مع العودة التدريجية للاعبي منتخب لبنان لكرة السلة من العاصمة الاندونيسية جاكرتا، حيث خطف المنتخب اللبناني الانظار على مدى 10 ايام وتحول خلالها الى “بطل” قومي قارع “كبار” اسيا من دون خوف او رهبة، واسقطهم واحدا تلو الاخر بدءا من الفليبين، مرورا بنيوزيلندا وصولا الى الصين. وحقق مسارا مثاليا بدأه من الدور الاول متصدرا مجموعته بالعلامة الكاملة إثر فوزه على كل من الفليبين، نيوزيلندا والهند. ثم في الدور ربع النهائي على منتخب الصين، وفي الدور نصف النهائي على منتخب الاردن قبل ان يخسر في الدور النهائي امام العملاق الاسترالي بصعوبة كبيرة وبفارق نقطتين فقط، تتجه الانظار الى الاستحقاق المقبل ضمن “النافذة” الرابعة من التصفيات الاسيوية المؤهلة الى بطولة العالم 2023 المتمثل بالمواجهتين امام منتخب الفليبين في 25 آب المقبل على ملعب “مجمع نهاد نوفل للرياضة والمسرح” ثم في 29 منه امام منتخب الهند في مدينة بنغالور الهندية.
حسابياً، يحتاج لبنان الى انتصارين من 6 مباريات متبقية في التصفيات، ليضمن رسميا بلوغه بطولة كأس العالم للمرة الرابعة في تاريخه بعد اعوام 2001، 2005 و2007. علما ان المشاركة الأولى في بطولة العالم كانت في انديانا بوليس في الولايات المتحدة الأميركية وأوقعت القرعة لبنان في المجموعة الثانية وخرج من الدور الأول بثلاث خسارات متتالية امام البرازيل بنتيجة 73 – 102، وامام بورتوريكو بنتيجة 77 – 99، وامام المنتخب التركي بنتيجة 80 – 107. وفي العام 2006، ورغم حرب تموز والعدوان الإسرائيلي على لبنان، شارك منتخب السلة في البطولة العالمية للمرة الثانية تواليا، وجاءت النتائج أفضل من العام 2022، اذ تمكن منتخب الارز من الفوز في مباراتين في المجموعة الأولى على المنتخب الفنزويلي بنتيجة 82 – 72، وعلى المنتخب الفرنسي بفارق نقطة وبنتيجة 74 – 73، قبل ان يخسر امام كل من الارجنتين 72 – 107، وصربيا 57 – 104، ونيجيريا 72 – 95 ويفقد فرصة التأهل التاريخي الى الدور الثاني. المشاركة الثالثة في بطولة العالم 2010 في تركيا جاءت ببطاقة دعوة “وايلد كارد”، وافتتح لبنان مبارياته في المجموعة الرابعة بفوز مستحق على المنتخب الكندي بفارق 10 نقاط وبنتيجة 81 – 71 وسط تفاؤل بإمكانية تحقيق انجاز التاهل الى الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخه، لكنه سقط 4 مرات متتالية امام كل من فرنسا 59 – 86، نيوزيلندا 76 – 108، اسبانيا 57 – 91 وليتوانيا 66 – 84.
اتحاد، نوادي، لاعبين وأهل
لم تقتصر انجازات السلة اللبنانية في الأيام والاسابيع الماضية على منتخب الرجال (بطل العرب، وصيف بطل آسيا ومتصدر مجموعته في التصفيات الاسيوية المؤهلة الى كأس العالم) بل سبقه تأهل منتخب السيدات الى مستوى “أ” بعد سنوات امضاها في المستوى “ب”، ثم بلوغ منتخب الذكور دون 16 سنة بطولة العالم للمرة الاولى في تاريخه، ولاحقا احراز منتخب الذكور دون 18 سنة بطولة غرب آسيا وتأهله الى بطولة آسيا المقررة في إيران.
صحيح ان هذه الانجازات ولدت من رحم المعاناة، لكنها لم تأتِ من عدم بل جاءت نتيجة جهود جبارة من الاتحاد والتزامات وقرارات صائبة وتكاليف باهظة من “اللحم الحي” وغالبا من مبادرات شخصية من رئيس الاتحاد اكرم حلبي لتأمين مشاركة مشرفة ولائقة للمنتخبات الوطنية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والاوضاع الاجتماعية القاسية. من دون التقليل من اهمية جهود ادارات النوادي والتزام اللاعبين ومثابرتهم وتضحيات المدربين والاجهزة الفنية واستثمار الاهل وايمانهم بقدرات اولادهم، اضافة الى عمل الاكاديميات التي تنشط في مختلف المناطق مع تفاوت في مستوى المدربين وجدية العمل والاختلاف بين الاكاديميات التجارية البحتة والاكاديميات التي تحرص على الاهتمام بالشقين الفني والأكاديمي.
