كتب رامح حمية في الأخبار”:
انحسرت العاصفة الرملية التي ضربت البقاع بموجة أمطار غزيرة ليتجلى من بعدها سهل البقاع لوحة فنية في أبهى ألوانها. خلف ذلك الجمال حكايات وجع وقهر وقلق يعتمل صدور المزارعين تربك مسيرة حياتهم. جميعهم يخوض موسمه الزراعي بمغامرة وسط انهيار متواصل على المستويَين الاقتصادي والمالي. لا خيار ثالث لدى غالبية المزارعين: إما أن يتوقفوا عن الزراعة، أو أن يستمروا فيها من دون معرفة تداعيات ارتفاع أسعار الأكلاف الزراعية التي ترتبت أعباء على شكل ديون في ذممهم المالية لصالح التجار. «لا مجال أمامنا إلا المغامرة. نزرع حقولنا بالاستدانة من تجار البذار والكيماويات والمحروقات، ونسدّد بالدولار. نستدين، واليد على القلب ممّا قد يطرأ من أحداث في البلد». هكذا يشرح المزارع محمد شومان واقع غالبية المزارعين في البقاع ومشاعر القلق التي يعيشونها في انتظار مواسمهم ومتابعة حركة البيع وسعر الدولار وكيفية السداد.
يجتهد الرجل الستيني وعمّاله في نقل بخاخات الريّ بين شتول البطاطا، في حقل تزيد مساحته على 50 دونماً. «عم نسقي حقولنا ذهب»، تعبير مجازي يختاره شومان في إشارة منه إلى كلفة مازوت الريّ لسحب المياه من الآبار الزراعية وضخها للريّ، موضحاً أن «كلّ ساعة دوران للمولّدات بحاجة إلى 40 ليتر مازوت، في حين تحتاج المزروعات إلى ما لا يقلّ عن 15 ساعة لتأمين الريّ للحقل. بحسبة بسيطة، يحتاج المزارع إلى 2 مليون ليرة ثمن مازوت كلّ ساعة، يعني خربان بيوت، والدولة آخر همّها المزارع وزراعاته».
المياه تُعدّ العنصر الأساس لاستمرار المزارعين في عملهم، وفي ظلّ غياب الخطط الاستراتيجية من قبل الحكومات المتعاقبة، لا يزال المزارع في البقاع يعتمد على المازوت لتأمين المياه. لكن ارتفاع سعر المازوت وضع المزارعين وجهاً لوجه مع معضلة مكلفة جداً تشكل عبئاً ينوء بحمل فاتورته كبار المزارعين فكيف بالصغار منهم. غالبية الزراعات من بطاطا وبصل وقمح وشعير وخضار تحتاج للريّ لزيادة الإنتاج، وبالطبع يجب أن يتمّ الريّ بمعدّل لا يقلّ عن تسع ساعات يومياً، ما يعني تشغيل مولّدات للسحب والضخ طيلة فترة لا تقلّ عن خمسة أشهر للريّ، علماً أن هناك زراعات تتطلب أكثر من 15 ساعة يومياً.
في مشاريع القاع، مزارعون لم يبخلوا على زراعاتهم المتنوّعة على الرغم من الأكلاف الكبيرة إذ فرض عليهم تشغيل مولداتهم 24/24 ساعة حتى لا يخسروا مواسمهم لعدم توفر الكهرباء. ليس هذا وحسب، هناك عند حدود الوطن يعاني أبناء المنطقة من مافيا أصحاب محطات المحروقات «فالمازوت عندنا متوفر ولكن بزيادة أكثر من 100 ألف ليرة على التنكة، ويا ريت التنكة 20 ليتراً، معدّلها 15 أو 16 ليتراً وعجبك عجبك وإذا ما عجبك روح دبر حالك»، بحسب ما يقول طوني مطر.
الطاقة الشمسية جاءت على شكل «منقذ» لمزارعي مشاريع القاع، بعد إفلاسهم من مناشدات الدولة إيلاء مشكلاتهم الزراعية الاهتمام اللازم، فلجأ كثيرون منهم إلى تركيب ألواح الطاقة، كما فعل المزارع مطر «بعت مزرعة الأبقار عندي، بخسارة، حتى أركّب ألواح طاقة شمسية. دفعت 420 مليون ليرة وهو مبلغ كبير، ولكني تمكنت من الحفاظ على باقي أرضي وعلى كلّ مزروعاتي».
في الموسم الماضي، عمد بعض المزارعين في مشاريع القاع إلى المفاضلة بين المزروعات بالتخلّي عن بعضها، المتدني السعر، وريّ تلك التي توفر مردوداً مالياً أفضل، ما يمكنهم من إيفاء ديونهم الزراعية، وبحسب مطر تعدّ ألواح الطاقة «خطة ناجحة، خلّصتنا من عبء مازوت الريّ، ونجاحها دفع أكثر من 50% من مزارعي مشاريع القاع إلى تركيب ألواح الطاقة، ولولا ارتفاع الأسعار لكانت المشاريع 100% مركبة. وأؤكد أنه مع مرور الوقت ستصبح غالبيتها على الطاقة الشمسية لأنه الحل الوحيد في ظلّ تخلي الدولة عنا.
المزارع سعد الله الحاج يوسف أنهكه مازوت الريّ، بكلفة وصلت إلى 4500$ شهرياً لتأمين ساعات ريّ لا تتعدى 9 ساعات يومياً على الرغم من حاجة مزروعاته للريّ على مدى أكثر من 15 ساعة يومياً. لم يجد بديلاً عن ألواح الطاقة الشمسية التي رتّبت عليه مبلغ 140 ألف دولار، «وهو مبلغ كبير جداً لكنني وفّرت الريّ للساعات المطلوبة وهو ما سيزيد من الإنتاج من جهة، والتوفير بدلاً من المازوت بقيمة 22 ألف دولار مقتطعة من كلفة المشروع».
وإذا كان عدد من المزارعين قد اعتمدوا الطاقة الشمسية بديلاً لمازوت الريّ، فإن غالبية مزارعي المنطقة لا تتوفر لديهم القدرة المالية لشراء ألواح الطاقة. المزارع علي حيدر أحد هؤلاء. «لو معي 30 ألف دولار ما تأخرت ولا دقيقة عن تركيب ألواح الطاقة الشمسية، ولكن اليد قصيرة والعين بصيرة» يقول. يؤكد حيدر أن الزراعة هذا الموسم «كمن يلعب الروليت الروسية فقد اشترينا البذار للبطاطا والثوم على سعر 19 ألف ليرة للدولار الواحد، واليوم قارب الدولار الأربعين ألف ليرة، يعني إذن نزل سعر كيلو البطاطا إلى الـ14 ألف ليرة تكون خسارتنا خربان بيوت».
من جهته، اعتمد المزارع حسين حمية وهو الأستاذ المتعاقد بالتعليم مشروع توليد الطاقة من الألواح الشمسية «بالتجزئة»، موضحاً أنه يشتري مستلزمات مشروع الطاقة يشتريها بحسب قدرته المالية وبحسب الحوافز المالية التي تدفع للمتعاقدين «على أمل أن نتمكن من تنفيذ المشروع».
حتى اليوم لم يتخطّ عدد المزارعين الذين اعتمدوا على مشروع توليد الطاقة من الألواح الشمسية نسبة الـ10% من المزارعين في محافظة بعلبك ــ الهرمل، بحسب ربيع الحاج يوسف، صاحب محل لتركيب ألواح الطاقة الشمسية. يلفت الرجل إلى أن «غياب التقسيط حال دون إقدام جميع المزارعين على تركيب ألواح الطاقة، علماً أن لا مجال للمقارنة بين كلفة ألواح الطاقة وبين كلفة المازوت وإن بدت التكلفة الأولية للطاقة الشمسية باهظة نسبياً بداية، لكن الفارق يظهر لاحقاً».