حضر قائد الجيش العماد جوزيف عون امس الى قصر بعبدا مدججا بالصور والفيديوهات والبراهين واضعا النقاط على حروف مأساة “زورق طرابلس”. فبحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”،محاولات تشويه صورة الجيش لدى الرأي العام، مستمرة منذ اشهر ويعمل عليها اكثرُ من طرف متضرر من الانطباع الايجابي الذي تمكنت المؤسسة العسكرية وقائدها، من تكوينه في الداخل وفي الخارج ايضا.
فعلى اثر غرق المركب، دخلت جهات عدة على الخط، محاولة الاستثمار في الحادثة ليس فقط “انتخابيا” على مشارف 15 ايار، انما ايضا لمصالح “شخصية” “فئوية”، لتحميل الجيش مسؤولية الكارثة، علّ ذلك يفيد في ضرب هيبته. غير ان “القائد” الذي طلب بنفسه المشاركة في جلسة مجلس الوزراء، نجح امس، وفق المصادر، في وضع حد لهذه الضجة كلّها، كما انه ذهب ابعد، فأضاء على مسؤولية تتحملها جهات اخرى في هذه المصيبة.
فهو كشف ان “مُهرّب” المركب كان موقوفا وتم اطلاق سراحه، من جهة، كما انه من جهة ثانية، سلّط الضوء على مسؤولية الطبقة الحاكمة في ايصال البلاد الى هذا الدرك من الفقر و”التعتير”. فاضطر اللبنانيون، امام عجز الحكومات المتعاقبة عن ايجاد الحلول للازمات الاقتصادية والمعيشية، الى ركوب البحر هربا من الذل هذا.
على اي حال، تشير المصادر الى ان الجيش تحوّل في الاشهر الماضية الى مؤسسة شبه بديلة عن الدولة العاجزة، التي باتت ترمي عليه كلّ التحديات التي تعجز هي (اي الدولة) عن القيام بها، مع انها تقع خارج نطاق مهام الجيش. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كشف وزير التربية عباس الحلبي اليوم في معرض حديثه عن الاستعدادات للامتحانات الرسمية “اننا طلبنا من قيادة الجيش تهيئة المطبوعات المطلوبة إن كانت الترشيحات أو الأوراق المستعملة أو الشهادات. وهذا الأمر سيؤمّن”. اما منذ اسابيع قليلة، وإثر ورود معلومات حول وضع مستودعات المواد الكيميائية العائدة لمعمل الذوق الحراري، فقرر مجلس الوزراء تكليف الجيش تأمين نقطة حراسة في المعمل بشكل فوري والكشف على المواد الموجودة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أي ضرر قد ينتج عنها والعمل على نقلها وإزالتها فوراً. بناءً عليه، أرسل وزير الداخلية كتاباً إلى وزارة الدفاع الوطني يطلب فيه اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لوضع قرار مجلس الوزراء موضع التنفيذ نظراً لما قد ينتج عن عدم التنفيذ الفوري من تعريض لسلامة المواطنين والمنشآت في محيط المعمل للخطر. اما طلب تدخل الجيش عند كل حادث امني داخل البلاد وصد التظاهرات ووضعه في مواجهة الشعب في الثورات، فحدّث ولا حرج.
لكن مهمّة الجيش يجب ان تكون محصورة بحماية امن الحدود وبالدفاع عن لبنان في وجه اي خطر داهم. مع ذلك، هو ارتضى لعب دور السند وأخَذ في صدره اكثر من تحدّ، سيما بعد انفجار المرفأ، غير ان السلطة لم ترحمه يوما بل ترجمه وتخوّنه عند كل فرصة. ألا يؤكّد سلوكها هذا انها تريد اسقاط كل عواميد الهيكل اللبناني، من الاقتصاد والمصارف الى الاستشفاء والجيش، تنفيذا لمشاريع وغايات مشبوهة، شخصية واقليمية، تريد تحقيقها؟
المصدر: المركزية