كتب منير يونس في “نداء الوطن”:
للحوار الاقتصادي مع الوزير السابق والمرشح للانتخابات المقبلة من قبل حزب “القوات اللبنانية” غسان حاصباني اهمية خاصة، لجهة انه سبق وعمل في شركات عربية وعالمية في عدد من القطاعات لا سيما الاتصالات، وهو منذ 2019 منكب مع زملاء له في الحزب و”تكتل الجمهورية القوية” على برنامج اقتصادي شامل لكل القطاعات، وكان سباقاً منذ سنوات في طرح صندوق سيادي لأصول الدولة فضلاً عن رؤاه للكهرباء والاتصالات والمالية العامة وغيرها. وفي ما يلي نص الحوار:
ما رأيك بأداء الحكومة وعودتها الى العمل على جبهات الموازنة والتفاوض مع صندوق النقد؟
لقد أضعنا أكثر من 15 سنة في حكومات كان يسودها التعطيل غالباً، خصوصاً عندما كانت بقبضة “حزب الله” كما حال هذه الحكومة التي هي بقبضته. لا يسمح الحزب لهذه الحكومة بالعمل الا اذا أراد، ولا يسمح لرئيس الحكومة ممارسة صلاحياته الا عندما يشاء هذا الحزب. واذا استمر وجود سلاح غير شرعي وبقيت سيادة الدولة مختطفة فاننا سنبقى في نفس المنظومة العاجزة عن اي فعل اصلاحي.
في الموازاة، تأخر الحوار والتفاوض مع صندوق النقد الذي لن يوافق على خطة في بلاد ذاهبة خلال أشهر الى انتخابات نيابية. وما يشاع من تفاؤل الآن يشبه تفاؤل 2018 قبيل الانتخابات النيابية آنذاك، عندما عقد مؤتمر سيدر الذي حورت اهدافه من قبل البعض ليعطي جرعة انتخابية. ثم تبين ان لا نية لتطبيق ما طلب في المؤتمر خصوصاً لجهة الاصلاحات والمشاريع. لقد استخدموا المؤتمر مطية انتخابية.
والآن نحن في نفس المشهد. فالموازنة المطروحة شكلية بأرقام على ورق، وبعائدات وهمية للخزينة، لأن الضرائب لا تجبى اساساً في غالبيتها. كما لا نعرف حقيقة كل تلك الأرقام طالما لا وجود لقطع حساب يسمح لنا بمعرفة ما صرف وكيف صرف.
ان اعادة تفعيل الحكومة واقرار موازنة من حيث الشكل لطرحها امام صندوق النقد، بالاضافة الى محاولات متكررة لتقديم اوراق اطارية ومقاربات جزئية قبل تقديم الخطة الكاملة للصندوق، والحديث عن اعانات تضاف الى رواتب موظفي القطاع العام وخفض سعر صرف الدولار المفاجئ مع توافر غريب للدولارات لشراء الليرات في السوق… كلها جرعات وهمية قبيل الانتخابات، لتخدير الناس وايهامهم بان السلطة تقوم بعمل اصلاحي جبار. وانا أجزم ان لا اتفاق مع صندوق النقد بناء على خطط مجتزأة.
في الحكومة حالياً خلاف حول سلفة كهرباء لبنان، لماذا برأيك؟
قبل 20 سنة، كان قطاع الكهرباء عاجزاً بنحو 8 مليارات دولار، اما اليوم فنحن نتحدث عن 40 ملياراً تراكمت بين ديون تسبب بها هذا القطاع وخدمة للديون وسلفات خزينة. والأنكى أنه في السنوات العشر الماضية لم يتم اي استثمار رأسمالي يذكر في هذا القطاع الذي يتحلل تدريجياً.
التركيز غالباً في النقاش يدور حول الانتاج، لكن ما نفع زيادة الانتاج اذا بقيت مشاكل توصيل الكهرباء وجبايتها على حالها المتردي؟
نسأل الآن عن الكهرباء التي يتحدثون انها ستكون نتيجة اتفاقات مع مصر والاردن: ماذا سيصل الناس منها وما هي الجباية المتوقعة علماً بأن نسبة الهدر التقني وغير التقني 34%.
