الترسيم مؤجَّل.. ماذا عن الرئاسة والحكومة؟

لا يبدو ان في الافق اي انجاز يمكن ان يحققه العهد في الأسابيع الثلاثة الفاصلة عن نهايته، فالترسيم البحري الذي كان سيشكل ابرز الانجازات النادرة والمحتملة سقط من اللائحة وبات ملفا من الملفات المعلقة المدرجة على لائحة القضايا المؤجلة الى ما بعد نهاية الولاية على الأقل. وكل ذلك يجري على وقع انتظار الثالث عشر من تشرين الاول الجاري موعد الجلسة الثانية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد، في وقت فشلت فيها المساعي القائمة من اجل تحديد موعد محتمل لتشكيل الحكومة الجديدة بعدما تعقدت الامور وباتت تتراوح بين يوم وآخر ما بين نقطة الصفر وبداية الطريق الطويل الى ولادتها.

انطلاقا من هذه المعادلة البسيطة التي باتت على كل شفة ولسان، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ”المركزية” انه من الصعب جدا مواجهة اي من هذه الاستحقاقات التي بلغت مرحلة تفوق قدرات اهل الحكم على مقاربة النهاية الإيجابية لأي منها قياسا على حجم العوائق التي عطلتها جميعها مهما اختلفت الأسباب والظروف التي تتحكم بأي منها وفقا للمعطيات الآتية:

فبالنسبة الى انتخاب الرئيس لم يظهر حتى اليوم ما يؤشر الى احتمال التوافق على اسم واحد كما اشترط بري ليوجه الدعوة الى الجلسة الثانية، ولكنه فعلها مستغلا تاريخ الثالث عشر من تشرين الاول الجاري في خطوة عدت من باب “الزكزكة” إن لم تكن من باب “التحدي” بالنسبة الى رمزية التاريخ لمصادفته الذكرى الثالثة والأربعين لإخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا لما كان رئيسا للحكومة العسكرية الإنتقالية التي انتقلت اليها صلاحيات الرئيس امين الجميل بعدما تعذر انتخاب خلفه قبل نهاية الولاية الرئاسية عام 1988.

وهو امر يتوقع ان يقود الى مقاطعة الجلسة من قبل نواب التيار الوطني الحر على الاقل وان انضم إليهم عدد من النواب المستقلين ستطير الجلسة. وكل ذلك ممكن حصوله، وسط الحديث عن طلب تبلغته قيادة “حزب الله” للتدخل وإرجاء الجلسة منعا لاستغلال الموعد، فلا رئيس الجمهورية ولا اجواء التيار الوطني الحر يحتملان التمادي في الاصرار على عقدها في تاريخها. ونقل عن مرجع في التيار قوله انه بالاضافة الى الطلب الى الحزب التدخل هناك مسعى يقوده نائب رئيس المجلس النائب الياس بو صعب للغاية عينها. وقد تركزت المبادرة على اهمية سحب الدعوة باكرا. مع العلم بان مشهد جلسة 14 ايلول لن يتكرر في كل الحالات وخصوصا ان بقي الموعد قائما، لأن هذا التاريخ لا يساوي برمزية التاريخ السابق الذي استدرج معظم النواب المسيحيين وقسم من السنة الى التضامن ما ادى الى مقاطعة شبه شاملة أدت الى تطيير النصاب.

وكما على مستوى الاستحقاق الرئاسي فان الملف الحكومي ليس بأفضل حال. فالتعثر اصاب حتى اليوم مختلف المبادرات التي اطلقت، وانهى الكثير من مهام الوساطات التي قام بها أكثر من متطوع وخصوصا تلك التي قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خلفية الشروط التي وضعها رئيس التيار الوطني الحر لتسهيل الخطوات الاخيرة في ظل ممانعة يقودها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة ومن خلفه رئيس مجلس النواب نبيه بري رفضا لما يطالب به باسيل في ما لم يحقق “حزب الله” اي تقدم او خطوة ايجابية يمكن ان تفتح الطريق الى هذا الاستحقاق.

وإن كانت كل هذه المؤشرات تعكس حجم العقدة المتمثلة بفقدان التفاهم الداخلي على “رئيس توافقي”، فإن المساعي القائمة من اجل توليد الحكومة قد اصطدمت بالمزيد من العقد. وان كان التفاهم على تسمية واختيار ستة او سبعة وزراء مستحيلا فكيف سيكون بالامكان التوصل الى التوافق الداخلي على تسمية شخصية واحدة لرئاسة الجمهورية في ظل مسلسل المواصفات الموضوعة والتي لا تتطابق إلا مع مطلقيها ظنا منهم أنها “ملغومة” يمكن اخفاءها عن اللبنانيين الذين باتوا يعرفون بعضهم بعضا ويدركون حجم التزامات البعض باقتراحات وخطط الخارج وربما باملاءآته وخصوصا تلك التي نقلت الصواريخ الذكية والاسلحة واموال هائلة، كما بالنسبة الى تلك الجهات التي سبق لها ان أعلنت ولاءها صبحا ومساء لهذا المرجع الاقليمية او الدولي او ذاك متناسين مآسي اللبنانيين مما يعانونه من ضغوط يناى تحت حملها وثقلها من يمتلك اعتى الاكتاف وأكثرها تحملا.

على هذه الخلفيات، تستبعد المراجع المعنية إمكانية أن تنجح المنظومة في مواجهة أي من هذه الاستحقاقات المشار اليها. وهي تحصي مظاهر العجز والفشل في مقاربة قضايا خلافية صغيرة مما ادى تراكمها الى ان تحولت سيلا من الأزمات باتت معالجتها من سابع المستحيلات. وبات من الصعب تحقيق اي منها فلا رئيس للجمهورية جديدا سينتخب خلال المهلة الفاصلة عن نهاية الولاية وان حصل العكس فسندخل مدار المعجزات المستحيلة من جديد. وان شكلت حكومة فلن تكون في شكلها ومضمونها مشابهة لكل ما هو مطروح حتى اليوم على الأقل. وإن لم تتمكن من نيل ثقة المجلس النيابي في فترة قياسية قريبة من تحوله هيئة انتخابية لا يمكنه القيام بأي عمل آخر سوى انتخاب الرئيس المفقود فإن الجدل الذي انصب حتى اليوم حول صلاحية تسلم حكومة تصريف أعمال لصلاحيات الرئيس سينتقل الى البحث عن صفة لم يشر اليها الدستور بعد ان شكلت ولم تنل صلاحيات المجلس النيابي.

أما على مستوى الترسيم فإنه، وعلى الرغم من تأكيدات الخارجية الاميركية ليل أمس بأن الوسيط المسهل، “ما زال يعتقد أن التوصل إلى إتفاق لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل ممكنًا”، فإن الأنظار تتجه الى اسرائيل لمعرفة مدى حاجة حكومتها الحالية الى مثل الاتفاق المنتظر قبيل الانتخابات، وإلا سيكون عليها تأجيل البت به الى ما بعدها لتفرض على الجميع بدء مرحلة من الانتظار يخشى ان ترتبط مجددا بالانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ والكونغرس الأميركي منتصف الشهر المقبل فتطير الاستحقاقات جميعها بجريرة بعضها بعضا الرئاسية منها والحكومية ومعها الترسيم البحري الذي طال انتظاره وسينتهي العهد دون إنجاز أي استحقاق بما فيها ذلك الذي تم التلمس بإبتداعه في الربع الساعة الأخير.

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …