ودعت الكنيسة المارونية وأبرشيتا قبرص وأنطلياس وبلدة عين الخروبة المتنية رئيس أساقفة أبرشية قبرص السابق المطران بطرس الجميل في مأتم حاشد أقيم بكنيسة سيدة المعونات في عين الخروبة، وترأس الصلاة لراحة نفسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بمشاركة السفير البابوي المونسنيور جوزيف سبيتاري، مطراني قبرص وأنطلياس سليم صفير وأنطوان بو نجم والمطارنة أعضاء السينودس والرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات.
وحضر الصلاة الرئيس أمين الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب المستقيل سامي الجميل، النائب المستقيل الياس حنكش، رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات المنطقة، أخويات الرعايا، العائلة وحشد من أبناء المنطقة.
الراعي
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “أنا أعرف أبي، وأبذل نفسي عن الخراف” (يو 10: 15)، تناول فيها مآثر الراحل أثناء خدمته الكهنوتية والأسقفية وعمله في اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية، وقال: “إن أخانا المثلث الرحمة المطران بطرس الجميل، الذي نودعه بالأسى والصلاة، غادرنا مفاجئا الجميع صباح السبت الماضي إلى بيت الآب في السماء. وفاته فاجأتنا، لكنها لم تفاجئه هو، إذ كان مستعدا لها في كل لحظة. وبلغ الاستعداد ذروته، إذ قبل دخوله المستشفى منذ أسبوع إلى الآن، وأثناء زيارة سيادة المطران سليم صفير راعي أبرشية قبرص الجديد لوداعه قبل السفر إلى أبرشيته، طلب إليه المطران بطرس سماع اعترافه الكامل. يا لها من نعمة فائقة، وميتة صالحة”.
أضاف: “بعد رحلة على وجه الأرض دامت 89 سنة، شاءه الله أن يستريح من عمله في الكيان الإلهي صباح اليوم السابع. وها نحن نرافقه بهذه الصلاة في عبوره من كنيسة الأرض المجاهدة التي أحبها وتفانى في سبيلها، إلى كنيسة السماء الممجدة التي طالما تأمل فيها وتاق إليها، فكانت صلاته في أعماق قلبه: “في ليتورجيا الأرض، تشوقت إليك إلهي في ليتورجيا السماء” (راجع دستور المجمع الفاتيكاني الثاني: في الليتورجيا، 8).
وتابع: “مذ كان طالبا في اللاهوت وفي قلبه عشق لليتورجيا لأنه كان يرى فيها بعين الإيمان تجليات سر الله، وكان يعشق إتقانها لأنها برموزيّها تعكس احتفال السماء بليتورجيا الحمل الإلهي. وهكذا كان يتذوق مسبقا طعم ليتورجيا السماء (النصّ الثاني عشر من المجمع البطريركيّ: الليتورجيا المارونيّة، 19). عبر الدراسات اللاهوتية والليتورجية، ولج في عمق محبة الآب، فرأى في كهنوته وأسقفيته خدمة محبة الآب بالتفاني وبذل الذات، على ما صلى الرب يسوع: “أنا أعرف أبي، وأبذل نفسي عن الخراف” (يو 10: 15)، ما يعني أن بذل الذات في سبيل النفوس إنما ينبع من معرفتنا لمحبة الآب. إنه ينبوع المحبة في الكنيسة والمسيحية”.
وأردف: “لقد تربى أساسا على محبة الكنيسة والليتورجيا منذ صغره بفضل شقيق جده الخوري بطرس الجميل الذي خدم رعية السيدة في عين الخروبة هذه بكل ورع وتقوى. فمشى إدمون – المطران بطرس في ما بعد – على خطاه في درب الكهنوت، وتدرب على ليتورجيا القداس والأسرار والرتب والزياحات. وكنا نقرأ على وجهه ملامح وجه كاهن المسيح. في البيت الوالدي، بيت المرحومين برجيس وماتيلدا الجميل، كان مشعا أمام أشقائه الستة والشقيقتين بمثله وكان رباط وحدتهم. وآلمته وفاة شقيقيه فخر ورشيد، وشقيقته أوليفيا، فكان إلى جانب عائلاتهم خير معزٍ، وهم رأوا فيه عمادهم”.
وقال: “حالا بعد رسامته الكهنوتية في 29 حزيران 1959، أرسله راعي الأبرشية آنذاك، المثلث الرحمة المطران الياس فرح، إلى روميه للتخصص في العلوم الليتورجية. فعاد إلى لبنان سنة 1963 حاملا شهادة دكتوراه في الليتورجيا، وراح يمارسها في خدمته الروحية والراعوية، في حقول التعليم والتأليف والكتابة وإلقاء المحاضرات، من دون توقف، حتى أصبح رائد مسيرة الإصلاح في حياتنا الليتورجيا وكتبنا الطقسية وقائدها، بعد أن عينه سلفنا المثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير رئيس اللجنة البطريركية المارونية للشؤون الطقسية. ولقد بات نتاجه الليتورجي واللاهوتي والفكري يشكل إرثا كبيرا لمكتباتنا المسيحية باللغة العربية، ويتألّف من إحدى وثمانين وحدة. هذا يعني أن المثلث الرحمة المطران بطرس شغل كل ساعات نهاره وليله، إضافة إلى واجباته الروحية والكنسية والراعوية. على كل حال، كان جديا في كل شيء”.
اضاف: “دامت خدمته الكهنوتية 29 سنة، والأسقفية 33 قضى منها 20 سنة في رعاية أبرشيّة قبرص. وقد تخللها احتفاله بيوبيله الكهنوتي الذهبي منذ 12 سنة. وسر بالرسالة البركة التي وجهها إليه بخط يده قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وبالرسالة المماثلة من المثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس. وتم الإحتفال في قبرص ليكون وداعا لراعيها بعد استقالته بموجب القوانين الكنسية”.
وتابع: “ترانا أمام واجب الإقرار بصعوبة تعداد مآثره في هاتين الحقبتين، ونختصرهما بأهمها: في الفترة الكهنوتية، خدم رعية مار ضومط برج حمود مدة ست سنوات، فعزز الدعوات الكهنوتية، وبنى مجمعا رعويا. ودعاه المثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار بولس بطرس المعوشي ليكون حافظ المكتبة البطريركية. وفي الوقت عينه، كان يعمل في إطار اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية كأمين سر فمقرر. وعين مستشارا للقضايا الطقسية في مجمع الكنائس الشرقية. وعلم في كل من جامعة القديس يوسف، وجامعة الروح القدس – الكسليك، والجامعة اللبنانية بكلية الإعلام. وعين زائرا عاما على أبرشية قبرص، ثم نائبا عاما لمدة عشر سنوات في شطريها القبرصي واللبناني”.
واردف: “أما في فترة رعاية أبرشية قبرص، فانطلق في عملية إعمار كيانها بكل مكوناته وعناصره، بعد انفصالها عن قطاعها اللبناني الذي أصبح أبرشية أنطلياس، فعزز كرسيها في نيقوسيا العاصمة، وثبت الرعايا، ونظم جسمها الكهنوتي، وأنشأ مشغل الأيقونات المارونية والمتحف، بالتعاون مع الراهبات الأنطونيات المحترمات، وعزز حضور موارنة قبرص وعلاقاتهم بموارنة لبنان وبقراهم الأصلية، وأنشأ البيت الماروني القبرصي في قرنة شهوان المعروف بمركز مار بطرس، ومتن العلاقة مع السلطات القبرصية – اليونانية، ومع رئيس أساقفة قبرص وكنيسة الروم الأرثوذكسية. فلقي كل احترام، وأعلى شأن كنيستنا المارونية، واعتنى عناية خاصة بالموارنة الذين تهجروا من قراهم إثر الإحتلال التركي، ورفع قضيتهم إلى البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وأمين عام منظمة الأمم المتحدة، وقابلهما أكثر من مرة بهذا الشأن”.
وقال: “بوصفه رئيس اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية، انكب بكل قواه على تحقيق مشروع الإصلاح، فكان يحضر تباعا من قبرص إلى لبنان ليتابع أعمال اللجنة ويوجهها، وأصدر طيلة فترة رئاسته ثمانية من الكتب الطقسية، وترجمت إلى اللغات الأجنبية حيث ينتشر الموارنة. فمتنت روابط وحدتهم، وحملوها إرثا إلى حيث حلوا، وغرفوا منها تراثهم وثقافتهم. أجل، في عهد رئاسته كانت القفزة الإصلاحية النوعيّة في طقوس كنيستنا السريانية الأنطاكية المارونية. وسجلت مرحلة مفصلية بين ما قبل وما بعد، حتى أنها دخلت حيز التطبيق بسرعة لافتة في لبنان والنطاق البطريركي وأبرشيات الانتشار. وسر المثلث الرحمة بتسليم أبرشية قبرص إلى خلفه، سيادة أخينا المطران يوسف سويف، نائبه في رئاسة اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية، في صيف 2008. كما سر في هذه الأيام الأخيرة بأسقفها الجديد سيادة أخينا المطران سليم صفير”.
