كتب د. ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
لبنان يترنّح تحت وقع الملفّات الضاغطة من الإقليم إلى الساحة الدولية. ولهذا كلّه تداعيات محليّة قد تؤخّر أو قد تسرّع استعادة الحياة السياسيّة من البوابة الحكوميّة والرئاسيّة، بغضّ النّظر عن ضغط الملفّات، ومن أهمّها ملفّ النازحين.
المطلوب حكومة سياسيّة
وفي الموضوع الحكومي أوضح عضو المجلس السياسي في «التيار الوطني الحرّ» وليد الأشقر لـ»نداء الوطن» أنّ «رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يعتمد الأسلوب نفسه اليوم، الذي كان يُعتمَدُ سابقاً من قبل الرئيس سعد الحريري في التسريب؛ ويبدو أن لا نيّة حقيقيّة لديه بتشكيل أيّ حكومة في هذه الظروف».
وتابع: «رغم أنّ «التيار الوطني الحرّ» أعلن أن لا رغبة لديه في المشاركة بالحكومة، وبما أنّ الظرف السياسي يقتضي مواجهة الملفات السياسية الكبرى من ملفّ ترسيم الحدود إلى ملفّ النازحين، والاستراتيجية الدفاعية، وغيرها من الملفات الكبرى؛ إضافة إلى الملفات الإقتصاديّة الضاغطة كخطّة التعافي الاقتصادي والتفاوض مع صندوق النقد الدّولي، فإذا كان الرئيس ميقاتي يعتقد أنّه يستطيع معالجة هذه الملفات بحكومة تكنوقراط فهو حتماً مخطئ». وأكّد الأشقر أنّ موقف «التيّار الوطني الحرّ» من أيّ حكومة يجب أن يكون «مع حكومة سياسيّة».
قرار أممي بعودة النّازحين
أمّا في ما يتعلّق بموضوع عودة النّازحين الذي طفا على واجهة الخطاب السياسي في هذه المرحلة بالذات، فلحظ الأشقر أنّ «المضحك المبكي في هذا الملفّ هو تجاهله من قبل الرئيس ميقاتي بالذات يوم حذّر منه «التيّار» عند دخول النازحين في العام 2011 و 2012 وكان وقتها الرئيس ميقاتي رئيساً للحكومة. وأشار إلى أّنه «على ما يبدو أنّ هنالك قراراً سياسياً إقليمياً يقضي بعودة النازحين، ولو بشروط محدّدة تناسب المجتمع الدولي». ولحظ كيف بدّل ميقاتي موقفه تبدّلاً نوعياً وبات هذا الموضوع أولويّة عنده منذ قرابة الأسبوع. فتساءل: «ما هو سبب هذه الإستفاقة الآن؟».
لا للحكومات السياسيّة
في موقف متناقض مع موقف الأشقر، في موضوع الحكومة قال عضو تكتّل «الجمهوريّة القويّة»، النائب جورج عقيص لـ»نداء الوطن»: «الأكيد أنّ الحكومة السياسيّة لا يمكن أن تتصدّى لهذه المشاكل، لا سيّما أنّنا اختبرنا هذا النوع من الحكومات حتّى أواخر العام 2019. فهي لم تستطع التصدّي لأزمة النازحين ولا للأزمة الإقتصاديّة اللتين ظهرتا بشكل فاقع في بدايات هذا العام».
وحذّر عقيص من «مغبّة محاولة بعضهم بعد اليوم التعمية على الواقع، من خلال إصراره على أنّ الحكومات السياسيّة هي القادرة على معالجة الأزمات». وأكّد أنّ «التجربة قد أثبتت فشل هذا النوع من الحكومات في معالجة أزمات كهذه بالذات».
وتابع عقيص: «نحن كحزب «قوّات لبنانيّة» منذ أن استشعرنا بالخطر الإقتصادي في أيلول من العام 2019، قبل الثورة والإنهيار، نادينا بتشكيل حكومة اختصاصيّين تكنوقراط مستقلّين، بعيداً من الجهات السياسيّة كافّة لتتولّى مهمّة الإنقاذ الوطني».
وأكمل في موقف «القوّات اللبنانيّة» من الحكومة قائلاً: «نحن نريد فريق عمل مستقلّاً يستطيع أن يوقّع برنامج مساعدات مع صندوق النقد الدّولي، ويكون مستقلّاً عن «القوّات» وغيرها من الأفرقاء السياسيّين. فهذا هو شكل الحكومة التي تريدها «القوّات»، وهذا هو شكل الحكومة الذي طرحته فعليّاً المبادرة الفرنسيّة».
وأكّد عقيص أنّ «الحكومات السياسيّة بالشكل الذي اختبرناها به، هي حكومات وحدة وطنيّة فضفاضة، وهي الأعجز بالتاريخ اللبناني عن التصدّي لأيّ ملفّ، بغضّ النظر عن صغره أو حتّى تفاهته».
قضيّة النازحين مسؤوليّة أمميّة
وبدت لافتة تغريدة عقيص في 30/6/2022 حول قضيّة عودة النّازحين حيث دعا الحكومة فيها إلى «تحمّل المسؤوليّة في هذا الشأن عبر اتّخاذ كلّ التدابير الجريئة الهادفة إلى إعادتهم إلى المناطق السوريّة الآمنة، أو إلى منطقة عازلة تُستَحدَث داخل سوريا تحت رعاية أمميّة». في هذا الموضوع، لفت عقيص إلى أنّ «الفارق كبير جدّاً بين اتّخاذ موقف شعبوي وبين أن تكون مسؤولاً في دولة وتتخذ موقفاً قابلاً للتنفيذ. وهذا ما قامت به «القوات اللبنانية»، عندما كان وزير الشؤون الإجتماعيّة، الوزير ريشار قيومجيان، أعدّ خطّة كاملة متكاملة لعودة النازحين بشكل يضمن سيادة الدّولة اللبنانيّة وحقوق شعبها وأرضها ويحفظ مصلحتها الأمنية والإقتصاديّة العليا، ويحفظ في الوقت عينه قواعد القانون الدولي. فهذا أمر آخر».
وتابع عقيص في موقف حزب «القوّات اللبنانيّة» من قضيّة النازحين: «كنّا ننادي بحلّ، وما زلنا حتّى هذه الساعة، مفاده إمّا عودة النازحين إلى مناطق آمنة في سوريا، وإمّا إعادتهم إلى منطقة آمنة تنشأ داخل سوريا، منطقة عازلة تنشأ تحت إدارة الأمم المتحدة داخل الأراضي السوريّة ومن الطرف السوري. وتكون بحماية وتمويل أمميَّين كما هو حاصل في لبنان».
وطالب الحكومة بأنّ «تطلق عمليّة طوارئ وحوار أمميّة لحمل المجتمع الدّولي على تحمّل مسؤوليّاته وتبنّي هذا الطرح، على أن يكون طرحاً جامعاً من قبلها، لتخفيف العبء على اللبنانيين في تهريب المحروقات والطحين والرغيف».
في الخلاصة، يبقى عمر الحكومة المرتقبة قصيراً. ولا يمكن التعويل عليها في اجتراح المعجزات. لذلك الأنظار كلّها شاخصة نحو الانتخابات الرئاسيّة التي على ما يبدو أن البوصَلَتَين الإقليميّة والدوليّة تؤشّران إلى إمكانيّة الوصول إلى رئيس مقبول من قبلهما يحمل المشروع السيادي، ويعيد لبنان إلى الحاضنتين الإقليميّة والدوليّة ليعيد الشرعيّة إلى الدّولة اللبنانيّة الجديدة في شرق أوسط جديد بات في اللحظات الأخيرة من مخاض ولادته.