الخطيب: أي مواجهة مع الجيش لا يجوز السماح بها

أحيا المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى مراسم اليوم العاشر من محرم لهذا العام في مقر المجلس، برعاية رئيسه الامام الشيخ عبد الامير قبلان، والقى نائبه العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة اليوم العاشر، قال فيها: “تسعة أيام انقضت من شهر محرم الحرام وهذا هو يوم العاشر الذي يسمى بيوم عاشوراء، الذي تبلغ فيه إحياء ذكرى عاشوراء قمة التعبير عن الحزن والمواساة لآل بيت رسول الله وما ارتكب في حقهم من جريمة مروعة يندى لها جبين الدهر وعبرت عن مدى انحطاط القتلة المجرمين من أزلام السلطة الأموية الغاشمة وتجردهم عن أدنى القيم والأخلاق الانسانية فضلا عن الدينية والإسلامية، والذين مثلوا الخسة والنذالة في تعاملهم مع الثائرين الحسين وأهل بيته أبناء رسول الله، وهم يعلمون مكانته وانه ابن بنت نبيهم الذي لا وجود على الارض ابن بنت نبي غيره، فارتكبوا جريمتهم عن سابق إصرار وتصميم ومع تذكيرهم بذلك وهو يخاطبهم ألست ابن بنت نبيكم؟ فأجابوه بالإيجاب: قالوا نعم، وهو يحاول إيقاظ ضمائرهم وارجاعهم عن غيهم وتعريفهم بفداحة ما يرتكبون من دون حق وعندما يسألهم عن السبب الذي يدعوهم لقتاله: ألقتيل قتلته أم دم سفكته؟ فيجيبون بالنفي، فيسألهم مرة اخرى عن إصرارهم على قتاله، فيجيبون ويبررون موقفهم بأن ذلك هو بغض منا لأبيك، وهذا يمثل أقصى الانحطاط الاخلاقي، فبينما هم يدعون الإسلام اذا بهم يظهرون مدى سطحيتهم وتخلفهم الفكري، لأن علي بن أبي طالب إنما صرع أبطالهم وجندل فرسانهم من منطلق الدفاع عن الدين وعن الايمان، ولم يكن دافعه المنطلقات الشخصية والثارات القبلية او التنافس على الدنيا، وقد عبر عن ذلك: ( اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك).
لقد كانت حركة اهل البيت محكومة بالقيم والأهداف السامية البعيدة عن المطامع الذاتية والأهداف الشخصية التي حددها أمير المؤمنين في هذه الكلمات الرائعة يخاطب فيها ربه ويبين فيها إخلاصه له وارتباطه به وانه لم تسف به النزوات ولم تحط به الشهوات، فهو أعلى من ذلك شأناً وأرقى من ذلك مقاماً، وان كل ما صدر عنه في مواجهة او قتال او دعوة او إنكار، إنما أراد به إصلاح فاسد وتقويم معوج واقامة عدل وتطبيق حدود الله تعالى في الارض. لقد مثلت مسيرة اهل البيت النموذج الارقى لتحمل المسؤولية في العمل الرسالي في اصعب الظروف، وحينما تستدعي المسؤولية التضحية والعطاء في اعلى درجاته الى الشهادة وبذل الدم، وكانت شهادة الامام الحسين في كربلاء وما قدمه من أعزائه ومن ابنائه واخوته، وما عرض به نساءه واطفاله لهذه الحادثة المفجعة وهول الفاجعة من الحصار في قطع الماء عنهم، وحالة الرعب التي أثارها حولهم الجيش الاموي ورؤية أعزائهم صرعى على رمال كربلاء، والاعداء يجولون بخيولهم على جسد أبي عبد الله الحسين يطحنون عظامه بحوافر خيولهم دون حام أو مدافع، الى كل الصور المرعبة التي عايشوها في الاسر، يُسار بهم من بلد الى بلد يستعرضهم قادة الجيش الاموي أمام مرأى الناس والرؤوس على الرماح، كل هذه الصور المرعبة كانت حاضرة عند الامام الحسين، فأي تضحية هذه التضحية، وأي مصيبة أقدم عليها الامام الحسين، وهو لا يرجو نصرا عاجلا يسعى للوصول اليه”.

وتابع: “بات واضحا من خلال المواقف التي سجلها أهل البيت ومن خلال مسيرتهم المليئة بالتضحيات التي لا مثيل لها، أن هدفهم الثابت هو الحفاظ على الدين ولا شيء يتقدم عندهم على هذا الهدف، فلم يسعوا يوما الى السلطة والحكم ليستأثروا بمنافعهما كما مر في كلام أمير المؤمنين، فقد كانت أهدافهم أعلى وأعظم من أن تستزلهم شهوة او لذة، لأنهم مثلوا القيم الرفيعة وجسدوها بالفعل والعمل والتضحية في مواجهة الخط الذي لم تعدو أهدافه أن تكون شخصية وذاتية، فأبو سفيان يقول: تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة، فهي لا تعدو بنظره لعبة كرة، القصد منها منافسة بني هاشم على الحكم والسيطرة، وان على بني أمية أن يقتنصوا فرصة التقاطها للامساك بالسلطة والانتقام ممن يعتبرونهم أعداءهم الالداء الذين قتلوا آباءهم وأبناءهم وشكلوا عائقاً أمام طموحاتهم، وهو نفس الخطاب الذي وجهه معاوية لأهل الكوفة: ( وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم)، ويزيد يقتفي أثرهما الذي يوضح أهدافه في الحكم، حينما يوجه خطاب الانتصار في بداية حكمه الى أجداده قتلى بدر وحنين. قائلا: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل فأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل. لقد شكل الصراع بين الخط الاموي والخط الإسلامي المتمثل بأهل البيت نهجين متباينين في الرسائل والاهداف، واستمراراً للصراع الابدي بين الحق والباطل، بين الشيطان وآدم، أحدهما يمثل القيم المعنوية والالهية ويؤمن بها ويضحي في سبيلها، والآخر يمثل القيم المادية بكل ما تمثل من عنصرية واسفاف الذي لا يقف دونها حد، فكل وسيلة مستباحة للوصول الى الهدف والغاية، فلا معنى عند هذا النهج للعدالة والانصاف والتضحية والعطاء والإنسانية، وإنما الانانية وحب الاستحواذ والسيطرة وفي سبيل ذلك فكل الوسائل مباحة. وحينما نتحدث عن الامام الحسين اليوم وعن عاشوراء، نتحدث عن المسؤولية التي تعني من منظور الإسلام ومن منظور عاشوراء والتضحية والعطاء، التضحية في سبيل القيم المعنوية من العدالة ومواجهة الظلم وإحقاق الحق وإبطال الباطل وإنصاف المظلوم من ظالمه، وتطبيق حدود الله تعالى وإشاعة السلام والامن وتحقيق الاستقرار ومواجهة الفساد والفوضى، وهي تستدعي منا أن نلتزمها في حياتنا.
نحن اليوم في لبنان نواجه أيها الاخوة حال الفساد المستشري في البلاد التي شكلها هذا النظام الطائفي الذي قيد المواطنين وأطرهم ضمن أطر طائفية ووضعهم في أقفاص طائفية عنصرية شيطانية”.

أضاف: “إن العنصر الجديد الذي طرأ خلال السنوات الأخيرة على مجريات الصراع مع العدو الإسرائيلي، هو تحول لبنان من دولة ضعيفة مستباحة للعدو الإسرائيلي الى دولة قوية قادرة على تحدي هذا العدو وقهر إرادته بفعل المقاومة التي نشأت بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، واحتلال عاصمته خلال فترة قصيرة وانهيار القوى التي كانت تمسك بالأرض بسرعة مذهلة، ولكن نقطة الضعف التي يتكل عليها العدو هي طبيعة النظام الطائفي الذي يتحكم بالشعب اللبناني، ويرى فيه العدو فرصة في إمكان الاعتماد على التمكن من تعطيل أثر المقاومة إن لم يكن انهاؤها ممكنا، كما تبين من خلال حرب تموز، بالعمل على تفجير التناقضات الطائفية الداخلية من خلال ممارسة الضغوط الخارجية على الشعب اللبناني، وخصوصاً لجوء القوى الخارجية الى حصار لبنان، مضافا الى طبيعية النظام الطائفي التحاصصي الذي أوجد الأرضية اللازمة كي يؤثر الحصار أثره الكبير على مجمل الشعب اللبناني، والعمل من خلال حملة إعلامية شرسة وواسعة ممولة من بعض السفارات الغربية، هذه المعاناة لتضليل الرأي العام اللبناني وتحميل المقاومة مسؤولية كل هذه المعاناة، وللضغط على البيئة الحاضنة للمقاومة بإثارة الفوضى في ساحتها الداخلية وتصوير المقاومة بأنها أصبحت عبئا يجب التخلص منه”.

وقال: “إن هذه المعركة لن تكون سهلة، فالعدو يستخدم فيها لقمة العيش ورغيف الخبز وكل أسباب الحياة بطريقة شيطانية، بحيث يرى الناظر بأن الأسباب هي داخلية، ولكن من ينظر بعين الفاحص الخبير يعلم بأن الذي يديرها ويحركها ويمسك بها هو القوى التي تريد سلب لبنان ورقة القوة هذه من يده ويستطيع أن يغير موازين القوى، تعود إسرائيل فيها القوة التي تتحكم بالتحولات في المنطقة، وتستطيع أن تفلت من الحبل الممسك بخناقها والذي يكاد يخنقها. لذلك أيها الاخوة، فالأمر يتوقف على إرادتكم، على إرادة أهلنا الذين كان لهم الأثر الحقيقي بتغيير موازين القوى حينما دفعوا بأبنائهم الى ساحة المواجهة وأخرجوا العدو الإسرائيلي ذليلاً مهزوماً من أرضهم، وأخرجوا مناطقهم في الجنوب والبقاع الغربي من أن تكون ساحة لتعطيل ما نملكه من قوة وتهيئة هذه المنطقة لتكون جاهزة لتتقبل الاحتلال، هذا وبوعيكم الكبير أبطلتم مفاعيل هذا السحر والشعوذة، وقلبتم الطاولة وحققتم أعظم انتصار في هذا القرن مع الخلل في موازين القوى بشكل لا يمكن المقايسة وأعتبر معجزة. إن الأعداء لم يخلوا الساحة وما زالوا يمكرون ويزرعون الأفخاخ، ويستخدمون كل الوسائل لقلب الحقائق لهدف واحد وهو شيطنة المقاومة ورقة القوة الأهم بعد دينكم التي تملكونها.
إننا على يقين من أن أهلنا الذين قدموا أعز أبنائهم شهداء للدفاع عن كرامتهم وشعبهم وبلدهم لن يخدعوا، وهم يعلمون أن خسارة المقاومة لن تعيد لهم الأمن والاستقرار، ان الأسباب التي جعلتهم يحملون السلاح ويقفون في وجه العدو لن تتغير عندما تتخلون عن سلاحكم وتصبحون أعداء لها لا سمح الله، بل ستخسرون وجودكم ليس في لبنان بل في المنطقة كلها، فتذكروا أنه حينما كنتم تهجرون من قراكم وتفتقدون الأمن في بلادكم كانت وقفة الامام السيد موسى الصدر الذي دعاكم فيه لحمل السلاح دفاعاً عن أرضكم وقد تخلت الدولة عن مسؤوليتها في حمايتكم. إن واجبنا اليوم هو المحافظة على الهدوء والاستقرار الداخلي، وعدم الإخلال بالأمن في ساحتنا الداخلية، وتمكين الجيش اللبناني والقوى الأمنية من مواجهة عصابات السرقة والمخدرات والمندسين لإثارة الفوضى بين الاحياء لإضعاف ساحتنا الداخلية، وإن أي مواجهة للجيش أو إطلاق النار عليه هو بمثابة إطلاق النار على بيوتنا وعلى أولادنا لا يجوز السماح به، فعناصر الجيش هم أبناؤكم وهم الى جانب المقاومة حماة الأرض والعرض، وإطلاق النار على الجيش في مثابة إطلاق النار على المقاومة وعلى الشعب الذي يمثل تلاحمهما جميعا عنصر البقاء لهذا الوطن”.

وتوجه الى المسؤولين: “يبقى عليكم أن تقوموا بأقصى سرعة بتشكيل الحكومة، فكلما أسرعتم بتشكيل الحكومة أكثر كلما كان وضع الحد للفوضى والفلتان أسرع، والأخطار المحدقة بالبلد نتيجة الفوضى وتعريض أمن المواطنين كما رأينا في الأيام السابقة، إضافة الى ازدياد الصعوبات في الحصول على الضروريات من رغيف الخبز الى البنزين والمازوت ومخاطر تخزينها، وندعو الى التعاون مع الجيش اللبناني ومساعدته على كشف أماكنها وإبلاغ الجيش والقوى الأمنية عنها”.

وقال: “إن اندحار قوات الاحتلال الأميركية عن افغانستان في مشهد مخزي يكشف عن هزيمة هذا الاحتلال و فشل مشروعه بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فكل احتلال الى زوال، والارض لا يحكمها الا اصحابها، و ما جرى في أفغانستان من تخل لأمريكا عن حلفائها يؤكد ان لا وجود لحلفاء او أصدقاء دائمين لأمريكا في اي مكان من العالم، فالمصلحة الامريكية لا ترتكز الى قيم ومبادئ، وهي تقوم على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ومآرب اميركا الاستعمارية لا تقف عند حدود اذ تبيح لنفسها تدمير دول وتخربيها وتشريد اهلها، وهذا ما شهدناه في فلسطين والعراق وافغانستان وسوريا وغيرها من الدول، وهذا ما نعيشه اليوم في لبنان بفعل الضغوط على وطننا وحصاره وتجويع شعبه، بغية تأليب المقاومة على شعبها الصامد والرافض للحصار والتجويع، لذلك فإننا ندعو المراهنين على نفوذ أميركا في منطقتنا العربية ولاسيما في لبنان الى التبصر و الاتعاظ من المشهد الافغاني، فيعيدوا النظر بمواقفهم و تحالفاتهم و يعملوا لمصلحة بلادهم و شعوبهم”.

وختم نصرالله: “نستنكر بشدة اجتياح قوات الاحتلال الاسرائيلي لمدينة جنين واغتيال عدد من أبنائها في عمل إرهابي موصوف يكشف عن همجية الاحتلال وعدوانه المستمر ضد المدنيين الفلسطينيين، كما ونستنكر العدوان الاسرائيلي الجوي على منطقة القنيطرة السورية في انتهاك فاضح للسيادة السورية، فهذه الانتهاكات والاعتداءات المتكررة من العدو الاسرائيلي تكشف النوايا العدوانية للكيان الصهيوني و تهديده للاستقرار في المنطقة، نضعها برسم المجتمع الدولي و الأمم المتحدة، ونطالبهم بتحمل مسؤولية لجم هذه الاعتداءات التي سترتد خرابا ودمارا على كيانه الغاصب”.

هذا، وتم احياءاليوم العاشر بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للقارئ الدولي أنور مهدي، وتلا الشيح حسين نجدي مجلس عزاء حسيني، وموسى الغول زيارة الحسين، وقدم للحفل الشيخ علي الغول.

ولمشاهدة احياء يوم العاشر من خلال صفحة المجلس على الفايسبوك:
https://www.facebook.com/shiitecouncillebanon .

شاهد أيضاً

الصليب الأحمر: لتوخي الدقة في نشر المعلومات

نفى الصليب الأحمر اللبناني، اليوم الثلاثاء، في بيان “ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام عن …