ونسأل أيضاً: هل هناك من عرقل تركيب العدادات الذكية التي كانت في العقد الأساسي الموقع مع شركات تقديم الخدمات كما قال وزير الطاقة في 2014، مضيفاً آنذاك ان تلك الشركات تسترد كلفة العدادات من الجباية تباعاً من دون تكبد الدولة أي كلفة استثمارية. وقال يومها أيضاً ان العام 2016 سيشهد الانتهاء من التركيب. الى اليوم ليس لدينا الا “تركيبات” تجريبية بعدة آلاف فقط! ويبدو ان الكلفة اصبحت على عاتق الدولة وليس شركات مقدمي الخدمات بكلفة تراوح بين 300 و400 مليون دولار.
أما نظام الفوترة فهو قديم متهالك مع فارق زمني بين اصدار الفاتورة وجبايتها. ولا نعلم ان كانت الفاتورة صحيحة أم لا. من الذي منع مؤسسة كهرباء لبنان من وضع نظام فوترة حديث وفعال وبكلفة يفترض ان تكون بسيطة
اما عن تصليح اعطال الشبكة وتوسعتها حيث يجب، اين هي؟ ومن الذي منع كهرباء لبنان من القيام بهذا العمل؟
الى ذلك يضاف التقصير الفاضح، ومنذ سنوات، في تحصيل الاموال المترتبة على النازحين السوريين والمخيمات الفلسطينية وتقدر بين 400 و500 مليون دولار. فهذه الكلفة يفترض بالمعنيين لدينا المطالبة بها من الجهات المانحة.
نحن امام مشهد سوريالي وحكم كاذب امام الشعب. اي سلفة اضافية للكهرباء ستذهب هدراً في غياب الاصلاح الشامل.
ويجدر التذكير بأن البنك الدولي جاهز للتمويل، لكن يجب على المعنيين بداية اجراء الاصلاح وزيادة الجباية ومعالجة الهدر. كما نطالب بتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع وتطبيق القانون 362 الصادر في 2002.
لكننا نرى انكم تحجمون عن الحديث عن مصرف لبنان واخطائه، لماذا؟
لا يزايدنّ أحد علينا في قضية مصرف لبنان. إن اول من دعا ونادى بتدقيق كامل في حسابات مصرف لبنان ومنذ 2017 هو “تكتل الجمهورية القوية”، بلسان النائب جورج عدوان. واجهوه وزراء السلطة آنذاك بأنه يطرح أمراً خطيراً ومدمراً للبنان. لذا المسألة ليست في المزايدات.
من يهجم على حاكمية مصرف لبنان اليوم، ليس لديه النية الحقيقية للتدقيق والاصلاح. هدفه فقط الضغط على الحاكم ليتجاوب مع طروحات مثل خفض سعر صرف الدولار قبل الانتخابات. وقبل ذلك، كان الهدف من الضغط الانفاق على الدعم. طالما هناك اموال في الاحتياطات سيستمر الضغط على الحاكم لصرف آخر دولار من تلك الاموال. والضغط بوسائل مختلفة سواء في القضاء او الاعلام او الشارع. فاذا حصل وتجاوب الحاكم يخف الضغط، خلاف ذلك يرتفع. أما بالنسبة للمصارف فهي تتحمل مسؤولية ضخمة جداً لانها امعنت في تمويل الدولة وشراء سندات الخزينة والمخاطرة باموال المودعين، كما أمعن في ذلك مصرف لبنان بطلب من الحكومات المتعاقبة، وفق القانون الذي غطى الافراط في الاعتماد على البنك المركزي، والموازنات نصت على هذا أيضاً.
على من تقع مسؤولية تبخر الودائع؟
أولاً هناك مسؤولية على الدولة التي توسعت في الاقتراض وانفقت الاموال في اساليب هدر وربما فساد، وترتبت على ذلك ديون باسم المواطن اللبناني وعليه. اما مصرف لبنان الذي هو المقرض الاخير كان مضطراً تقريباً لاقراض الدولة، واصبح تمويل عجز الموازنة يعتمد على الاموال المحلية ومصدرها الأساسي مصرف لبنان وصار الاستثناء قاعدة.
كما انغمست المصارف في الانكشاف على الدين العام لأنها تنافست في ما بينها على الفوائد العالية الآتية من فوائد الدين وعلى الحفاظ على قاعدة المودعين لديها.
دعنا نوزع المسