراتها الخاصة. للعامل الشخصي وارتباطاته دور كبير في ترتيب تلك الترشيحات… كأن ترجُم «القوات» أي ترشيح تلمح له صلة بميرنا الشالوحي. والعكس صحيح.
أمّا المصلحة العامة فتبدو غارقة في وحول مستنقع الخلافات التي يعجز البطريرك الماروني عن السباحة بين تياراتها المعاكسة. لجأ الراعي إلى أسلوب الوعظ في المسؤولين جميعاً، مسيحيين ومسلمين لكي يدفعهم إلى انجاز الاستحقاق الدستوري وعدم التمادي في الشغور الذي يقضي على ما تبقى من هيكل الدولة المتهاوي ويزيد من تحلل الإدارات والمؤسسات العامة ويضاعف من بؤس اللبنانيين ويأسهم… ولكن على من تقرأ مزاميرك يا سيدنا؟
مع تسلّل الشغور إلى الرئاسة الأولى دأب الراعي على تحريض النواب على القيام بواجبهم للنزول إلى البرلمان والتصويت اقتراعاً انسجاماً مع مقتضيات الدستور والضمير الوطني. في تلك المرحلة كانت القوى المعارضة الأكثر حماسة لخيار المشاركة في جلسة واثنتين وثلاث… وعدم مغادرة البرلمان قبل اتمام الواجب الدستوري الذي كانت تعتبره واجباً «مقدساً» لا يجوز التخلي عنه خصوصاً وأنّ خصومها كانوا يلجأون إلى فرط النصاب القانوني حين تحلّ ساعة الجلسة الثانية التي يمكنها أن تأتي برئيس بأكثرية 65 صوتاً.
ولكن حين ألقى رئيس مجلس النواب نبيه بري كرة ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية في الفضاء الرئاسي، موحياً بأنّ هناك مجهوداً جدياً لتأمين 65 صوتاً، انقلبت المشهدية وراحت المعارضة تتسلّح بخيار المقاطعة، اذا كانت المشاركة ستأتي بفرنجية رئيساً للجمهورية. وبات مطلب الكنسية بالنزول إلى مجلس النواب دونه محاذير.
في عظاته يحاذر الراعي التورّط في تفاصيل وثنايا الاستحقاق، سواء لجهة سرد المواصفات أو التلميح جهاراً برأيه بأي مرشح. ولكن في بعض اللقاءات، ينقل عنه أنّه قد يذهب بعيداً في رأيه ليسجل موقفه من بعض الترشيحات. بهذا المعنى يقال إنّه أبلغ فرنجية بعدم ممانعته انتخابه رئيساً للجمهورية، إن لم نقل حماسته. ولكن حين يقف الراعي على مذبح الكنيسة ليعظ المؤمنين، لا تشي مواقفه بأنّه متحمس لوصول فرنجية إلى بعبدا.
إلى ذلك، ترك الراعي لرئيس أبرشية انطلياس المطران انطوان بو نجم أن يجرّب حظه مع الموارنة. جولات مكوكية بين المقار والمكاتب، انتهت إلى وضع لائحة من الأسماء يمكنها أن تشكل تقاطعاً بين المختلفين. يسجّل للمطران أنّه حاول. أقله تمكن من فتح نوافذ حوار غير مباشرة بين الأبواب المغلقة. ولكنّ الخلاصة النهائية هي لا شيء. لائحة طويلة عريضة من الأسماء لم يتمكن أي منها من تحقيق الخرق المرجو. مرة جديدة تصاب بكركي بالخيبة. ليست المرة التي تخذل فيها البطريركية جراء انخراطها في لعبة الأسماء، ولكن كان لا بدّ من فعل شيء ما يحرك المياه الراكدة، لا بل القاتلة.
لجأ البطريرك أخيراً للصلاة، بعدما تعطّلت محاولات جمع النواب وقياداتهم في الصرح. ولكن في الصراع بين ملائكة السماء وشياطين السياسة، ستبقى الغلبة لأهل الأرض. قد تنفع الجلسة في حضرة الصلوات، في كسر الجليد والكثير من الخلافات والصراعات، لكنها بالتأكيد لن تأتي برئيس.
لا يُحسد الراعي على موقعه وهو المؤتمن على الكنيسة وأبنائها. زواره كُثر. طالبو البركة لا يعدون ولا يحصون. لكن، قلّة من قاصديه يلتزمون بما يوصيهم به. المسيحيون ومعهم اللبنانيون غارقون في متاهات تصيب دولاً كبرى بوجع الرأس. الإحباطات تتوالى الواحدة تلو الأخرى. ومحاولات الكنيسة تذهب هباء.