كتبت جويل عبدالعال في موقع JNews Lebanon
“أكثر من ٢٠ امرأة في غرفة لا تزيد من ٩ م٢ دون نوافذ ولا نور ولا فسحة للتنزه… ان النساء في سجن بربر الخازن تعشن في ظروف صعبة” هذه الجملة التي كتبت على منشور أعدته جمعية الحركة الاجتماعية، تعكس لنا صورة ع الواقع المزري لسجون النساء في لبنان. قليلة هي الدراسات التي تضيء على واقع السجون في لبنان وخاصة تلك التي تتعلق بالنساء والاحداث، وما يتوفر منها هي دراسات وابحاث إما محصورة في سجن واحد وإما قديمة وغير محدثة.
في دراسة قانونية أعدها التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني حول نظام سجون النساء في لبنان، تشير الى انه لا تستحوذ حالة المرأة في السجن على قدر كبير من الاهتمام في الصكوك الدولية ولكن المتطلبات العامة بعدم التمييز والمعاملة المتساوية والرعاية الصحية الخاصة ترد في معظم المواثيق الدولية لا سيما فـي اتفاقية القضـاء علـى كافـة أشـكال التمييـز ضـد المـرأة. وتضيف أنّ “المـادة الاولـى مـن الاتفاقيـة عرّفت التمييـز علـى أنّـه أي تفرقـة أو اسـتبعاد أو تقييـد يتـمّ علـى أسـاس الجنـس ويكـون مـن آثـاره أو أغراضـه، توهيـن أو إحبـاط الاعتراف للمـرأة بحقـوق الإنسان والحريــات الأساسية فــي المياديــن السياســية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيــة والمدنيــة أو فــي أيّ ميــدان آخــر، أو توهيــن أو إحبــاط تمتّعهــا بهــذه الحقــوق أو ممارســتها لهــا، بصــرف النظــر عــن حالتهــا الزوجيــة وعلــى أســاس المســاواة بينهــا وبيــن الرجــل. والتزمـت الـدول اعتمـاد سياسـة تسـتهدف القضـاء علـى التمييـز ضـد المـرأة، وإدمـاج مبـدأ المسـاواة فـي دسـاتيرها الوطنيـة أو تشـريعاتها المناسـبة الأخرى، وفـرض حمايـة قانونيـة فعالـة للمـرأة فـي كافـة مؤسسـاتها وإدارتهـا.
تؤكد هذه الدراسة على ان واقــع ســجون النســاء فــي لبنــان ســيء، وهــو بعيــد فــي بعــض الأوجه عــن معنــى الإنسانية الحقيقـي، وفـي أوجـه أخـرى عـن الهـدف العلاجي منـه، ناهيـك عـن عـدم انسـجامه مـع المعاييـر الدوليـة لحقـوق الإنسان، لا سـيما حقـوق السـجينات.
تتوزع سجون النساء غي زحلــة وبيــروت وبعبــدا وطرابلــس، وهــي أربعة سجون بمعظمهـا موجـودة فـي مبانـي قديمـة العهـد كانـت مخصصـة كثكنـات للجيـش اللبنانـي أو لقـوى الأمن، فضـلا ً عـن تخصيـص مركـز لاستقبال القاصـرات فـي ضهـر الباشـق – المتـن، مضافـا إليها مـا خصصتـه المديريـة العامـة للأمـن العـام مـن زنزانـات خاصـة بالنسـاء تحـت جسـر العدليـة. وبالاستناد الى الدراسة القانونية التي أعدها التجمع وعلى التقرير الوطني عن أوضاع السجون الصادر عن وزير الداخلية والبلديات لعام ٢٠١١ يتبين أن هذه السجون تفوق أعداد السجينات فيها القدرة الاستيعابية لها، بحيث ان هذه السجون وبالرغم من بعض الفروقات بين سجن واخر فإنها في الواقع لا تلبي ابسط الاحتياجات الإنسانية وتعتبر انتهاكا واضحا لحقوق الانسان ان من ناحية الأبنية وسوء البنى التحتية او لناحية الظروف المعيشية وتامين احتياجات النساء.
