كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
بعد مرور 23 يوماً على بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيسٍ للجمهورية والتي تنتهي في 31 تشرين الأول المقبل مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، يبدو أنّ البحث في هذا الاستحقاق بدأ يسلك منحى أكثر جدية، داخلياً وخارجياً، إن على مستوى تسويق مرشحين أو التحركات والاتصالات السياسية والبيانات الصادرة بهذا الخصوص. وتشير هذه الحركة والاتصالات الى دخول دولي على هذا الخط، تمهيداً للعبة تحسين الشروط والظروف لمحاولة كلّ طرف أو محور الإتيان بالرئيس الذي يلائمه، أو رفع السقف بأسماء «مواجهة» للوصول الى رئيس توافقي يرضي الجميع إذا حتّمت العوامل الداخلية والإقليمية ذلك. وهذا بدوره يدلّ الى أنّ شغور كرسي الرئاسة الأولى بات محسوماً وبات التركيز على مدته وتحصين البلد بالحد الأدنى لكي يتحمّل هذا الفراغ الدستوري.
كذلك إنّ البيان الأميركي – الفرنسي – السعودي المتزامن مع جمع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان النواب السنة (من سيحضر منهم) اليوم في دار الفتوى على أن يلبّوا بُعيد هذا الاجتماع دعوة سفير السعودية لدى لبنان وليد البخاري، والذي بدأ أيضاً جولة سياسية «رئاسية» انطلقت من المختارة ومعراب، كلّها تحركات ليست شكلية أو لجس النبض فقط، بل إنّ علنيتها تُظهر «باكراً» أنّ هناك قراراً عربياً – غربياً بعدم ترك الاستحقاق الرئاسي ورقةً في يد إيران، وتعزيز مواجهة المعارضة في الداخل اللبناني بوجه «حزب الله»، أقلّه رئاسياً.
هذا الاستحقاق الرئاسي في لبنان يُبحث فيه على أكثر من مستوى، ويستطلع سفراء وديبلوماسيون أجانب الآراء حياله، وكان موضع درس ونقاش الى طاولة عشاء بين ديبلوماسيين عرب وأوروبيين في دولة كُبرى ومؤثرة. وخرج هؤلاء السفراء جميعاً برأي واحد يعكس المعطيات المتوافرة من دولهم، مفاده أنّ هناك إجماعاً على أنّ الفراغ الرئاسي في لبنان حاصل مصحوباً بأملٍ في أن لا تكون مدته الزمنية طويلة. ولذلك حصل تدخُّل دولي للضغط في اتجاه تأليف حكومة للحد من الانهيار، بحيث أنّ هذه الحكومة المرتقبة والتي باتت ولادتها وشيكة بحسب المؤشرات، والتي يعلم المجتمع الدولي أنّها لن تتمكّن من أن تُصلح المطلوب لكنّها تحدّ من تسارع المسار نحو الارتطام، ستحسّن من صورة لبنان ووضعه قليلاً لدى المجتمع الدولي. فبحسب مصادر ديبلوماسية متابعة، هذه الحكومة لن تصنع العجائب لكنها تحدّ قليلاً من الأزمة التي نعيشها لكي لا تتحوّل فراغاً تاماً رئاسياً وحكومياً، وذلك منعاً للأخذ والرد حيال إمكانية تسلّم حكومة تصريف الأعمال الصلاحيات الرئاسية. ولذلك إنّ تأليف حكومة أمر مهم جداً في لبنان إن للداخل أو للمجتمع الدولي.
لكن ما يكشف التناقض في المواقف حيال الرئاسة، أكانت داخلية أم خارجية، أنّ الجميع يبدي رغبة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن المهلة الدستورية، وفي الوقت نفسه هناك شبه إجماع على أنّ الفراغ الرئاسي محتّم، علماً أنّ كثيرين من الأفرقاء اللبنانيين ينتظرون «كلمة سر» خارجية حيال هذا الاستحقاق، وأبرزهم «حزب الله» المرتبط عضوياً بإيران وسياستها. لذلك، لا يجب الأخذ في المواقف المعلنة للدول التي قد لا تمثّل مواقفها الرسمية، بحسب المصادر الديبلوماسية نفسها، خصوصاً أنّ العرقلة الحاصلة في المفاوضات حيال الملف النووي الإيراني، تجعل إيران غير مستعجلة على إتمام الاستحقاق الرئاسي في لبنان، لاستخدامه ورقة ضغط على الغرب. عدم الاستعجال هذا يسري على دولٍ أخرى، لذلك بدأ التحرك الأميركي – السعودي المُواجه والفرنسي الذي يحاول تقريب وجهات النظر والمصالح المختلفة، بحيث ستحاول كلّ دولة أن يُنتخب رئيس قريب منها. وهذا، وفق المصادر نفسها، سيطيل الفراغ الرئاسي، لأنّ التوازنات في لبنان لا تسمح بأن يكون هناك رئيس فريق أو رئيس موالٍ لمحور إقليمي أو دولي ضدّ المحور الآخر.