كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
جاءت لافتة اشادة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بمواقف رئيس الجمهورية ميشال عون «خلال مسيرته الطويلة»، وتشديدها على «انتخاب رئيس ضمن المهل الدستورية». أعادت زيارة الديبلوماسية فتح أبواب التواصل اللبناني الفرنسي من خلال القنوات الرسمية ومن خلال رئاسة الجمهورية ما يعزز احتمال أن تشهد الساعات المقبلة خطوات ثانية على مستوى هذه العلاقة.
هدف الزيارة اعادة تحريك الجهود الفرنسية الراكدة، لا ينتظر منها نتائج بعيدة لكنها عدلت في المناخ الفرنسي السلبي الذي كان سائداً طوال الفترة الماضية وكرّست عودة واقعية في الوقت المستقطع لتقول إنّ فرنسا ستكون إلى جانب لبنان في الفراغيْن الحكومي والرئاسي من دون أن يكون لها دور في التسوية على مستوى أيّ من الاستحقاقين.
مجدداً تعود فرنسا إلى لبنان، بوابتها الى الشرق الاوسط وموطئ القدم الوحيد المتبقي لها في المنطقة. لا تفوّت فرنسا فرصة تظهرها الوصي الشرعي على لبنان وأمّه الحنون». لا ترهن محاولاتها بالنتائج دائماً. منذ زيارة رئيسها ايمانويل ماكرون لم تنجح في الدفع باتجاه حلحلة أيّ من الأزمات في لبنان. ظروفها الداخلية لم تسعفها أصلا وهي التي شهدت خضّات متتالية قبل أن ترتد عليها الحرب الاوكرانية – الروسية سلباً. يُسجّل لفرنسا سعيها المتواصل لتكون الى جانب لبنان. يُسجل لها أيضاً محاولاتها المتكررة سواء مع الأميركيين او مع السعودية للحث على مساعدة لبنان. بغض النظر عن النتائج، فإنّ فرنسا الدولة الاوروبية الوحيدة التي لم تترك لبنان لكنها بالمقابل لم تستطع تحقيق ذاك الخرق الانقاذي. فهي منذ زيارة ماكرون لم تستطع وضع حد للدور الأميركي الذي عكّر صفو تدخلها وطوق دورها في اعقاب انفجار المرفأ، وفشّل سعيها لاستضافة حوار وطني لبناني برعايتها. هي أيضا فشلت في تأمين مساعدات دولية للبنان وجلّ ما توصلت اليه هو تقديم مساعدات محدودة بالتعاون مع المملكة السعودية .
طوال الأزمة ومنذ 17 تشرين ولغاية اليوم بقيت فرنسا حاضرة وإن معنوياً. وتندرج زيارة كولونا لساعات الى لبنان في سياق التأكيد على الدور من دون أن تحمل كبيرة الديبلوماسيين مبادرة فرنسية أو كلمة سر تتصل بالاستحقاقات اللبنانية الداخلية على تعددها.
لكن لمجرد أن تأتي الزيارة في اعقاب الاتفاق على الترسيم البحري، وفي اعقاب فشل جلستين في الاتفاق على اسم مرشح رئاسي جديد، وعدم التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد يعني أنّ الملفات الثلاثة حضرت حكماً في زياراتها المقرات الرئاسية. وفي المحطات الثلاث كما في المطار أكدت على وجوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية مع وجوب احترام الاستحقاق الدستوري، وأنّ «الاتفاق التاريخي الذي عقده لبنان مع إسرائيل في موضوع ترسيم الحدود البحرية لن يحلّ مكان الإصلاحات التي تبقى أولوية ويجب تطبيق الاتفاق مع البنك الدولي». لكن ما لم تعلنه وزيرة الخارجية الفرنسية، هو تشديدها أمام المسؤولين أن لا مرشح رئاسياً لبلادها وهي لن تعمل على دعم شخصية معينة بقدر ما تسعى الى حث الاطراف المعنية على الإتفاق على انتخاب رئيس في حد اقصى نهاية العام الجاري. كما تجنبت الدخول في لعبة الاسماء او الظهور بمظهر الداعم لشخصية ما على حساب اخرى.
وفي ما يتعلق بالترسيم البحري قالت إنّ الدور الأساس كان للأميركيين لكن بلادها كانت حاضرة وسهلت الاتفاق موضحة خطوات شركة «توتال إنرجي» الفرنسية التي ستقوم بعملية التنقيب في حقل قانا اللبناني بحثاً عن الغاز.
لا يمكن الحديث عن جديد فرنسي حملته الزائرة الفرنسية بقدر ما هو اعادة تأكيد المؤكد بالنسبة للرئاسة وانتظام عمل المؤسسات وانجاح المفاوضات مع صندوق النقد أي إثارة الأمور التي تتصل بمصالح بلدها وحضورها في لبنان. ولم يغب ملف النازحين عن المباحثات وطلب لبنان أن تلعب فرنسا دوراً مساعداً في اعادتهم الى ديارهم تلافياً لأزمة مستقبلية لعدم قدرة لبنان على الاستمرار في استضافتهم. فكان جوابها أنّ «مفتاح هذا الوضع يتعلق بتحسن الأوضاع في سوريا». ما يعني أنّ فرنسا لا تزال ترهن عودة النازحين بالحل السياسي. ووصف مصدر وزاري الزيارة على انها اقتصرت على تقديم التهنئة بالاتفاق البحري والضغط في سبيل تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس ليتمكن لبنان من الوقوف مجدداً واستعادة دوره ومكانته في المنطقة . لكن كان لافتاً ايضاً أن حديثها عن الحكومة مرهون بانتخاب «رئيس جديد» لتكون «في المستقبل حكومة تمارس عملها بالكامل». أيّ أنها تجاوزت تغيير الحكومة الحالية لأنّ الأهم فرنسياً هو انتخاب رئيس ليبنى على الشيء مقتضاه.