من ناحية تجهيزات الغرف والبناء تضيء الدراسة القانونية المعدة من قبل التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني والصادرة في العام ٢٠١٣ على معوّقات عديدة، ومنها مشــكلة الحمامــات التي تبقــى مــن أبــرز المعوقــات المتوفــرة علــى هــذا الصعيــد، بحيــث لا تتوفــر بأعــداد كافيــة لتغطيــة احتياجــات السـجينات، لاسـيما فـي فتـرات الاكتظاظ، فضـلا عـن أنهـا غيـر صحيـة وموجـودة داخـل الغـرف، وغيـر مـزودة بكابينـات للاستحمام بحيـث تستحم السـجينات فـي المـكان المخصـص للمرحـاض داخـل الغرفـة، ناهيـك عـن الأعطال التـي تلحـق بالمغاسـل والـدش وغيرهـا مـن جـراء قدمهـا. أمـا فـي مـا يتعلـق بالميـاه السـاخنة، فهـي تخضـع لنظـام خـاص لناحيـة الوقـت التـي تتوافـر فيـه. والملاحظ أن الوضـع فـي سـجن بربـر الخـازن هـو أفضـل لهـذه الناحيـة، اذ هنـاك حمامـان لـكل غرفــة، الأول بداخلــه مرحــاض والثانــي مثبــت فيــه كابيــن للاستحمام. كما تؤكد ان اللافت فـي كل هـذه السـجون عـدم وجـود غرفـة مخصصـة للحضانـة لوضـع الأطفال الرضّـع الذيـن مـا زالـوا يتشـاركون الغرفـة عينهـا مـع والدتهـم فـي وقـت تقـوم سـجينات أخريـات فـي الغرفـة عينهـا بالتدخيـن، وهـذا مـا يتنافـى مـع المعاييـر الدوليـة كمـا سـبق ذكـره أنفـا لا سيما قواعـد بانكـوك لعـام 2010 أمـا فـي مـا خص المعاملـة الخاصة الواجب إعطاؤها للسـجينات المسـنّات والحوامـل والمرضعات، فهـي شـبه معدومـة وتقتصـر علـى الحصـول علـى السـرير السـفلي فـي حـال كانـت الأسرة فـوق بعضهـا البعـض وإعفائهـن مـن واجبـات تنظيـف الغـرف وتأميـن وجبات طعـام إضافيـة لهنّ.
بالرغم من مرور حوالي التسعة سنوات على اصدار هذه الدراسة، وما حملته من توصيات الى أنّ وضع السجون لم يتحسن، وخاصة مع الانهيار الاقتصادي الذي يشهده البلد واعتكاف المجلس القضائي وغيرها من الأزمات التي تؤدي إلى تدهور الوضع أكثر داخل السجون.
المجتمع المدني ومحاولات تخفيف وطأة السجون
“كتير من السجينات بيستخدموا ثيابهن بدل الفوط الصحية” هذا ما تقوله إحدى السجينات خلال فترة توقيفها في مخفر حبيش بحيث اضطرت لقص قطعة قماش من ثيابها خلال دورتها الشهرية لاستخدامها كبديل عن الفوط الصحيّة، نظرا لان المخافر والسجون لا تقوم بتوفير الفوط لهن. كذلك تشير عائلة إحدى السجينات في زحلة أن الوضع الاقتصادي الصعب يمنعهم من توفير احتياجات ابنتهم في السجن فالفحوصات النسائية الدورية غير متوفرة ولا تتوفر إلّا بتقديم طلب ودفع بدل الخدمة وهذا قد يأخذ الكثير من الوقت.
ولكن الظروف تختلف من سجن الى اخر، ويبدو ان سجن بربر الخازن هو الأفضل حالا من غيره وذلك بسبب عمل ونشاطية الجمعيات داخله. وفي هذا السياق تشير منسقة قطاع الحماية في الحركة الاجتماعية شارلوت طانيوس الى انهم في الحركة الاجتماعية يعملون على عدة نشاطات مع النساء ضمن إطار برنامج التاهيل والذي من خلاله لدينا عاملة اجتماعية تعمل على القيام بتقييم حالة كل سجينة داخل بربر خازن لنعرف كيف يمكن توجيهها وتقديم الدعم لها داخل السجن
تؤكّد منسقة قطاع الحماية في الحركة الاجتماعية شارلوت طانيوس أن السجن يوفّر فحوصات لكل سجين/ة في البداية للأمراض المتناقلة جنسيا أو للتي ممكن أن تنقل بالعدوى ولكن ليس لا يتوفر أي برنامج للفحوصات الدورية من قبل السجن، وفي حال كان هناك حاجة يمكن القيام بهذه الفحوصات بعد التقدّم بطلب وأخذ الموافقة عليه. بما يخصّ السجينات الحوامل فتقوم جمعية الحركة الاجتماعية بمتابعتها في سجن بربر خازن ضمن برامجها ومشاريعها، خاصة مع عدم توفّر رعاية لازمة وغرف مخصصة للسجينات الحوامل أو اللواتي لديهن أطفال، ولذلك تحاول الحركة الاجتماعية وضعهن في مكان أقلّ اكتظاظًا؛ ولا يوجد فيه دخان وسط عدم وجود مساحة كافية لتأمين مكان مريح لهن.
وتعمل الحركة الاجتماعية لتفعيل قدرات الفئات الأكثر تهميشا في مختلف المناطق اللبنانية من اجل زيادة فرص اندماجها في المجتمع وتحسين خياراتها، في قطاعات مختلفة من بينها قطاع السجون بحيث تعمل مع الاحداث في سجن رومية وفي بربر الخازن مع النساء.
تشير طانيوس إلى أن هنالك العديد من المشاريع والنشاطات التي تعمل عليها الحركة الاجتماعية مع السجينات، فهي تقدّم دعم ومتابعة قانونية للسجينات اللواتي ليس لديهز القدرة على توكيل محامي/ة، “كما نعمل على تعليم النساء اتقان الحرف والمهن” وعادة ما يفضلن تعلم الاشياء التي تختص بالجمال ” لأنه بيرجعوا بيقدروا يشوفوا المرأة الحلوة واللي فقدوها بمرحلة من المراحل”. بعض ما تصنعه النساء من تطريز وحياكة وغيرها يتم بيعها مما توفر للسجينات مدخول لتأمين احتياجاتهن أو دعم أهلهن أو حتى دفع كفالتهن من خلال المبيعات التي يقمن بها في إطار ورشات العمل الانتاجية. “كذلك نقوم بتقديم خدمة الدعم النفسي، والقيام بمسرح تفاعلي والاحتفال بالأعياد، فمثلا خلال عيد الأم قررنا جمع رسائل من أطفال السجينات والتي تركت بصمة في قلوبهن، أنهن لا زلن موجودات ولديهن صلة مع أولادهن وعائلاتهن.”
بحسب طانيوس فإن الكثير من الأشياء التي كانت مؤمنة من قبل الدولة لم تعد مؤمنة بحيث “إننا اليوم نعمل على المساعدة في تأهيل المكان والحفاظ على ترتيبه وتامين الغاز والاحتياجات الأخرى”
في الختام… في ظلّ اعتكاف الدولة عن أداء مسؤولياتها في السجون، تعمل العديد من الجمعيات على تقديم الدعم السجينات في ظلّ التهميش والانتهاك لحقوقهن من قبل الدولة اللبنانية والمتغيّبة عن دورها. ولكن يبقى هذا العمل محصور في سجون دون أخرى ويقع في إطار مشاريع غير مضمونة استمراريتها، وجمعيات أخرى ليست سوى مظاهر غشاشّة. فوسط الازمة الإقتصادية واعتكاف القضاء وغياب القوانين وآليات العمل تبقى حياة العديد من السجينات منتهكة ومهددة مع أطفالهن، وعلبه من الضروري العمل على تنفيذ المعاهدات والمصادقات الدولية بما يضمن كرامة الانسان.
تم انتاج هذا التقرير بدعم من مؤسسة مهارات ومنظمة “Hivos” ضمن مشروع We Lead، تجدر الإشارة الى ان المحتوى لا يعبر بالضرورة عن آراء منظمة ” Hivos