ما جرى في صيدلية جب جنين يدقّ جرس إنذار لما قد يحصل في مختلف المناطق اللبنانية، الأدوية المقطوعة يُقابلها أدوية منتهية الصلاحية في بعض الصيدليات، التأويلات كثيرة والمبرّرات تطول والمواطن يدفع الثمن، إمّا بعدم إيجاد دوائه أو بتناول أدوية منتهية الصلاحية!
إقفال الصيدلية في جب جنين وختمها بالشمع الأحمر.
لا رواية واحدة بل لكلّ جهة وجهة نظرها وروايتها في مسألة الصيدلية في جب جنين، فالبعض أعاد ما جرى إلى توقّف الوكلاء عن استرجاع الأدوية المنتهية الصلاحية في الصيدليات، في حين اتهم البعض أن الصيدلي كان يبيع أدوية منتهية الصلاحية لبعض الناس.
بالأمس داهمت دوريّة من أمن الدّولة الصيدليّة المذكورة، وتمّ الكشف على الأدوية فيها، والتحقق من كميّة كبيرة منها، تبيّن أنّها منتهية الصلاحيّة ويتمّ بيعها للمواطنين. وتبيّن أيضاً أنّ الأدوية الصالحة للبيع، والمدعومة من الوزارة المعنيّة، تُباع بأسعار غير مدعومة، ليحقّق صاحب الصيدليّة أرباحاً طائلة.
أُقفلت الصيدلية بالشمع الأحمر بعد أن عثر عناصر من أمن الدولة على أدوية مدعومة يبيعها الصيدلي ع.ع إلى المواطنين بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى العثور على أدوية منتهية الصلاحية. عبوات حليب الأطفال والأدوية المدعومة مخزنة داخل الصيدلية في حين يدفع المواطنون “دم قلبهم” لإيجاد حبّة دواء. وفي النهاية يخرج الصيدلي بسند إقامة ويواصل التجار جريمتهم … أمّا حياة الناس “عَ الله”.
هل ما حدث اليوم يمكن أن يكون الخطوة الأولى لتفكيك هذه الشبكة المؤلفة أيضاً من بعض الصيدليات التي تستغلّ وجع الناس وتبيعهم أدوية مدعومة لتحقيق أرباح طائلة أو أدوية مزوّرة غير آبهة بصحتهم. فهل تكرّ السبحة مع صيدليات أخرى تخزّن الدواء أو تهرّبه أو تبيعه بأسعار مرتفعة؟
بعد تحقيق جهاز أمن الدولة مع الصيدلي، تمّ اخلاء سبيله بسند إقامة، يدافع نقيب الصيادلة جو سلوم عن زميله شاكراً المعنيين على إنصافه وإنصاف الدور الذي يضطلع به صيادلة لبنان. برأيه “الصيادلة ضحيّة عدم أخذ مرتجعات الأدوية المنتهية الصلاحيّة”. وطالب في بيان أصدره “نؤكد على التزامنا بالقوانين وصحة المواطن، ونطالب بحصانة الصيدلي وحصانة المريض وتأمين الأدوية الجيّدة عبر الطرق القانونيّة، وبخاصة المستعصية منها رأفةً بالمريض”.
في حين يؤكد طبيب القضاء ورئيس مصلحة الصحة في البقاع الغربي الدكتور وليد دلي لـ”النهار” أن “جهاز أمن الدولة تحرّك وداهم الصيدلية حيث وجدوا أدوية مدعومة مخزنة إمّا للتهريب أو لبيعها بأسعار أعلى، كما وجدوا أدوية منتهية الصلاحية. وعلى أثره تمّ توقيف الصيدلي وإقفال الصيدلية بالشمع الأحمر.”
وعن تسجيل عوارض صحية عن بعض الأهالي نتيجة تناول هذه الأدوية، ينفي دلي صحة هذه المعلومة “لم يُسجل حتى الساعة أي شكوى من أي أحد حول هذا الموضوع. أمّا بالنسبة إلى الشقّ الثاني من القصة فهي صحيحة ولذلك تمّ توقيف الصيدلي للتحقيق معه”.