اجماع شعبي وتجاهل رسمي
هذه الانجازات غير المسبوقة على صعيد المنتخبات الوطنية في جميع الالعاب الجماعية اكدت مرة جديدة ان كرة السلة اللعبة الوطنية شكلت في السابق وتشكل اليوم حالة خاصة عند اللبنانيين مقيمين ومغتربين.
ولم يكن الالتفاف الشعبي حول المنتخب الاول في شكل خاص، وحول باقي المنتخبات في شكل عام، والمفاخرة بإنجازات كرة السلة سوى دليل على المكانة التي تحتلها اللعبة على الصعيد الوطني، ولدى جميع شرائح المجتمع خلافا للكثير من الالعاب الرياضية جماعية كانت ام فردية.
والمؤسف ان هذا الالتفاف الشعبي العارم قابله تجاهل رسمي وتخبط اولمبي، وسط عجز تام عن اتخاذ اي قرار للوقوف الى جانب المنتخبات الوطنية التي تحقق انجازات خارجية لدعمها ومساندتها. بل اقتصر لدى معظم السياسيين والفنانين والوجوه الاجتماعية المعروفة على تغريدات على “تويتر” من دون أي خطوات عملية تؤمن ولو الحد الأدنى من الدعم او اقله تكافئ الجهود التي بذلها اللاعبون والجهازين الفني والإداري التي أضاءت صورة مشرقة عن لبنان واحيت الامل بمستقبل افضل في ظل السواد الكاحل المخيم محليا و”الصيت” العاطل المنتشر خارجياً.
وزارة عاجزة ولجنة ضائعة!
ففي الوقت الذي تعاني وزارة الشباب والرياضة من عجز مالي وغياب كلي عن دعم النشاطات الرياضية وانشغال الوزير الدكتور جورج طلاس (ظُلِم بإسناده وزارة الشباب والرياضة) بسفرات الى كل من العراق، مصر، الامارات العربية المتحدة وتركيا “لا تغني ولا تثمن”، وفي الوقت الذي بدأ العام 2022 نصفه الأخير من دون ان نرى أي نشاط مرتبط باحتفالية “بيروت عاصمة للشباب العرب 2022” لا يعود غياب اي اهتمام فعلي بالمنتخب الوطني لكرة السلة امرا مستغربًا! في المقابل عندما نتطلع الى اللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية اللبنانية لا نجد الا تخبط وضياع جراء التنازع الذي حصل ولا يزال بسبب المساعدة المالية من اللجنة الأولمبية الدولية والتي بلغت قيمتها 300،329 ألف دولار وجرى توزيعها بعد مخاض عسير بطريقة محقة للبعض وترضية للبعض الاخر بعد تدخلات “وقحة” من خارج اللجنة ما أدى الى خلافات بلغ عند البعض حد المقاطعة! واخر هذه المؤشرات على التخبط والضياع الاقتراح الذي تقدم به أحد الأعضاء بتقديم مكافأة لبعثة منتخب لبنان لكرة السلة لكن الاقتراح تجمد بعد الخلاف على طريقة وآلية تسليم المبلغ حيث انقسمت الاراء بين مؤيد ان يمر عبر الجهة الرسمية المسؤولة اي الاتحاد اللبناني لكرة السلة ومعارض لهذا الطرح!
مبادرة “رئاسية” بمباركة اتحادية
في المقابل، وبسرعة ومن دون تردد وافق عدد من رؤساء نوادي الدرجة الاولى، ورجال اعمال، ولاعبين سابقين، ومحبين للعبة على مبادرة “ادعموا منتخب لبنان” التي اطلقها رئيس نادي هوبس بيروت جاسم قانصوه بالتشاور والتفاهم مع كل من الدكتور طلال المقدسي، نديم حكيم، احمد الصفدي ومازن طبارة وبالتنسيق والتعاون مع الاتحاد اللبناني للعبة وعبر “النهار” وضمن برنامج “وجها لوجه”. والتي تضمنت انشاء صندوق لجمع المساهمات المالية وتوزيعها بالتساوي على جميع افراد البعثة اللبنانية التي شاركت في بطولة آسيا خلال حفل سينظم مساء يوم الاثنين بحضور جميع افراد البعثة واعضاء الاتحاد والمساهمين في الحملة.
النهار