كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
لا يزال نواب قوى «التغيير» الـ13 يرفضون الاتفاق مع المعارضة السيادية على تبنّي ترشيح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية، فبحسب هؤلاء لا يندرج اسم معوض بين الأسماء التي يعتبرون أنّها قادرة على الوصول الى سدة الرئاسة الأولى والتعاون مع الجميع بنفسٍ تغييري. وفي حين أنّ من بين هذه الأسماء يرد اسم الوزير الأسبق زياد بارود، إلّا أنّه من المرجح أن لا يحرق نواب «التغيير» اسمه باكراً في جلسة الانتخاب الثانية غداً، إذا انعقدت، خصوصاً أنّه «مرشح توافقي» ويملك حظوظ الفوز إذا اتُفق على اسمه محلياً وخارجياً. ويبدو أنّ «حزب الله» مستعد للبحث في اسمه كما أعلن عضو تكتل «نواب التغيير» النائب ياسين ياسين إثر اللقاء مع «الحزب».
بارود الذي شغل منصب وزير الداخلية والبلديات بين عامي 2008 و2011 لفترتين متتاليتين في حكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري، وأدار الانتخابات النيابية عام 2009، وترشح على لائحة «التيار الوطني الحر» عام 2018 في دائرة كسروان – جبيل، وخسر على رغم حصوله على نحو 4000 صوت تفضيلي في كسروان، من المؤكد أنّه «حمد الله» لاحقاً على هذه الخسارة بعد ما وصل إليه البلد في عهد الرئيس ميشال عون والنقمة على الرئيس وصهره النائب جبران باسيل الذي يُعتبر أنّه «الرئيس الظل». كذلك آثر بارود في الدورة الانتخابية لعام 2022 عدم الترشح بعد فشل اتفاقه مع «القوى التغييرية». وخلال مرحلة تأليف الرئيس نجيب ميقاتي حكومته الأولى في عهد عون، في آب 2021، تداولت وسائل إعلامية خبراً مفاده أنّ ميقاتي عرض على عون إسناد حقيبة الداخلية لبارود كشخصية مسيحية محايدة، إلّا أنّ بارود نفى هذا الخبر، جازماً، «على فرض صحته»، أنّه ليس «مستوزراً» ولا يرغب في أن يكون جزءاً من أي محاصصة.
في هذه المرحلة الرئاسية أعيد إقحام بارود في «محاصصة» مع باسيل على المستوى الرئاسي، الأمر الذي نفاه رئيس «التيار» أخيراً خلال مقابلة تلفزيونية. أمّا بارود فيلتزم «الصمت الرئاسي»، على رغم أنّ اسمه من أبرز الأسماء المطروحة لرئاسة الدولة. يبتعد الوزير الأسبق من الإعلام ويحتجب حتى عن إبداء رأي دستوري في الإشكاليات المرتبطة بالرئاسة، لكي لا يُفسّر على أنّه لصالحه أو ضد أي مرشح. هو الذي شارك في السلطة التنفيذية لا يُعتبر من الطبقة السياسية الحاكمة التي سرقت وأفسدت ونهبت. عمل في الوزارة كرجل قانون ودستور، متحرّراً من أي تسويات ومحاصصة وخدمات، وغير مُقيّد بلقب «الزعيم» أو العمل لإرضاء عائلة سياسية أو حزب أو تيار أو مجموعة ومؤيدين «يتبعون» له. مسيرته في المحاماة والخبرة الدستورية العميقة التي يملكها، إضافةً الى حياديته وموضوعيته، فضلاً عن فكره العملاني القانوني الصرف وشخصيته التي لا تخاطب الغرائز الطائفية، وعدم استفزازه لأي شريحة طائفية أو حزبية في البلد، كلّها عوامل تجعل منه «رئيساً توافقياً»، وفي الوقت نفسه إصلاحياً وتغييرياً. يُضاف الى ذلك حمله الجنسية الفرنسية مع علاقات جيدة مع الدول المؤثرة في الداخل. لكنه لم يحسم بعد قرار إعلان ترشحه للرئاسة، ولن يعتمد الطرق التقليدية، لا لجهة عقد مؤتمر صحافي وإعلان ترشحه مرفقاً ببرنامج رئاسي، ولا لجهة «طرق الأبواب السياسية»، إن في الداخل أو الخارج، لتسويق اسمه وجمع الأكثرية النيابية المطلوبة لانتخابه. يفضّل صاحب الشخصية الحوارية التزام الصمت رئاسياً، أقلّه الآن، وربما الى حين حسمه قرار إعلان الترشح أو بروز العوامل التي تفيد بأنّ حظوظه باتت جدية ومرتفعة الأسهم.
عندما يقرّر ابن جعيتا الترشح للرئاسة سيحكم التوقيت طريقة هذا الترشح، خصوصاً أنّه لا يسقط من «الباراشوت» أو يأتي من خلفية غير معروفة. جميع المعنيين بالاستحقاق الرئاسي في الداخل والخارج يعرفونه. وهو يعتبر، بحسب عارفيه، أنّ الأساس الذي يجب أن يحمله أي رئيس للجمهورية، هو الرؤية وليس البرنامج، فالنظام في لبنان برلماني وليس رئاسياً، وما يمكن أن ينجزه الرئيس استراتيجياً يحصل بالتنسيق مع الحكومة ومجلس النواب، فأي برنامج رئاسي وعلى أهميته لا يُعبّر بالضرورة عمّا يُمكن أن يحققه الرئيس في عهده. لذلك كلّه قد لا يخرق بارود صمته الرئاسي، وهو مع لبننة هذا الاستحقاق ومع أن يأخذ مجلس النواب على عاتقه ومسؤوليته انتخاب الرئيس، على رغم معرفته أنّ هناك عواصم معنية بالملف اللبناني وأنّ هناك أفرقاء مرتبطين عضوياً بدول إقليمية. وفي حين أنّ ملامح المرحلة المقبلة المرتبطة بالأوضاع الإقليمية والدولية، هي التي تحدّد ملامح الرئيس وليس العكس، يقرأ بارود هذه الملامح بتمعُّن وموضوعية، غير لاهث وراء الرئاسة، خصوصاً إذا تطلّب الوصول الى القصر الجمهوري دفع الأثمان في تسويات ومحاصصات.