كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
على وقع تكليف رئيس الحكومة الجديد، كان موظفو الادارات العامة في النبطية يعتصمون للمطالبة بحقوقهم، التي “طنشت” عنها الحكومة، وأدارت لهم الأذن “الطرشاء”، ما انتج شللاً تاماً في دوائر الدولة كافة، باستثناء بعضها التي يتوفر للموظف منها “بخشيش محرز” كدوائر المساحة والشؤون العقارية والمالية، حيث لكل موظف فيها “سعره” لانجاز المعاملات الكثيرة، والتي تسجل سرعة في انجازها بالنظر الى التكلفة الباهظة “براني” التي يتقاضاها الموظف، والتي اسهم تحلل الرواتب وانهيار العملة في تزايدها.
لا يختلف اثنان على ما يسود بعض الدوائر من فساد ورشى، فهؤلاء لم يخرجوا لمؤازرة رفاقهم في الوظيفة في تحركهم الاحتجاجي، وكأن الاضراب مرّ من قربهم، لا يخفي معقب معاملات هذا الامر ويعلله بالقول “بدفع افضل من ان تنام المعاملة بالادراج”، وتجتاح هذه الظاهرة دوائر المساحة والعقارية، مؤكدا أن اقبال وتهافت الناس على تسوية عقاراتهم باي ثمن عزز ظاهرة “الرشى”، بحسب المعقب فبات لكل موظف “سعره” الذي يبدأ من مليون وطلوع، جازماً “بدْفع والزبون بيدفع المهم تخلص المعاملة”.
هؤلاء الموظفون لم يخرجوا للاعتصام امام سراي النبطية، للمطالبة بحقوقهم المهدورة بزواريب الحكومة وفرق العملة والدولار، بقوا بعيدين عن الصورة، قلة من هؤلاء شاركوا في التحرك الاول في النبطية، كانت لافتة مشاركة الاطفال مع امهاتهم، للمطالبة بحق طفولتهم، رفعوا شعارات تلخص واقع الحال “الفقر في الوطن غربة، ذليتونا”، “ماما موظفة وبابا عسكري، مستقبلنا رهن ايديك، تركونا نعيش طفولتنا”، “بدنا دولة كريمة تعمل لموظفها قيمة”.
مرّ أكثر من عام على اضراب موظفي القطاع العام، ولم يرشح اي حلحلة مفترضة او متوقعة، كل مطالبهم التي رفعوها بقيت حبراً على ورق، لم يحصلوا على بدل نقل ولا رفع للرواتب ولا للطبابة والاستشفاء وغيرها حتى المساعدة الاجتماعية لم يحصلوا عليها في الشهر الماضي، ومعاشاتهم بات تساوي تنكتي بنزين لا اكثر، كل ذلك دفعهم للضغط أكثر، ولتصعيد تحركاتهم، لان الوضع ما عاد محمولاً تقول فاطمة التي اكدت “انه ما عاد مسموحاً الاستخفاف بالموظف وتجاهله، لاننا الجسر الاخير لهيكل الدولة وعصب الادارات العامة” وتضيف “اذا لم تعطونا حقوقنا كلنا رح نخسر”.
بدا واضحا خطر اللغة التصعيدية التي تحدث بها الموظفون، فهم لمسوا ان الدولة لا تعير مطالبهم اهتماماً، وكأن الدولة تتخذ من هذا الاضراب وتجاهل المطالب فرصة لتهجير موظفي القطاع العام وتخفيف اعدادهم، وهذا ما يخشاه كثر، من ان تكون الدولة تلعب بهم لحثهم على هجرة الوظفية، التي كانت قبل عامين بالتمام والكمال “غنى وثروة” اليوم تحولت الى “نق وفقر”، بل كما قال محافظ النبطية بالوكالة حسن فقيه الذي شارك في التحرك أن “القطاع العام مهدور حقه، على عكس القطاع الخاص والمهن الحرة التى تحصل على رواتبها بالفريش دولار، اما موظف الدولة بعدو عاللبناني”. لافتاً الى ان “الاضراب لمساعدة الدولة وليس ضدها، لكي يحصل الموظف على حقه”.
وهذا ما اكدته زهراء موظفة في دائرة الزراعة لافتة الى “اننا نرفع صوتنا لنحصل على حقوقنا، ولكننا نخاف ان نصوم ونصوم وفي النهاية نفطر على فجلة”.
لم يحظ التحرك باستقطاب واسع من موظفي القطاع العام، رغم انهم يشكلون نسبة وازنة، بعضهم اعاد الامر الى النقل، وآخرون الى بعد المسافة، وفي المحصلة الكل يريد اكل العنب، لان الكل يدرك ان توقف الادارات العامة عن القيام بواجبها يعطل كل المرافق والمعاملات ومن جملتها “النفوس” المقفلة كما كل الدوائر لان موظفيها بدن حقهم، معاشهم لا يكفي تنكتي بنزين والمساعدات الاجتماعية تبخرت، وهو ما طالب فيه مندوب رابطة الإدارة العامة في النبطية مسلم عبيد لافتاً الى ان الوضع المعيشي اصبح لا يطاق والموظف اصبح بدون راتب ويعمل بدون مقابل، كأن السلطة تعمل لضرب القطاع العام وافراغه من الكفاءات تمهيدا لتقديمه منهاراً لصندوق النقد الدولي .
وطالب عبيد باسم الموظفين بتصحيح الرواتب التي يجب ان تكون أولوية للرئيس المكلف اليوم ولحكومة تصريف الاعمال الحالية او الحكومة العتيدة، بان يتم ربط بدل النقل للموظف بصفائح للبنزين اسوة ببقية القطاعات سيما وان الإدارات العامة هي إدارات منتجة، اضافة الى تحسين التقديمات الخاصة بتعاونية موظفي الدولة وفي مقدمها منح التعليم التي أصبحت اليوم من دون قيمة، مطالبين وزير العمل الدكتور مصطفى بيرم ببذل المزيد وعقد اجتماعات لإنقاذ القطاع العام من الانهيار المقصود.
“دق المي مي”، فالانهيار لحق بالقطاع العام الذي يقف على قاب قوسين او ادنى من التحلل في الازمات الغارق بها لبنان، ويدفع ثمنها الموظف اكثر الفئات تضرراً هذه الايام وهو ما عبر عنه عضو الهيئة الإدارية لرابطة الإدارة العامة حسن وهبي الذي طالب بنصف صفيحة بنزين يومياً، وان تكون رواتب الموظفين على سعر صيرفة.
على ما يبدو ان الاضراب قائم، ولن يحله سوى تحصيل الموظف حقه فالخوف الاكبر ان يموت الموظف على باب المستشفى ولا يملك حصانة للطبابة.