كما يشير إلى أنّ الأدوية المصادرة من الصيدلية ستوزّع على المستوصفات وتصل إلى المواطنين مجّاناً، وما جرى في جب جنين يجب أن يكون بمثابة درس لكلّ من يتلاعب بصحة المواطن أو يستغلّه، ويجب محاسبته وليس تخلية سبيله كما حصل مع الصيدلي ع.ع”.
وفي اتصال مع النهار، يشرح سلوم تفاصيل التوقيف بالقول: “ينصّ قانون مزاولة مهنة الصيدلة على استرجاع الوكيل للأدوية التي شارفت على انتهاء صلاحيتها، ولكن أصدر وزير الصحة قراراً يمنع فيه استرجاع الأدوية المنتهية الصلاحية في حالات معينة وبعد مراجعة وزارة الصحة. وعليه، أصبحت الصيدليات تحتوي على أدوية منتهية الصلاحية. وفي الأمس تمّ توقيف صيدلي في منطقة جب جنين بعد إيجاد أدوية منتهية الصلاحية في صيدليّته”.
لذلك تقدّمت نقابة الصيادلة بدعوى إلى مجلس شورى الدولة للطعن بقرار يناقض قانون مزاولة مهنة الصيدلة القاضي باسترداد الأدوية المنتهية الصلاحية.
ويشير سلوم إلى أنّ “رفض الوكلاء استلام الأدوية المنتهية الصلاحية بدأ منذ 5 أشهر بعد صدور قرار الوزير، لم يعد أيّ وكلاء يلتزم استلام هذه الأدوية من الصيدليات. ونحن نتحدّث هنا عن مختلف أنواع الأدوية، وكنّا نعاني من هذا الموضوع منذ فترة، ولكن زادت المشكلة بعد قرار الوزير”.
من جهته، أكّد أحد أقارب الصيدلي لـ”النهار” أن “لا صحّة لبيعه أدوية منتهية الصلاحية، وإنّما حسب ما تبيّن أنّه باع دواء بسعر أغلى من سعر الدواء المحدد، ويبدو أنّ هناك من وشى به حتى تمّ مداهمة صيدليته والتحقيق معه”.
ويشدّد على أنّ “سمعته جيدة وهو في المصلحة منذ سنين طويلة، والصيدلية تعتبر أول صيدلية في المنطقة وهي موجودة منذ أكثر من 40 سنة. كما أنّه خدوم ويساعد الجميع ويقصده الأهالي أحياناً في ساعات متأخرة في الليل ويلبّي طلباتهم كون الصيدلية تحت منزله. لذلك يحبه الجميع في المنطقة ولا توجد شكوك حوله، لذلك أستبعد أن تكون القصة كما تناقلها البعض ببيعه أدوية منتهية الصلاحية للناس”.
من أدوية ماء وملح، إلى أدوية منتهية الصلاحية أو أدوية مغشوشة يبدو أنّ الإفلات من هذا الجحيم بات صعباً، خصوصاً اذا كان يباع داخل الصيدلية التي من المفترض أن تكون المكان الآمن لشراء الدواء.
المواطن المريض عليه أن يدفع ثمن تقصير الدولة وجشع بعض التجار والصيدليات في تحقيق أرباح، وغياب الضمير عند بعض التجار والمهربين سواء ببيع أدوية منتهية الصلاحية أو بيع أدوية مزوّرة… وفي كلّ الأحوال يبقى المريض اللبناني الوحيد الذي يدفع ثمن هذا الفساد والاستهتار في صحته، فلا الدولة ضربت بيد من حديد لتوقيف تهريب الأدوية أو المتاجرة فيها في السوق السوداء، ولا يبدو أنّ أزمة الدواء إلى انفراج قريب. فالأدوية غير متوفّرة بالطرق الشرعية، ستبقى الأدوية المزوّرة والمهرّبة تدخل إلى البلد، “والله يعين هيدا الشعب”.
النهار