جاء في “اللواء”:
تجاوز لبنان لتاريخه قطوع خلو الرئاسة الأولى لعلة عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسلَّم الفريق الأرعن الذي حاول التخويف من توجه الحكومة المستقيلة لملء الشغور الرئاسي، من زاوية جدال دستوري، امتد لأسابيع حول مدى صلاحية الوزارة المستقيلة أو مجلس الوزراء في حالة التصنيف الضيق للأعمال، سلَّم هذا الفريق بتوصية المجلس النيابي، ان تواصل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تصريف الأعمال، نظراً لمخاطر الذهاب الى «فوضى دستورية»، وهي بالأحرى، فوضى مجتمعية، عندما تفقد السلطة القدرة الحفاظ على الانتظام العام.
بدا المشهد الخميس الماضي مختصراً حالة الاحتقان، ليس لدى الفريق العوني، الذي سيبقى لوقت غير قصير، يعيش على أوهام انتصارات ينسبها لنفسه، دون سواه من الأطراف والقوى السياسية الأخرى، في محاولة للاحتفاظ ببنية الولاء الداخلي لقيادته الحالية، ممثلة بالنائب الحالي جبران باسيل غير القادر على التجرؤ للترشح للرئاسة الأولى، او التصرُّف بموجب نتائج الانتخابات النيابية، حيث ما يزال مصرّاً على الزعم أنه الكتلة النيابية الأكبر مسيحياً في المجلس النيابي، بل لدى الفريق المسيحي الآخر، الذي ينافسه بالزعم أيضاً أنه الكتلة المسيحية الأكبر، لذا عليه أن يفتح الباب أمام رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن يخوض غمار الرئاسة او تلتقي الكتل عند دعم من يرشحه للرئاسة، كالنائب ميشال معوض او سواه ممن يرتئي الفريق المناهض لتحالف التيار الوطني الحر- حزب الله، الذي فقد الأكثرية النيابية في البرلمان بعد انتخابات 22 ايار من العام الحالي».
في غمرة مشهد تتلاعب فيه عناصر الضعف، في محاولة للإيحاء بعناصر القوة، يحتل ما خلص اليه منتدى الطائف، الذي نظمته السفارة السعودية في بيروت اهمية لجهة اعتبار اتفاق الطائف حجر الأساس في صيانة العيش المشترك والوحدة الوطنية بين اللبنانيين، في خضم انقسامات قوية، تعبّر عنها المواقف المتصادمة من الجلسة النيابية على نيَّة انتخاب رئيس جديد، او العجز عن تنظيم الخلافات في مرحلة، يصبح فيه التصادم مكلفاً..
لم يكن أمام القوى والكتل المدعوة الى المنتدى إلَّا ان تشارك في اعماله، من زاوية ان المملكة العربية السعودية، تتحرك على المسرح اللبناني، من زاوية دور تتطلع اليه، للمساعدة في استمرار الاستقرار الداخلي، من زاوية العوامل إياها التي ادت الى الاستقرار العام بعد التوقيع على وثيقة الوفاق ووضع الآلية التنفيذية لتصبح دستوراً، يعيد بناء المؤسسات، بدءًا من انتخاب رئيس للجمهورية الى انتخابات نيابية وحكومة جديدة، ودورة خدمات واستثمارات.
جاء الطائف على انقاض حكومة الشرذمة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق امين الجميل عام 1988، والآن تأتي المحاولات للتأكيد على استمرارية الطائف على انقاض عهد الرئيس عون، الذي كاد مناصروه ان يعيدوا عقارب الساعة الى الوراء، دون جدوى.
لعلَّ في هذه المقاربة، يتضح مدى الحاجة لتشكيل رعاية عربية – دولية، لوضع آليات اعادة انتاج رئيس للجمهورية، بأخذ الاستنتاجات اللازمة من تجربة التهوُّر التي أخذت البلاد والعباد الى وضعية احتلت المرتبة الأولى في الفساد وانهيار العملة الوطنية، وتدني الرواتب والخدمات، وارتفاع الاسعار المخيف في المواد الغذائية والخدمات، وصولاً الى صفر كهرباء، وما يشبه ذلك من صفر ماء.
يعرف العاملون في تنظيم عملية تقطيع الوقت الداخلي بانتظار هذه الرعاية، التي ليس من السهل تشكلها، ان الحراك النيابي اللبناني، سواء في ساحة النجمة او على مستوى جغرافي آخر، لا يستند الى «عقل فعال» يخرج ما بالقوة (أي الاستعداد) للإنتخاب الى ما هو كائن بالعقل اي الانتخاب عندما ينجز هذا الانتخاب..
في الوقت الضائع هذا، تمضي الحياة السياسية والمعيشية برتابة، تتراوح بين ارتفاع سعر صرف الدولار او انخفاضه، ووعود «الكمون» للكهرباء بين 5 او 8 او 10 ساعات شهرياً، فضلاً عن انتظارات ثقيلة لموازنة لم تحسم تعذيتها المالية بعد برفع سعر الدولار الجمركي الى 15 الف ليرة لبنانية.
وعلى الجبهة السياسية، يتصرَّف الرئيس ميقاتي، باعتباره رأس الدولة من الناحية الإجرائية، ومعه الوزراء بما في ذلك الوزراء الذين جمعهم ذات يوم جبران باسيل، ليطلب اليهم، ما لبث ان تراجع عنه لجهة عدم المشاركة، في جلسات مجلس الوزراء وسوى ذلك التي لا داعي لها من زاوية التصريف الضيّق للأعمال.
ولئن كان المجلس النيابي ماضياً في عملية اقرار مطالب صندوق النقد الدولي للإقراض، فإن جلسة الخميس الخامسة لانتخاب رئيس، ستشهد بداية تحولات لجهة إبراز مرشح 8 آذار، ألا وهو النائب السابق سليمان فرنجية، الذي يعمل النائب السابق وليد جنبلاط للحؤول دون وصوله الى بعبدا من زاوية علاقته بالرئيس بشار الأسد.
بين محور 8 آذار المدعوم روسياً وسورياً وايرانياً ومحور 14 آذار المدعوم أميركياً وعربياً، ومن دول الاعتدال العربي، لا سيما الخليجية منها، تصبح المبارزة بين النائب الحالي ميشال معوض، والسابق فرنجية واضحة للعيان، ليعود المشهد وينكفئ في لحظة نضوج بين قائد الجيش جوزاف عون وفرنجية، في انتخابات لن تخرج عن المألوف، في ما خص الرعاية العربية – الدولية – الاقليمية او التفاهم على ايصال عون او فرنجية الى بعبدا.