كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
قد تصادف في كل دول العالم فساداً في تنفيذ المشاريع، كأن يتم رصد مبالغ ضخمة لبناء جسر أو لتنفيذ مشروع إنمائي في مجال ما… لكن المؤكد أنّ الجسر يُبنى في نهاية المطاف، ولو بأضعاف كلفته الحقيقية. إلّا في لبنان، تُرصد الملايين مقابل مشاريع، فلا تنفّذ ولا الملايين يُعرف مصيرها.
كلام صارح به مسؤول في إحدى الدول العربية ضيوفه تعليقاً على الفساد المستشري في لبنان. هي النظرة الحقيقية التي رسخت في الأذهان حتى بات من غير الممكن تقديم المساعدات في أي مجال كان. حتى منظمات المجتمع المدني باتت تدعم مشاريع الأفراد والجمعيات الخاصة على حساب الدولة ومؤسساتها بعدما صار الداخل اليها مفقوداً.
يتحدث مصدر وزاري عن مبالغ طائلة رصدت لتنفيذ مشاريع، لا يمكن حصرها أبداً، ثم تبخّرت بينما المشاريع التي نفذت منها لم تتجاوز نسبتها العشرة بالمئة. ويتقاطع كلام المصدر مع كلام وزير سابق إكتشف لدى توليه مسؤولياته الحكومية وجود جداول بعشرات المشاريع التي رصدت لها مبالغ ضخمة من جهات دولية على سبيل مساعدات، لكن تنفيذها بقي عالقاً بسبب المناكفات السياسية أو إمعاناً في التعطيل لكي لا يُمنح الإنجاز لحكومة مغضوب عليها كما كانت الحال إبان حكومة حسان دياب. أرقام بالملايين يصعب تعقّب مصيرها أو التأكد من تنفيذ المشاريع التي رصدت لأجلها. مشاريع متنوعة في مجال المياه والصحة رصدت لها مبالغ من جهات دولية كالبنك الدولي وغيره، لا أثر واضحاً لها بينما المبالغ المرصودة لم تتم الإستفادة منها، فضاعت الجدوى من المشاريع بينما استمرت الدولة في دفع ضريبة مستحقة على المبالغ المرصودة في بلد رفع الدعم عن الداء والدواء وحليب الأطفال ويرزح مواطنوه تحت خط الفقر المدقع.
وفي تحايل على الواقع وكي لا يستعاد المبلغ كان يصار إلى صرف جزء من القرض على إعداد دراسة جدوى إقتصادية للمشروع، أو وضع المخطط التنفيذي له، وتتوقف الأمور عند هذا الحد بينما يكون تقدير كلفة الدراسة أو المخطط التنفيذي خيالياً ويتم حسمها من كلفة المشروع الأساسية. وليس معلوماً ما اذا كان مثل هذا التعاطي مردّه إلى الفساد المستشري، أم إلى سوء الإدارة أم الإثنين معاً.
الأمثلة على المشاريع المتراكمة كثيرة ولا يمكن حصر عددها، لكن ثمّة نماذج عن بعضها المجمد تنفيذها رغم مرور سنوات. فبتاريخ 16/12/2010 وافق مجلس النواب على قرض من البنك الدولي قيمته 290 مليون دولار لإنشاء مشروع للمياه في بيروت على أن ينتهي العمل فيه عام 2020 . تم صرف خمسين بالمئة من المبلغ أي 146.59 مليون دولار، والمشروع لم ينته العمل فيه بعد وبقي المبلغ المتبقي عالقاً.
جدول يظهر عدداً من المشاريع التي لم تنفّذ
العام 2019 منح لبنان قرض نقلٍ كان يفترض إنهاء العمل عليه عام 2023 لكن مراحل تنفيذه لم تتعد 3.60 بالمئة وصرف من المبلغ ما يقارب 10.56 ملايين دولار فيما بقي المبلغ المتبقي في حوزة الدولة. مشروع آخر أقر العمل عليه عام 2014 على أساس أن ينتهي العمل فيه عام 2024 ولكن لغاية اليوم لم ينجز إلّا 40 بالمئة منه. وهكذا تراكمت اسماء المشاريع حبراً على ورق وبقيت المبالغ المرصودة لتنفيذها بلا جدوى في بلد أغرقه الدعم الوهمي في أزمة عميقة.
نتحدث هنا عن مجموعة مشاريع بقيت ولغاية العام 2020 من دون تنفيذ وعددها يقارب الأحد عشر مشروعاً لا يزال تنفيذها عالقاَ كما المبالغ المرصودة لها. وليس معلوماً ما إذا كان لبنان يتكفل بدفع 0.25 % كضريبة على المبلغ الممنوح في حين أنّ الدولة لا تزال تحتفظ بالمبالغ المتبقية من دون صرفها وقيمتها تقدّر بنحو 1,194.00 من أصل 1,703.74 مليون دولار أي ما نسبته 29.90 بالمئة من مجمل المبالغ التي رصدت على امتداد سنوات مختلفة أي منذ العام 2014 ولغاية العام 2018، وقد أقرت في مجلس النواب تباعاً، وفي كلّ مرة كان يستغرق نقاشها في مجلس النواب سنوات قبل الموافقة عليها.
ومجلس النواب الذي وافق عليها له وحده صلاحية البتّ بمصيرها ويقرر إعادتها الى الجهة المانحة أي البنك الدولي، أو أن يصار الى إستكمال تنفيذ المشاريع. ولكن في بلد كلبنان تصعب المساءلة بشأنها لإعتبارات سياسية وبسبب المحاصصة وآلية تنفيذ المشاريع على قاعدة «ستة وستة مكرر» ولأن المشاريع يجب أن تتركز في بقعة جغرافية معينة بينما تحرم بقية المناطق من نعمتها إما لأسباب طائفية أو سياسية، وغالباً للإثنين معاً.