عبد الهادي محفوظ: ترسيم حدود الرئاسة اللبنانية بين واشنطن وحزب الله المعادلات التي تحكم الوضع اللبناني لا توحي بتاتا بأن انتخاب رئيس للجمهورية يضع حدا لما يعاني منه اللبنانيون من أزمات متشابكة تتناول كل وجوه حياتهم ومستقبلهم.
قد يكون الانتخاب مدخلا لتسوية علاقات القوى السياسية المرتبطة بالسلطة ومنافعهم وحساباتهم وتعايشهم. كما أنه يضع قواعد جديدة لعلاقات الخارج بالداخل والتوازنات وتمكين الولايات المتحدة الأميركية من التحكم بالاقليم والمحيط عبر المنصة اللبنانية مستفيدة من وضع ’’دولة رخوة‘‘ تحتاج في أي من الحلول التي تبحث عنها إلى ’’الخارج الأميركي‘‘. أما الحسابات المتحكمة بالوضع اللبناني فهي معادلة جاء بها انجيل يوحنا ’’البيت المنقسم على نفسه يخرب والمملكة المنقسمة على نفسها تزول‘‘. الإنقسامات تطول كل شيء ونفاق مستشرس يحكم علاقات القوى وأزمات متلازمة تؤدي إلى عنف عبثي وإلى تفشي الأوبئة وهجرة الشباب ويأس وإحباط يقارب ’’حالة الإنتحار‘‘.
وهذا المشهد هو ما توظفه واشنطن لدفع الطبقة السياسية إلى مزيد من التنازلات المطلوبة أميركيا باعتبار أن السلطة السياسية المنقسمة تحتاج إلى المساومة الدائمة. وأوراق واشنطن بهذا المعنى كثيرة منها أنها حاضرة في كل القوى السياسية بدرجات متفاوتة موالاة ومعارضة. مجتمع سياسي أو مدني. وتملك أدوات كثيرة منها البنك الدولي وصندوق النقد وضغوط الأزمات المحلية وحسابات الطوائف المتنافرة. لا شك أن الحوار الداخلي بين الفرقاء السياسيين غير ممكن حاليا. والحوار الخارجي لا تستعجل عليه واشنطن وتعطي الدور لباريس لتقطيع الوقت دون جدوى.
وأما الحوار في الكواليس فهو يتم من جهات مختلفة بغاية ترتيب مكانها ودورها في العملية الانتخابية على قاعدة أن الجميع يدرك بأن الفاعل الاستراتيجي في الانتخابات الرئاسية هو واشنطن التي تحتاج إلى أخذ موافقة الفاعل المحلي وهو حزب الله على الرئيس المرتجى. لكن موافقة حزب الله مرهونة بضمانات تعطى له تتناول سلاحه وعدم الطعن به.
وحقيقة الأمر أن مثل هذه ’’الضمانات‘‘ لا يعطيها الرئيس أيا كان. لأنه لا يستطيع ضمانها بحكم الإستعصاءات الطوائفية. والوحيد القادر على إعطائها هو الأميركي. من هنا الأخذ والرد في موضوع الرئاسة ينتظر معادلة مشابهة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية والغازية.
وإلى أن يتم انتخاب رئيس جديد في أفق زمني غير بعيد فإن حزب الله يرفع من ’’وتيرة اللبننة‘‘ ويقترب أكثر فأكثر من ثوابت البناء الفكري للإمام السيد موسى الصدر حول بناء الدولة العادلة والقادرة ومعادلة لبناء وطن نهائي لجميع اللبنانيين ومن كون المقاومة الاسلامية هي ’’مقاومة وطنية‘‘ ومن أن حل الأزمات اللبنانية وحدها الدولة الجامعة قادرة عليه. وبالتأكيد فإن ’’منحى اللبننة‘‘ هذه يحتاج إلى اعتبار أن التنوع والتعدد في لبنان سقفه تعميق ’’المشترك‘‘ في فكرة ’’المواطنة‘‘ وإلغاء السقوف المتعددة للمواطنية. وهذا في الجوهر يحتاج إلى وقت وإلى تفهم من النخب الفكرية والسياسية وباقي الفرقاء وإلى استيعاب أن رصيد حزب الله ممكن توظيفه في الحسابات اللبنانية البحتة في سياق اللبننة المشار إليها وعندها لا يهم من يكون رئيسا.
على الأرجح أن واشنطن تستبعد معادلة الرئيس القوي. وهي تبقي مرشحها قيد التداول في الكواليس وتحاول تسويقه. وهو مرشح لا يقتصر على اسم واحد. وهي لا تمانع إذا أجمع الفرقاء السياسيون على مرشح معين. لكن تجد أن هذا الإجماع مستحيل بحكم الإعتراضات المتبادلة. حتى ضمن الفريق الواحد. فلو أن حزب الله نجح في كسب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى تأييد المرشح سليمان فرنجية لكان هذا رئيسا..
ولذا فإن الرئيس المتوقع هو من نمط جهاد أزعور وزياد بارود ووديع الخازن وناجي البستاني. وهذا مرهون بلحظة الحوار التي سيدعو إليها الرئيس نبيه بري عندما تنضج الظروف.