جاء في “الراي” الكويتية:
مع اشتداد ثورانِ «البركان» المالي – النقدي – المعيشي، ملأ المشهدُ السياسي غبارٌ كثيف بدا معه من الصعب تفكيك خفايا إشاراتٍ «مشفّرة» رافقتْ حِراكاً في مختلف الاتجاهات فعّله رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في سياق عمليةِ «تنقيبٍ» عن رئيسٍ توافقي اعتُبرت بمثابة تخلٍّ غير رسمي عن ورقة النائب ميشال معوض الذي خاضتْ معه غالبية المعارضة المعركة الرئاسية على مدار 11 جلسةٍ صار واضحاً أنها لن تتكرر بنسختها السابقة، وسط تقديراتٍ بأن أي دعوة جديدةٍ للبرلمان لن تكون إلا لانتخابِ «رئيس جاهز»، وتلميحاتٍ موازية – أقرب إلى التهويل ورفْع منسوب «الحرب النفسية» – بإمكان الذهاب نحو جلسة انتخابٍ للرئيس بأكثرية النصف زائد واحداً في ظل إيحاءاتٍ بأن «الرقم السحري» أي الـ 65 نائباً بات في «الجيْب» للمرشح رقم واحد للثنائي الشيعي «حزب الله» والرئيس نبيه بري أي سليمان فرنجية.
وإذ شكلت القمة الروحية المسيحية المفاجئة التي دُعي إليها وانعقدت أمس في مقر البطريركية المارونية في بكركي قرعاً لجرس الإنذار الأقوى من تداعيات التمادي في المماطلة بإنهاء الشغور الرئاسي بارتداداته الفوضوية على مختلف الصعد والتي باتت تحمل مخاطر على الكيان اللبناني، فإن «تحرياتٍ» نشطت أمس حيال مناخاتٍ واكبت تحرك جنبلاط في اتجاه بري في إطار محاولته إبعاد الثنائي الشيعي عن خيار فرنجية وحبْك تقاطعاتٍ على أسماء أخرى يطرح الزعيم الدرزي بينها قائد الجيش العماد جوزف عون، الوزير السابق جهاد أزعور، والنائب السابق صلاح حنين.
وعبّر أمران عن هذه المناخات:
* الأول ما نُقل عن أن رئيس البرلمان بدأ بالتوازي مع «عملية سرية» تُستكمل لتأمين 65 صوتاً لفرنجية، يروّج لإمكان الاحتكام وفق هذه الأكثرية إلى مجلس النواب (الذي يلتئم في جلسات الانتخاب بغالبية 86 نائباً)، وأنه يستطلع «احتمال الذهاب الى البرلمان والتصويت للمرشّحين، فإذا لم ينسحب أي مرشح لمصلحة آخَر تستمرّ الجلسات الى حين انتخاب رئيس بـ 65 صوتاً»، وأن «تحديد موعد جلسة الانتخاب المقبلة ينتظر انتهاء عملية استكشاف الآراء وأن اتجاه الثنائي الشيعي هذه المَرة هو لعدم النزول الى الجلسة بورقة بيضاء».
* والثاني موقف بارز لنائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي حدد للمرة الأولى مقترحات وكأنها بـ «الورقة والقلم»، لـ «حل مشكلة الفراغ الرئاسي» وتتمحور حول أن تجلس مختلف الكتل البرلمانية مع بعضها «وتناقش وتتفق على كيفية الوصول إلى رئيس يقنع هذه الكتل او غالبيتها بأنَّه رئيس مناسب للبلد».
وقال قاسم: «يمكننا أن نتفق داخل الحوار على أنَّ مَن لديه اسم يحوز على الغالبية (65 صوتاً)، يمكن أن تتفق الكتل الأخرى أو بعضها على إعطاء هذا الرئيس بشروط معيّنة تنسجم مع قناعاتها بتدوير الزوايا فنصل إلى حل.
أو يمكن أن تجلس هذه الكتل مع بعضها البعض ونطرح الأسماء في سلة واحدة بحيث أنَّه لدينا 4 أسماء أو 7 أو 10، نضعها في هذه السلَّة ونبدأ بالجوجلة لنصل إلى تقليص العدد إلى إسم أو 2 مثلاً، أو كي لا يقول البعض تشترطون الحوار وتفرضون آلية حوار، نجلس لنتفق على الآلية التي نريد أن نتحاور من خلالها».
وقرأتْ أوساطٌ سياسية هذه المناخات في سياق عملية «تخويفٍ» للمعارضة، أولاً لجرّها إلى «حوار الطاولة» بهدف «تمييع» المسؤولية عن إطالة عمر الشغور والتعطيل تحت ستار الورقة البيضاء ثم الانسحاب من الجلسات وتطيير النصاب، وثانياً للتعمية عن عدم قدرة الثنائي الشيعي على حشْد الـ 65 صوتاً لفرنجية ومحاولة «تمويه» ذلك عبر الإيحاء بأن هذه الأكثرية باتت «مضمونة» لرئيس «تيار المردة» لجعْل المعارضة «تبني حساباتها» على هذا الأساس وتتسابق على «deal» معه، في حين أن لا النصاب الداخلي ولا الخارجي متوافر لفرنجية (يتردد أنه لا يضمن إلا 45 صوتاً) الذي يتقدّم عليه وفق هذا المعيار حتى الساعة قائد الجيش.
في موازاة ذلك، تتجه الأنظار إلى اللقاء الخماسي حول لبنان في باريس في 6 الجاري بمشاركةٍ فرنسية وأميركية وسعودية ومصرية وقطرية، وسط ضمور التوقعات حيال ما قد يخرج عنه لجهة تشكيل قوة دفْع لإنهاء الأزمة اللبنانية، ما خلا تفعيل الدعم الانساني، ولا سيما في ظلّ ارتفاع السخونة إقليمياً ودولياً وزيادة التوتر بين الولايات المتحدة وفرنسا خصوصاً وبين إيران سواء ربْطاً بالحرب في أوكرانيا أو بالملف النووي والاحتجاجات المستمرة في الجمهورية الإسلامية.
وفيما تستطلع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في كل من السعودية والإمارات ملفات المنطقة وتبحث الأزمة اللبنانية عشية اللقاء الخماسي، فإن بيروت تستعد لاستقبال المبعوث الفرنسي لشؤون الدعم الدولي بيار دوكان بعد محطتين له في القاهرة وعمان ركّزتا على تعقيدات ملف استجرار الغاز والكهرباء منهما عبر سورية إلى لبنان.