كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
قالها رئيس مجلس النواب بالفمّ الملآن: الامتناع عن تأليف الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء هو الذي يؤخّر وصول الغاز من مصر والكهرباء من الأردن لأنّ البنك الدولي لن يعطي موافقته على القرض المخصص لهذه الغاية إذا لم تحترم شروطه وفي مقدمة هذه الشروط، تأليف الهيئة الناظمة، وذلك بمعزل عن الاعتبارات السياسية التي تدفع الإدارة الأميركية إلى ربط هذا الملف بمصير قضية ترسيم الحدود البحرية، لأنّه حتى لو أشعلت واشنطن الضوء الأخضر، فثمة شروط تقنية لا يمكن تجاوزها.
اذ قال بري في خطابه الأخير «هل من أحد في هذه السلطة المختبئة خلف شعارات «ما خلونا» أن تجيب على سؤال ما هي المبررات لعدم تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء. «هيدي حارمتنا الغاز من مصر والكهرباء من الاردن وحارمتنا النفط من هون ومن هون الهيئة الناظمة هي شرط من شروط البنك الدولي وشرط من شروط الغرب لعلها ذريعة، لكن لماذا لا تنفذ القانون الصادر من عشرات السنين ما كانت تنفذ؟ تصوروا ان الحجة لازم يتغير القانون بدل ما نطبق القانون لازم نغير القانون بصفي كل ما صدر قانون بدك تغيروا بالاول، وبالتالي لماذا المجلس ولماذا التشريع؟ هذه الهيئة الناظمة استنزفت أكثر من ثلث مالية الدولة والدين العام لا أحد يصدق».
في الواقع، فإنّ السجال القديم- الجديد بين «التيار الوطني الحر» والقوى المنتقدة له حول حتمية تعديل القانون 462 قبل تعيين الهيئة الناظمة، صار أشبه بقصة ابريق الزيت. فالأعذار التي يرددها العونيون منذ أكثر من عشر سنوات، تلخّص بأنّ القانون 462/ 2000 (تنظيم قطاع الكهرباء) غير قابل للتطبيق لكونه مشوهاً ولذا لم تصدر مراسيمه التطبيقية، وقد تقدم فريقهم باقتراح يتناول بشكل خاص الهيئة الناظمة بحجة أنّ الصلاحيات بيد الأخيرة فيما المسؤولية السياسية تُلقى على وزير الطاقة، وبأنّ القانون 181/ 2011 ينصّ في مادته الأولى، الفقرة السابعة، على تعديل القانون 462 ليصار في ما بعد إلى تعيين الهيئة الناظمة… مع العلم أنه جاء في هذه المادة على أنّه «تشكل لجنة وزارية للنظر بالتعديلات على القانون خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، والإلتزام بالقانون وتشكيل هيئة ناظمة خلال هذه المهلة بناء على اقتراح زير الطاقة». وهذا ما يعتبره المدافعون عن قيام الهيئة هروباً من جانب العونيين إلى الأمام.
ويضيفون إنّ القانون لا يعرّي الوزير من صلاحياته، ولعل أبرزها وضع السياسة العامة للقطاع، اقتراح سياسة الانتاج، وضع الدراسات والخطط تمهيداً لاقرارها في مجلس الوزراء… في المقابل فإنّ القانون ينيط بالهيئة الشقّ التنفيذي أي ذلك المرتبط بمنح التراخيص وتحديد التعرفة، وأحوال الشبكة. ما يعني أنّ الطرفين يكملان بعضهما البعض لا العكس، كما يدّعي العونيون.
وتؤكد التجربة أنّ غياب الهيئة عطّل مفهوم الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في هذا المجال، وهو جوهر القانون 462، بدليل أنّ مجلس الوزراء الذي حلّ طوال هذه المدّة محل الهيئة، بفعل تعديل المادة السابعة (صدر سلسلة قوانين في هذا السياق)، لم يفلح في هذه المهمة ولم يمنح إلا ترخيصاً واحداً لانتاج الطاقة عبر الرياح لم ير النور لأن عيوباً مالية وتقنية شابت الملف، ومنح قبل مدّة مجموعة تراخيص لانتاج الطاقة الشمسية شابتها أيضاً علّة المحاصصة. ولو كانت الهيئة الناظمة موجودة، لما وقعت بهذه المطبات لكونها صاحبة اختصاص أولاً، ويفترض أن تحصل عملية تعيين أعضائها وسط شفافية تامة.
ورغم كلّ الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحتى الإدارة الفرنسية (ورد المطلب في الورقة الإصلاحية التي حملها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت)، إلا أنّ الهيئة الناظمة لم تر النور. قبل نحو أسبوعين نُشر خبر عن المكتب الإعلامي لوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض يقول إنّه استقبل «مدير وكالة MEDREG حسن أوزكوش، وهي الوكالة التي تجمع 27 هيئة ناظمة في منطقة البحر المتوسط ومقرها مدينة ميلانو في إيطاليا»، وبأنّ اللقاء «تناول مجموعة عناوين أهمها الإستفادة من خبرة الوكالة في سبيل مساعدة لبنان على انتقاء الممارسات الفضلى من بين التجارب التي خاضتها الدول الأعضاء تمهيدًا لإنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في لبنان وتحديد الدور المرتقب منها»، وقد «شكر الوزير فياض وكالة MEDREG وعلى رأسها أوزكوش على هذه المبادرة، معتبرًا أن سلسلة الإجتماعات هذه هي بمثابة نقطة الإنطلاق للإجراءات الآيلة إلى إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وذلك تماشياً مع البرنامج الزمني المحدد في ورقة سياسة قطاع الكهرباء التي وافق عليها مجلس الوزراء في شهر آذار الماضي».
وهذا يعني أنّ فياض لا يزال في طور دراسة الآلية التي عليه اتباعها لتعيين الهيئة مع العلم أنّ هو نفسه قال في شهر آذار الماضي إنّ «آلية تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء بالمراحل الزمنية والخطوات العملية وردت في الورقة الإصلاحية المتّفق عليها مع البنك الدولي»! ما يعني أنّه ليس بحاجة إلى مراجعة الكثير من الوثائق والتجارب لكي يضع آلية تضمن الشفافية والكفاءة وتبعد السياسة عن قطاع الكهرباء وتعيد الثقة إلى القطاع الخاص، ولا الاستعانة بخبرات أجنبية، الأرجح أنّها غير مجانية، مع العلم أنّ إبقاء الوضع على ما هو عليه، سيكون أفضل من تعيين هيئة تطغى عليها المحاصصة وتكون استشارية الطابع لتزيد الأعباء على الخزينة العامة من دون أن تؤدي وظيفتها الأساسية من خلال ابعاد السياسة عن قطاع كبّد مليارات الدولار ولم ينتج سوى العتمة الشاملة.