كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ثقيلٌ مرّ هذا العام على تحالف “حزب الله”- “التيار الوطني الحر”. أيامه كانت حبلى بالسجالات التي ضجّت بها وسائل التواصل الإجتماعي. خلالها خرج بعض نواب “التيار” عن طورهم السياسي فخالفوا أدبيات المخاطبة مع الحليف، قارعوه في عقر داره، عاتبوه وعيّروه ثم انكفأوا درءاً لخطر المساجلة. كانت السنة الأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون. “التيار” يسابق الأيام طلباً لأوراق تحسّن ختام العهد. لم يعد تحقيق الكثير ممكناً. ضمناً يتهم “التيار الوطني»” حليفه بأنه كان سبباً من أسباب تخلفّه عن التغيير والإصلاح، بينما يتهمه الحليف بأنه اعتاد على الأخذ حتى لم يعد هناك ما يرضيه. في كلّ مرة وبعد كل خلاف كان في “حزب الله” من يخرج شاهراً سيف دفاعه عن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، اللهم إلّا في سجاله الأخير. إلا السيّد قالها الجميع، وسكتوا عن الكلام المباح.
هو العام الذي شهدت أيامه خلافات كثيرة بين الحليفين، واختلافات. الإنتخابات شكلت محطة مهمة، تغاضى «حزب الله» عن الشوائب ورفع شعاره، إنجاح «التيار» أولوية لكنّه لم يمنّ عليه بالكثير وإلا كانت النتائج مغايرة. إنتخابات الرئاسة مفصل آخر، يجعل علاقاتهما على المحك.
قد يكون نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم نجح في توصيفه علاقة «الحزب» بحليفه حين قال «علاقتنا فيها خدشة»، لكن تلطيف العبارة لا يلغي واقعها المأزوم. هي سابقة أن يقول «حزب الله» إن العلاقة الراهنة مع حليفه المسيحي تكتنفها البرودة، ولولا ما حصل من اتصال مجاملة للمعايدة بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا لسادت القطيعة وتعمّقت. الاتصال الذي كان معتاداً وروتينياً صار حدثاً، في حين غابت زيارة المعايدة عن جدول لقاءاتهما.
الإساءة إلى نصر الله
ربّ قائل إن تلك البرودة سببها المؤتمر الصحافي لباسيل وإساءته الى الأمين العام مباشرة. قارب «حزب الله» الكلام بظروفه وأسبابه. قال باسيل إن «حزب الله» لم يلتزم بوعده حياله، مصوّباً إتهامه نحو وفيق صفا الذي تعهّد بعدم قبول «حزب الله» عقد جلسة للحكومة. صبّ جام غضبه على صديقه الأقرب وبرر أنّ السيد ليس المقصود. لا يعرف «حزب الله» ماذا فهم باسيل من صفا لكنّ تبريره لم يكن موفقاً، ففي قاموسه الإساءة للآخرين اياً كانوا، غير مقبولة. هي المرة الأولى التي يضطر فيها «حزب الله» للرد على باسيل لأن الهجوم بلغ أمينه العام وعمم بعدها على نوابه والوزراء التزام الصمت، على عكس «التيار» الذي شهر نوابه ومناصروه عدائيتهم وإتهاماتهم ضد «الحزب» ما اضطر المقربين من باسيل إلى التدخّل لتخفيف وطأة الخلاف. لكن لا يمكن للبرودة أن تنتج عن كلام عابر في مؤتمر صحافي، فخلف الكواليس قلوب ملؤها العتب على ضفتي «التيار» و»الحزب».
منذ توقيعه، مرّ تفاهم مار مخايل بمحطات أصعب وصمد. تجاوز قطوع حرب تموز بتفهّم «التيار» ورئيسه موقف «حزب الله» في حينه إلى حد قول السيد نصر الله إنّ في ذمته ديناً للجنرال ميشال عون يجعله يشفع له يوم القيامة. وفي أيار 2008 وما أعقبه من إعتصام لعامين لم يقف «التيار» في مواجهة «حزب الله». وكذلك عند تدخل «حزب الله» بالحرب في سوريا. تقصد «حزب الله» ألا يفاتح أياً من حلفائه بشأن مشاركته فيها منعاً لإحراجهم فكان أن اعتبرها الجنرال حرباً إستباقية دفاعاً عن لبنان.
إذاً هي ثلاث محطات أو ثلاثة إمتحانات صعبة تجاوزها التفاهم بسلام. مجتمعة كان وقعها وتأثيرها أسهل من قطوع خلاف الحليفين اليوم. قد يكون إختلاف الظرف لعب لعبته حيث تقاطع الخلاف مع تجمع القوى السياسية في مواجهة باسيل الذي بات يريد من «حزب الله» التموضع معه ضد خصومه.
خلافات وندوب
هي لم تكن المرة الأولى التي يريد باسيل فيها من حليفه ملاقاته إلى حيث يريد والتماهي مع مصالحه وإعتباراته السياسية وحساسياته المسيحية. فلطالما شهدت العلاقة محطات من الخلاف على الموقف من مستجدات أو قضايا مختلفة وفي كل مرة كان الخلاف يترك ندوباً في العلاقة سرعان ما تتم معالجتها موضعياً لكنها تبقى كرماد تحت جمر ملتهب. ومن بين ملفات الخلاف التي لا تزال ندوبها حاضرة:
– ملف مرفأ بيروت حيث أصر «التيار» على عقد جلسات للحكومة ولم يتفهم موقف «حزب الله» الذي رأى في تحقيقات المحقق العدلي طارق البيطار إستنسابية هدفها رمي كرة اللهب في وجهه وإحراجه مسيحياً. لكن باسيل تبنى تحقيقات البيطار وطلباته بالإستماع الى حلفاء «حزب الله» الأقربين متمنياً على «حزب الله» تفهم موقفه مسيحياً في انفجار ألحق الأذى الأكبر في المناطق المسيحية من دون الأخذ في الإعتبار مكمن القضية ومقصدها السياسي.
– في الطعن بقانون إنتخاب المغتربين أمام المجلس الدستوري حيث اعتبر «التيار» أنّ على «حزب الله» الضغط على القضاة الشيعة لقبول الطعن بينما كان «حزب الله» ينأى بنفسه عن الملف أو التدخل مع قضاة هم أقرب في السياسة الى حليفه الشيعي.
– في الخلاف حول مكافحة الفساد يعتبر «التيار» أنّ فشله في مكافحة الفساد مرده إلى تخلّف حليفه عن مساندته مسايرةً لحليفه الثاني أي الرئيس نبيه بري، في وقت اعتبر «حزب الله» وبخلاف ما يدّعي «التيار» أنه شن حربه على الفساد وتقدم بملفات لم يبت فيها القضاء وجوابه «للتيار» كان أنّ «حالنا مع القضاء مشابه لحالكم، تقدمنا بملفاتنا الى القضاء ولم يتحرك».
– في العلاقة مع بري لم يتفهم «التيار» أنّ لتلك العلاقة خصوصية في وجدان «حزب الله». عند كل مفترق كان يقول للحزب إنّ مشكلتكم معنا هي أولوية علاقتكم مع بري. تلك العلاقة التي لم يخف «حزب الله» حساسيتها وهو صارح «التيار» منذ توقيع التفاهم عام 2011 أنّ وحدة الصف الشيعي متقدمة على ما عداها. عندما كان يسألهم باسيل إذا اختلفت مع بري فمع من ستقفون كان جواب «حزب الله» نتمنى ألا تختلفوا. وفي المرة الثانية كان جوابه سنتدخل للصلح في ما بينكم، أما في الثالثة فقد أعاد التذكير أنّ الأولوية لديه هي لوحدة الصف الشيعي.
على عكس «التيار الوطني الحر» فإنّ «حزب الله» مجتمعاً يريد العلاقة مع «التيار» ولا توجد أجنحة منقسمة على قراره، بينما تنقسم الآراء في صفوف «التياريين» بين من يقول إنّ العلاقة مع «حزب الله» هي خارج السياق التاريخي للمسيحيين، وبين من يعتبرها علاقة جيدة طالما فيها إفادة وتؤمّن الوصول للرئاسة، أما الفريق الثالث فهو المقتنع بالعلاقة الجيدة والتي توفر ضمانات مع مكون أساسي في البلد، ويعتبر أن «حزب الله» وخلافاً لكل الآخرين هو الصادق الوحيد ولا مبرر لقطع العلاقة معه.
الغلبة اليوم هي لرأي باسيل الذي يؤكد على ضرورة العلاقة رغم وجود أصوات تخالفه الرأي وتدعوه إلى فكّ التفاهم. وفي كل مرّة كانت تخرج مثل هذه الأصوات ويراجع بشأنها «حزب الله» يكون الجواب إنّه التنوع داخل «التيار» فيتم تفهمه، لكن أن يأتي الإستهداف من باسيل فوقعه سيكون مختلفاً خاصة وأنه حمل استهدافاً للأمانة العامة ولشخص السيد ما استدعى رداً ورداً على الرد، وجعل العلاقة تبلغ هذا المستوى من التردي.
في قناعة «حزب الله» أنّ أصل الخلاف غير مرتبط بجلسة الحكومة وأنّ أكبر نقطة خلاف بينه وبين «التيار» هي على ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. كان بدأ الحديث بينهما حول ترشيحه خلال الإجتماع الأول مع السيد حسن نصر الله حيث تم التفاهم على استكمال البحث في جلسة ثانية لكن باسيل إستعجل تسريب موضوع اللقاء والإعلان عن رفضه لهذا الترشيح وقصد باريس لهذه الغاية، وهو ما كان موضع استياء عند «حزب الله». أظهر باسيل الخلاف الى العلن ورفع سقف مواقفه وبلغة أخرى صعد أعلى السلم حتى بات لا يعلم كيف النزول عنه.
يحرص باسيل على سؤال «حزب الله»: هل ستمشون بانتخاب فرنجية من دون موافقة «التيار»؟ سؤال لا إجابة عليه لأنّ الجواب أياً يكن سيكون مصدر خلاف. إذا قال لن نمشي من دون «التيار» يعني أن لا رئاسة لفرنجية وهو تعهد له بذلك، وإذا مشى بترشيحه من دون «التيار» يعني أن كلاً منهما في طريق منفصل. «حزب الله» بات أسير التزاماته مجدداً. والحل إذاً؟ قد يصل «التيار» إلى نتيجة مفادها أن ترشيح فرنجية لا مفر منه وهو الوحيد الذي يملك نسبة من الأصوات معقولة حتى اليوم، وربما يقتنع جراء تسوية ما تحصل بهذا الشأن أو «سين سين» جديدة.
الإنسحاب من التفاهم
وككل مرّة يقع فيها الخلاف يرفع «التيار» لهجته مهدداً بالخروج من التفاهم. في المرة الأولى أرسل «حزب الله» للتيار يقول: إذا كنتم متعبين من التفاهم فنحن لا نرضى لكم التعب جراء العلاقة معنا، فكان الجواب :على العكس نحن حين خيّرنا الأميركي بين التفاهم والعقوبات إخترنا العقوبات. اليوم يرددها «حزب الله» مجدداً: يدنا بيد «التيار الوطني الحر» ونصرعلى التفاهم معه إلا إذا رفض وأراد الإنسحاب فهذا شأنه. ويعتبر أنّ هذا التحالف مفيد على المستوى الوطني وللفريقين.
محصلة القول إنّه ورغم تمسك كلّ طرف بموقفه المختلف عن الآخر في مقاربة ملف إنتخابات الرئاسة إلا أنّ «حزب الله» لا يزال يصر على أن الخلاف لن يترك تأثيراً على العلاقة المباشرة وعلى التفاهم مع أنه خلّف خدوشاً. في نهاية المطاف فإنّ الطرفين محكومان بالصلح وكثيرة هي الأطراف المقتنعة بأنّ باسيل لو برم الكون فإنّ الجهة الوحيدة التي تحفظ الود معه هي «حزب الله». العلاقة باردة ولكن تدريجياً سيتم بثّ الروح فيها مجدداً فيكتنفها الدفء، يؤكد «حزب الله» وفق المصادر المطلعة عن قرب على سير علاقته مع «التيار الوطني الحر».