كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
تتعامل القوى السياسية، بجدّية، مع ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية. لكن على طريق الوصول إلى ترجمة الترشيح انتخاباً، هناك كثير من المطبّات والبازارات المفتوحة على تسويات وتنازلات.
فتح الكلام الجدي عن التعديل الدستوري الذي يمهّد لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية. هذا لا يعني أن قراراً صدر بانتخاب عون حكماً. لكن البازار السياسي فتح على جبهات عدة، بدءاً من رئاسة المجلس النيابي وصولاً إلى القوى السياسية المسيحية وحزب الله. وعلى طريق هذا البازار، يمكن استشفاف معطيات وقراءات متعددة حول ما قد يلجأ إليه أي طرف من المعنيين المباشرين في تقديم تنازلات لانتخاب عون أو التمسك بمواقف رافضة إلى النفس الأخير.
في خلاصات أولية لنقاشات الأيام الأخيرة، أن أي اتفاق داخلي أو خارجي تؤديه قطر نيابة عن الأميركيين، أو الفرنسيين، حول ترقية اسم قائد الجيش إلى المرتبة الأولى في لائحة المرشحين الأساسيين يعني أن «لا اتفاق لحل الأزمة اللبنانية، بل هو مجرد انتخاب رئيس لإدارة الأزمة أو بتوصيف أدق رئيس ستاتيكو». وهذا يترجم استطراداً بكلام أوسع أن الدول المعنية لا تزال تتريث في حسم خيارات أساسية تتعلق بلبنان، في انتظار مزيد من الإيضاحات حول أوضاع دول المنطقة وصولاً إلى أوكرانيا. وقائد الجيش في هذا الإطار، بما يحمل من مواصفات، أو لا يحمل، في وضع استثنائي اقتصادي ومالي دقيق، يوازي معادلة أن الحل الموقت هو انتخاب رئيس لا يحمل حلاً إنقاذياً بقدر ما يسهّل إضافة بعض اللمسات الخفيفة على الأزمة العالقة بفك العقدة الرئاسية ليس إلا.
لذا بدأ الكلام عن محاولات لطرح التعديل الدستوري تدريجاً بحيث يصبح الكلام عنه مناسبة لفتح ثغرة في جدار الأزمة الرئاسية، لجهة جس النبض حول ما يمكن أن تكون عليه مواقف القوى المعنية ولا سيما المسيحية منها في القبول أو عدم القبول بالتعديل الدستوري أو انتخاب عون من دون تعديل دستوري وبلا رد فعل معارض. في الكلام أن القوات قد تكون الطرف الأكثر قابلية للمساومة السياسية للارتضاء بقائد الجيش، علماً أن الحديث يشمل عدم التفاؤل بقدرة القوات التي يتهم رئيسها الدكتور سمير جعجع بأنه صياد تسويات، أن تقبض «ثمن» هذا القبول في السياسة، وفي العهد الجديد، لاعتبارات معروفة. لكن القوات تفتح الطريق أمام «لا» مخفّفة، بدل أن تكون قاطعة في رفض عون لأسباب تتعدى رفض تسمية عسكري كما جرت العادة. وهنا تتفق القوات مع التيار الوطني بعدم تكريس معادلة انتقال رئيس من اليرزة إلى بعبدا.
من جهته، لا يزال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يعاند ترشيح عون. الفكرة الأولى التي يجري الكلام عنها أن قاعدة التيار المنبثقة أساساً من رحم المؤسسة العسكرية في التسعينيات وما بعدها، يمكن أن توالي قائد الجيش وهذا الأمر يثير خشية قيادة التيار، رغم أن ثمة مبالغة في تصوير الجيل الجديد من القاعدة العونية أقرب إلى الجيش منه إلى قيادة التيار. الفكرة الثانية هي أن باسيل الذي يخوض معركة كسر عظم مع حزب الله حول ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، يشن المعركة نفسها حيال ترشيح عون. وهو من أجل ذلك مستعد للذهاب في معركته إلى الحد الأقصى مع حزب الله. لكن هناك من يحاول تسويق فكرة أن قائد الجيش قد يكون الرئيس ميشال سليمان رقم 2، أي بمعنى عدم تحوله قوة قائمة بذاتها رغم أنه خارج من رحم مؤسسة عسكرية تدعمه، بعكس ما يمكن أن يشكله فرنجية من خطر سياسي عليه، لا سيما لجهة اتكائه على ركن أساسي هو الرئيس نبيه بري. وهذا يعني أن خشية باسيل غير مبررة في ألا يتمكن من خلق نواة داخل الحكم تواليه وإن لم تكن بحجم ما كان موجوداً خلال عهد الرئيس ميشال عون. لكن قلق قيادة التيار أن تكون الظروف مختلفة بين ظروف سليمان وظروف مجيء عون حالياً، في ضوء صعود قوى تخاصم باسيل وتعاند استمرار وجوده في العهد الجديد كقوة أساسية، الأمر الذي يضيق الخناق عليه. لذا يتعامل رئيس التيار مع ترشيح عون على أنه مسألة حياة أو موت كما يتعامل مع ترشيح فرنجية.
لكن فتح باب التسويات مبكراً في ما خص ترشيح قائد الجيش، يعني في الوقت نفسه أن من سيفتح البازار مدرك لحجم ما سيتطلبه تسويق قائد الجيش داخلياً، على غرار تسويق سليمان في الدوحة وما قبلها وما بعدها، وما سيطلبه باسيل من أثمان، كما غيره من القوى السياسية. هنا يمكن الإضاءة على موقف حزب الله من هذا الترشيح.
في مكان ما، قد يكون الإتيان بعون مخرجاً للحزب، لجهة التقاطع الخارجي الإقليمي من دون أن يسجل تراجعاً في موقفه وهو الذي لم يعلن دعمه العلني لفرنجية، كما أنه طرح منذ اليوم الأول فكرة التوافق على رئيس جديد وليس التشبث برئيس من طرف واحد. وانتخاب عون كرئيس إدارة أزمة فقط وليس الدخول في متاهات حلول تتعلق بجوهر أزمة النظام الحالي وملحقاتها المالية والاقتصادية، يعطي الحزب مزيداً من الوقت لتلمس معطيات خارجية ومآل الوضع الإقليمي، ويريحه داخلياً من أعباء صدامات لا يحتاجها، وهو الذي حرص على أن يحكى عن أحد اللقاءات مع قائد الجيش علنياً. والحزب كما الرئيس نبيه بري لن يقطعا الطريق إلى انتخاب أي رئيس، أكان عون أو غيره قبل الكثير من التفاهمات والتسويات كسلة متكاملة، وليس اختيار رئيس الحكومة الجديد وحده من ضمنها. وإذا كان بري تجاوز عقدة باسيل منذ ما قبل انتهاء العهد الماضي، إلا أن حزب الله لا يزال رغم كل ما بينهما من توترات جدية لا يمكن التقليل من أهميتها، رافضاً لفكرة تجاوز باسيل بسهولة. ما بينهما يبدو أحياناً عصياً على الفهم. لكنه أحياناً سهل إلى حد أن موقف التيار اليوم جازم أن الحزب لن يتخطى باسيل في ترشيح قائد الجيش. أما توافق كليهما عليه فيحتاج إلى وعود متنوعة الاتجاهات. وهذه المرة على طريقة وعد انتخاب الرئيس ميشال عون وليس أقل من ذلك.