كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
لا شكّ أنّ طرابلس والأجيال المتعاقبة عليها وفيها، لن تنسى جريمة بحجم “السلام” و”التقوى” التي استهدفت مصلّين يؤدّون فريضة الجمعة في مسجدين طرابلسيين، وراح ضحيتها أكثر من 50 شهيداً ومئات الجرحى.
تلك الجمعة كان من الممكن أن تكون عادية لو أنها لم تشهد انفجارين منفصلين لدقائق قليلة حوّلا نهارها أشلاء وضحايا ودماء مضرّجة. دفعت طرابلس بنتيجة هذين التفجيرين الأثمان الباهظة لتأييدها للثورة السورية ودعمها لها، ولم تكن تعلم أن الجلاد سينقل الحريق من سوريا إلى أي مكان يناصر مظلومية المظلومين.
منذ العام 2013 والذكرى تتوالى كل سنة في الثالث والعشرين من آب، حتى وصلنا الآن إلى الذكرى التاسعة ولا يزال منفّذو هذا الإعتداء على بيوت الله وحرمات المصلين وعلى أمن المدينة واستقرارها، طليقين، لم تجد العدالة في بلد اللاعدالة إليهم سبيلاً. وكأنّنا في شأن هذه الجريمة بتنا أمام تعداد السنوات لنزيد رقماً على أرقامها كل سنة، حتى بتنا في الرقم 9 ولا زال المنفذون أعداء المدينة ومن عاونهم من ضعاف النفوس والوطنية من أبنائها خارج دائرة العدل والعدالة. تحولت هذه الذكرى التي دفعت طرابلس فيها الدم والأرواح مجرد ذكرى مثلها مثل أي جريمة وبقيت طي النسيان والعدالة التي لا تتحقق. مثلها كمثل كل ذكرى ينتظرها السياسيون لتنميق أجمل الألفاظ في أحلى القوالب من بيانات الشجب والإستنكار والإدانة، والمطالبة بإحقاق الحق ومعاقبة المرتكبين، لكنها بيانات لا تتجاوز حجم الشاشة الصغيرة التي كتبت عليها، ولا تقدّم أو تؤخر أي شيء في مسار الوصول إلى العدالة لمن تضرر.
في الذكرى التاسعة للتفجير تبدو مدينة طرابلس التي ناصرت الثورة السورية ووقفت إلى جانب المظلوم أينما كان، هي اليوم بحاجة إلى من يناصرها ويحمل قضاياها. فطرابلس وبدل أن تكافأ على وقفتها إلى جانب المظلوم هي اليوم تعاقب وتظلم. إنها اليوم مدينة بلا قيادة، بلا إدارة، بلا بلدية، بلا استقرار ولا عدالة. هي اليوم مدينة بلا أبسط مقومات الحياة، من ماء وكهرباء واستشفاء، لقد تقزّمت أحلامها ومواقفها وثوابتها، من مدينة أُمّة، تناصر القضايا الوطنية والقومية وتدافع عنها، إلى مدينة همّها تأمين أبسط وسائل وجودها وبقائها. قلعة الأمة طرابلس مدينة العلم وعبق التاريخ، مدينة السلام والتقوى، هي اليوم بحاجة أن يتقي المسؤولون الله فيها، علّها تنعم بالسلام المنشود.