كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ينأى وليد جنبلاط بنفسه عن نار الاشتباكات الداخلية. يختار بعناية المواضيع التي يعلّق عليها. مذ أن أغرق نجله تيمور جنبلاط في وحول السياسة، غصباً عنه، وهو يفضّل عدم الانخراط في كثير من التفاصيل. فعل الزمن فعله في سلوك الرجل. صار أكثر هدوءاً وأقل رغبة في متابعة اليوميات المملّة. يحيل الكثير من المتابعات لنجله، ولو أنّ القرار عنده. لتيمور أسلوبه ومقاربته التي لا تلتقي دوماً مع مقاربة سيد المختارة. الأخير صار يمضي الكثير من وقته في مطالعة الصحف والمجلات الأجنبية. حتى تويتر، المنصة الأحب لعقله، لم يعد يستخدمها كثيراً للتصويب و»التنمير». تراه راهناً يعيد نشر بعض الصور من اليمن المعجب بحضارته، أو من مصر المثقلة بأزماتها أو فيديو قصير عن كلب!
وحده اجتماع مجلس الوزراء لحكومة تصريف الاعمال استفزّه حديثاً ليهاجم المنتقدين فيقول إنّ «القوى والمرجعيات السيادية العظمى تتذرع بحجج دستورية واهية لتعطيل أي اجتماع وزاري لتسيير أمور الناس وحتى أن البعض طعن في الموازنة وصولاً إلى العبث المطلق وكلهم ينتظر كلمة السر الخارجية التي لم تأت بعد وفي هذه الأثناء ونتيجة تعطيل المجلس العسكري تبرز الخلافات إلى العلن». أمّا رسالته الأخيرة فكانت بالمباشر صوب معراب ردّاً على كلام رئيس «القوات» سمير جعجع حول «إعادة النظر سياسياً في كل التركيبة اللبنانية وتركيبة الدولة»، سائلاً «هل هذا وقت مناسب ليخوض في مسألة تعديل التركيبة بينما البلد ينهار؟»، ليضيف: «المطلوب استكمال تطبيق اتفاق الطائف».
تقصّد أن يكون تيمور جنبلاط مشاركاً في اللقاء مع «حزب الله». النائب الاشتراكي لا يبدي مرونة، أقلّه في العلن ازاء الاستحقاق الرئاسي. ثمة من يحاول إظهار اللعبة داخل البيت الجنبلاطي على أنّها موضع تجاذب بين طرفين… وبينهما بيار الضاهر: أحدهما يمثّله جيل وليد جنبلاط غير الممانع في التعامل بواقعية مع الاستحقاق، قد تؤدي إلى تسهيل طريق سليمان فرنجية إلى القصر، بمعيّة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يزال يصرّ على أنّ الورقة الجنبلاطية مضمونة. والثاني يمثّله جيل تيمور جنبلاط الذي يفضّل الذهاب نحو خيارات جديدة تساهم في احداث نقلة نوعية تتماهى مع الحركة الانتفاضية التي عبّر عنها الشباب بعد 17 تشرين الأول. ولعل هذا التمايز هو السبب الحقيقي الذي دفع رئيس الحزب التقدمي إلى اشراك نجله بالجلسة مع وفد «الحزب».
يصرّ الاشتراكيون على التأكيد أنّ الاستحقاق بحدّ ذاته لم يكن البند الوحيد للقاء خصوصاً وأنّ موقف «حزب الله» محسوم من خلال تمسكه بترشيح فرنجية، فيما الإشارة الجديدة التي أطلقها نواب اللقاء «الديموقراطي» في الجلسة 11 لانتخاب رئيس للجمهورية، من خلال التهديد بمقاطعة الجلسات اذا لم تفتح أبواب الحوار بين القوى السياسية، هي التي تصدّرت قائمة النقاش المشترك.
يقول الاشتراكيون إنّ هذا الموقف ليس من باب رفض ترشيح ميشال معوض، ولكن لا يمكن الاستمرار بحالة المراوحة القاتلة فيما الأوضاع المعيشية والمالية باتت تهدد الاستقرار الأمني والاجتماعي، بعدما تخطى الدولار عتبة الخمسين ألفاً منذراً بمزيد من التدهور والانهيارات المالية. ولذا لا بدّ من كسر حالة الجمود باتجاه الدفع نحو حراك جديد قد يحمل صفات مبادرة رئاسية، تقوم على قاعدة التفاهم على رئيس غير استفزازي لا يشكّل مصدر تحدٍّ بالنسبة لأي فريق، ويتمتع بغطاء دولي يسمح له بقيادة مشروع انقاذي.
الجلسة الثانية
بشكل عام، يمكن الاستنتاج أنّ اللقاء كان بمثابة بحث في عمق الأزمة الرئاسية، اتّسم بالجدية، وبكثير من الصراحة، بشكل تجاوز الجلسة الأولى التي مرّ عليها أكثر من خمسة أشهر… استُهلّ بالحديث عن حالة العقم التي تصيب جلسات الانتخاب وانتهى بالتحذير من الوضع الاجتماعي القابل للانفجار، ولم يهمل الخطابات المتشددة التي باتت تشكل مادة مشتركة بين بعض القوى السياسية، وتحديداً المسيحية، حيث راحت تأخذ مساحة أوسع في السجال السياسي.
السؤال الأبرز الذي فرض نفسه على النقاش: ماذا بعد؟ كيف يمكن الخروج من عنق الزجاجة؟ ثمة اعتراف بأنّ الأمور تراوح مكانها. ترشيح ميشال معوض غير قابل للتوسّع ليجذب مزيداً من الأصوات فيما «حزب الله» يحاذر القيام بأي خطوة مباشرة وتقديم أي مرشح بشكل رسمي لكي لا يلصق هذا المرشح بتهمة أنّه مرشح «حزب الله». لم يفعلها مع العماد ميشال عون ولن يكررها مع سليمان فرنجية.
من هنا كانت محاولة الاشتراكيين السؤال عن هوية المرشح الذي قد لا يواجه بفيتو «حزب الله» ويمكن أن يشكّل نقطة التقاء مع الآخرين، طالما أنّ ترشيح معوض مرفوض. وذلك ربطاً بالحركة المكوكية التي بدأها الحزب التقدمي من خلال قيادة سلسلة اتصالات مع مختلف القوى السياسية، مع بري (زاره الوزير السابق غازي العريضي حديثاً)، جعجع، ميشال معوض وذلك في سبيل البحث عن مخارج قد تساعد على خرق حالة الجمود. حتى أنّ النائب وائل أبو فاعور قصد المملكة السعودية خلال الساعات الأخيرة في محاولة للحصول على بعض الإجابات المساعدة.
فعلياً، كل ما يمكن للاشتراكيين القيام به في هذه المرحلة هو العمل على تجميع بعض الأسماء – الترشيحات التي قد تشكّل تقاطعاً بين أغلبية القوى السياسية، واقناع هذه القوى بالذهاب إلى البرلمان لانتخاب أحدها رئيساً للجمهورية… هي محاولة جدية لتحريك الطبخة، ولو أنّ الأجواء الدولية والاقليمية لا تشي بأنّ امكانية الخرق قد تحدث في وقت قريب.