وختم الراعي: “ارقد بسلام يا أخانا المثلث الرحمة المطران بطرس، في ظل حماية أمنا السماوية مريم سيدة المعونات، وكنيستها الجديدة التي اعتنيت عناية خاصة بتشييدها مع أبناء رعيتها وسائر المحسنين وعين الخروبة العزيزة. لقد طبعت تاريخك بعلامات فارقة في سجلك الكهنوتي والأسقفي. نسأل الله أن يعوض على كنيستنا بكهنة وأساقفة قديسين معطائين، وأن يعزي قلوبنا وقلوب أشقائه وشقيقتيه وعائلاته، ويضمه إلى الرعاة الصالحين في سعادة المجد السماوي، حيث يرفع معهم وبينهم نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين”.
ساندري
وبعد الصلاة، ألقى السفير البابوي كلمة رئيس المجمع الشرقي المونسنيور الكاردينال ليوناردو ساندري، التي ذكر فيها ب”العمل الرعوي للراحل، لا سيما دوره في النهضة الليتورجية للكنيسة المارونية”، وقال: “لقد تلقيت بأسى شديد خبر وفاة مطران قبرص بطرس جميل، الذي قام بالمهمة الموكلة إليه بحكمة على مدى عشرين عاما. واليوم، نحتفل بمراسم دفنه البيعي، بمشاركة الشعب الذي أحب راعيه، وها هو يسلمه إلى الآب السماوي، باستحقاقات سر المسيح الفصحي، المنتصر على الخطيئة والموت. نحن للقيامة منذ تعمدنا. الأسقف بطرس جميل كرس جزءا كبيرا من وجوده ومن خدمته للتعمق والدراسة في ليتورجيا الكنيسة المارونية. لقد عرف كيف يجمع بين احترامه للمراجع القديمة وللتقليد السرياني والماروني من خلال عدد من التكيفات الرعوية الصائبة، بحيث بقي الإحتفال بالأسرار الإلهية منبع وذروة الحياة المسيحية”.
أضاف: “نطلب الآن من الرب أن يقبل هذا الخادم الأمين في الليتورجية السماوية، في وقت نصلي معا بشكل خاص من أجل أبرشية قبرص المارونية التي خدمها لمدة عشرين عاما، والتي استقبلت منذ بضعة أشهر راعيا جديدا”.
وقدم التعازي الشخصية باسم الرؤساء والمسؤولين في مجمع الكنائس الشرقية، مشيرا إلى أنهم “سيذكرونه حتما في صلاتهم”.
تعزية البابا
ثم ألقى السفير البابوي رسالة تعزية باسم البابا فرنسيس جاء فيها: “لقد تلقينا بحزن دعوة الله للمونسنيور بطرس الجميل، راعي أبرشية قبرص المارونية”.
وعبر عن “الوحدة في الصلاة لراحة نفسه، لا سيما لعائلته وأصدقائه والمؤمنين في كل من رعيتي قبرس وأنطلياس المارونيتين”، طالبا من الله أن “يتغمد هذا الراعي وافر سلامه ونوره”، وسائلا له “مكافأة الوكيل الأمين”، ومانحا “بركته لكل من أصابهم الحدث الأليم ولاسيما المشاركين في مراسم الدفن”.
صفير
وألقى المطران صفير باسمه وباسم كهنة وأبناء أبرشية قبرص كلمة قال فيها: “نتقدم بأسمى مشاعر التعزية الروحية، سائلا لفقيدنا الكبير المثلث الرحمة المطران بطرس الجميل، أن يطيب الله مثواه المحازاة السعيدة من لدنه تعالى على جهاده الكهنوتي والاسقفي، وأن يبلسم الله بتعزيته الأبوية الالهية كل القلوب الحزينة على فقده، منعما علينا جميعا بالأعمار المديدة نمضيها بالسهر الروحي والاستعداد البنوي إلى حين موعد القيامة واللقاء”.
العائلة
وفي الختام، كانت للعائلة كلمة شكر ألقاها شقيق الراحل فهيم الجميل، ثم ووري الثرى في مدفن خاص بكنيسة سيدة المعونات القديمة وتقبلت العائلة التعازي.
المصدر: المركزية