كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يتصرّف جبران باسيل إزاء الاستحقاق الرئاسي من منطلق قوّة. يحقّ له ذلك بما أنّه لا يزال رئيس تكتّل نيابي وازن سيفرض نفسه ممراً إلزامياً، أمام الحلفاء، أي قوى الثامن من آذار، وفي طليعتهم «حزب الله» لترئيس ماروني خلفاً للرئيس ميشال عون، طالما أنّ هناك استحالة، أقلّه حتى الآن في تجاوز باسيل العقوبات الأميركية ليقفز إلى الحلبة الرئاسية كمرشّح طبيعي.
تكمن أهمية خيار التكتل أو سلوكه في الاستحقاق المنتظر بعد أسابيع قليلة، في كونه المظلة المسيحية التي ستضفي شرعية معنوية على العهد الجديد، اذا ما قرر باسيل أن يكون شريكاً بالصوت والصورة، في انتخاب مرشّح من هذا الفريق أو حليف له، وطالما أنّ سيناريو استحواذ قوى الثامن من آذار على 65 صوتاً، أكثر قابلية للتحقيق من سيناريو تفاهم الكتل النيابية المعارضة لكي تجمع 65 صوتاً يمكّن مرشحها من الفوز. في مطلق الأحوال، سيكون بيد «تكتل لبنان القوي» ورقة قوية اسمها التعطيل أو المقاطعة التي قد تضرب ميثاقية مرشح هذا المحور، على المستوى المسيحي.
كل هذه المعطيات تدفع برئيس «التيار الوطني الحر» إلى ترقّب المرشحين المحتملين على الكوع. لا يزال حاجة ماسة لا يمكن تجاوزها. ولا بدّ لمن سيتوجه إلى قصر بعبدا خلفاً للرئيس عون أن ينسج اتفاقاً مع باسيل. ولكن في المقابل، يدرك رئيس «التيار» أنّ هذا الاستحقاق سيكون مفصلياً في مساره السياسي. مع ترئيس ميشال عون وضعت بين يديّ باسيل رزمة لا تحصى من مفاتيح السلطة والنفوذ.
مع بداية العهد حين كان تفاهم معراب لا يزال متيناً والتفاهم مع سعد الحريري في أحسن أحواله، كان جبران باسيل حاكماً بأمره. لا بل الحاكم المطلق. يقول أحد المتابعين إنّ رئيس «التيار» كان يتدخّل لدى الحريري لتغيير ترشيحات سنيّة مقترحة للتعيين، وكان الأخير ينصاع لطلباته. إلى هذا الحدّ كان بمقدور باسيل أن يتحكّم بمفاصل الدولة، من صغيرها لكبيرها.
ولكن صبيحة يوم الأول من تشرين الثاني المقبل، مع خروج الرئيس عون من القصر سيكون الوضع مختلفاً. لا حليف لباسيل إلّا «حزب الله». حتى الأخير يتأفف من سلوك حليفه المسيحي ومن كثرة غنجه وطلباته. سيُجيّر الوهج للرئيس الجديد، وكُثر سيتحوّلون في ولائهم لمصلحة الوافد إلى قصر بعبدا. كلّ هذه المتغيّرات ستدفع بباسيل ليكون دقيقاً في حساباته لأنّ هذه المرة ستكون غير كل المرات السابقة.
أكثر من ذلك، قد لا تقتصر مواجهات رئيس «التيار الوطنيّ الحر» مع الخصوم. حتى أبناء جلده البرتقالي، قد لا يرحمونه في تمرّدهم. تكفي استعادة مشهدية ترشّح الياس بو صعب لنيابة رئاسة مجلس النواب، خلافاً لرغبة باسيل، والضغط الذي تعرّض له الأخير من جانب نواب عونيين لمصلحة بو صعب، للتأكد من أن مرحلة ما بعد ميشال عون لن تكون نزهة سهلة بالنسبة لباسيل. لا بل ستكون أمام الرجل مهمة شبه مستحيلة في تطويع نواب «التكتل».
في الواقع، فإنّ الأشهر الأخيرة شهدت أكثر من محطة خلافية بين باسيل وعدد من النواب العونيين، لا سيما القدامى منهم. هؤلاء باتوا يميلون أكثر للنمط الاعتراضي- التمرّدي بوجه رئيس «التكتل». وكلّما اقترب العهد من نهايته، راح هؤلاء يحسبونها بمنطق مصالحهم ومستقبلهم ومصيرهم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، بدا غياب كلّ من إبراهيم كنعان وآلان عون وزياد أسود وحكمت ديب وسليم عون عن الاجتماع الذي دعا إليه باسيل لإعلان نتائج الاستطلاع الداخلي التمهيدي لاختيار مرشّحي «التيار» في انتخابات نيابية، فاقعاً كون تلك الاستطلاعات كانت موضع خلاف بين الفريقين، وقد عكست تلك الخطوة حالة الاحتقان والتوتّر داخل الحزب. وما عاد سرّاً أنّ بعض النواب العونيين لا يربطهم بباسيل اليوم سوى وجود ميشال عون في القصر الجمهوري، والمصلحة المشتركة، بعدما كبرت مسافة التباعد بينهم بشكل لم يعد هؤلاء يترددون في اخراج خلافاتهم إلى العلن. والأمثلة لا تعدّ ولا تحصى عن المحطات الخلافية على المستوى السياسي بين الفريقين.
خلال الاحتفال الذي اجراه «التيار» في أعقاب الانتخابات النيابية، وجّه باسيل مضبطة اتّهامية كاملة بحقّ بعض العونيين ممن خرجوا من بيت الطاعة. يومها أكّد أنّ «كلفة بقاء البعض من دون محاسبة في التيار صارت أكبر بكثير من كلفة خروجهم»، متوعّداً بـ»البهدلة لكلّ من يخرج عن مسار التيار، ولا يلتزم بالمناقبية الحزبية. وانشالله يكونوا تعلّموا يلّلي بعدهم عم يفكروا فيا».
وها هي قيادة «التيار» تستعد لاتخاذ سلسلة خطوات تأديبية بحق نواب سابقين وقياديين خالفوا خياراتها في الانتخابات. اللافت هو توقيت هذه الاجراءات التي كان يفترض أن تحصل في أعقاب الانتخابات وليس بعد أكثر من شهرين من فتح صناديق الاقتراع، فيما يبدو أنّ باسيل يعدّ حزبياً لمرحلة ما بعد ميشال عون من خلال تصفية المشاغبين والمزعجين لكي يكون الحزب مطواعاً بين يديه.
ولعل القرارات التي ستتخذ حالياً قد تكون بمثابة رسالة للنواب الذين لن يلتزموا بخيارات باسيل الرئاسية، سواء كانت سلبية بمعنى المقاطعة أو الاعتراض، أو ايجابية بمعنى عقد صفقة مع المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية. ثمة الكثير من الكلام الذي يحكى في هذا الشأن، لكنه يصبّ في خانة واحدة: باسيل فقد السيطرة.