كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لم تدم نعمة الكهرباء في منطقة النبطية طويلاً، سقطت بضربة العتمة القاضية، سدّدت شركة الكهرباء ركلة جزاء قاسية في حق القرى، عبر إعلانها توقف خط الـ66 عن الخدمة، في رد مباشر على فرض رؤساء بلديات المنطقة تغذية البلديات بالقوة، ما ادخل القرى مجدداً في ظلام دامس الى أجل، في حين ما زالت الاشتراكات تنعي نفسها يومياً، ما يشي بأن الانزلاق نحو الغضب دنا، إلا اذا قرر الاهالي الارتضاء بالشمعة على تشكيل قوة ضغط قوية تجاه من يلحق بهم الاذى، وهو ما تراه مصادر متابعة بعيداً نسبياً عن تفكير الاهالي المنشغلين حالياً بالبحث عن البنزين الذي فقد بشكل شبه كامل من منطقة النبطية، في حين تسابقت المحطات على الاشكالات داخلها والتي استخدمت بمعظمها السكاكين والاسلحة، كنوع من الخديعة لاقفال المحطة، أما البنزين فبات حصراً “للشبيحة” ممّن يسيطرون على المحطة، فيما المواطن ممنوع عليه المادة الا اذا دفع خوة، فتنكة البنزين وصلت هذه الايام الى الـ500 والـ700 الف ليرة، و”اذا مش عاجبك خليك مقطوع”، يقول أحمد الذي ينتظر منذ اكثر من اربعة ايام للحصول على البنزين من دون جدوى، ينتظر يومياً على المحطات الشغالة، “غير ان البنزين داخلها للشبيحة، وحين ينتهون يقع المشكل فتقفل المحطة، ونحن نأكلها”.
إستبشر الاهالي خيراً بدخول الجيش على خط التنقيب عن البنزين داخل المحطات، ظنوا ان المحطات ستعمل كلها، ويتمكّن الجميع من ملء الوقود، ولكن “عشم ابليس بتنكة بنزين”، يردّد يوسف الذي يأسف أنه ما ان دخل الجيش حتى اختفى البنزين من كل المحطات، ومع الاسف ايضاً من فتحت بالاكراه افتعلت المشاكل لتغلق، وبقينا من دون بنزين”.
لا يكفي المواطن ذل البنزين الذي تفاقم للذروة، ولا طابور الخبز حيث البحث عنه مستمر مع تسجيله اسعاراً قياسية وصلت الى الـ30 ألفاً في عدد من الدكاكين، بعدما بلغها ان الخبز سيكون “بالقطارة” مع اطفاء الافران مولداتها، في حين زحف الناس الى الافران لشراء رغيف خبز مجبول بالذل، يقول أبو محمد: “بعزّ الحرب ما شفنا هيدا الذل”، الحج الخمسيني الذي يقطن في احدى قرى الشريط الحدودي يؤكد ان الخبز في المنطقة مقطوع نهائياً، وأنهم عادوا لتوصية الزائرين لهم بالاتيان بالخبز معهم كهدية. ينزعج أبو محمد من تسابق الايدي داخل الفرن لالتقاط ربطة خبز، حتى الرغيف بات لمن استطاع اليه سبيلاً، ومن حضر اولاً ينعم به والا راحت عليك”.
أما جديد الأزمات فهو فقدان الفحوصات المخبرية، إذ بات من الصعب إيجاد فحص الدم cbc وهو أبسط أنواع الفحوصات، ما يعني ان مزيداً من الضغط على المواطن يمارس عليه، وسط سيل الاسقاطات والاتهامات الحاصلة.
تقول رونا عاملة في احد المختبرات ان الفحوصات فقدت كلياً من مختبرات النبطية، حتى الفحوصات الاقل من عادية، ما يضطرنا لارسالها خارج المدينة، جازمة بأن هذه المشكلة مرجحة للتفاقم مع الايام القادمة وسط فقدان كل المستلزمات الطبية المطلوبة، والمريض اليوم بات في حيرة من أمره وعجز كبير، اذ يصعب عليه اجراء فحص ودفع تكلفته ايضاً التي تضاعفت بشكل كبير. كل ذلك يدفع برونا للقول ان الامر ان بقي على حاله يعني دخلنا ازمة صحية خطيرة جداً، ولا تغفل عن الاشارة الى ان مختبرات المستشفيات توقفت عن استقبال الفحوصات من خارجها وابقت على فحوصات المرضى داخلها فقط، في تأكيد على ان الازمة المستجدة دخلت في نفق خطير.
يؤكد فؤاد على الامر، الشاب الذي يضطر كل 20 يوماً لاجراء فحص الغدة بات صعباً عليه اجراؤه فهو غير متوفر حالياً، فوفقه الفحص ارتفع ثمنه من 50 ألفاً الى 400 ألف الشهر الماضي اما اليوم فمفقود “ماذا نفعل نحن المرضى، ومن اوصلنا الى هذا الدرك الخطير؟ خنقونا في كل شيء”.
وحده المواطن يتجرّع كأس سمّ الازمات، ينتظر لساعات وساعات في طوابير البنزين والخبز والبحث عن الدواء والفحوصات وقريباً المياه، أما الحلول فهي الوحيدة الغائبة ولا اثر لها في المدى المنظور، بإختصار: إبكِ أنت في لبنان.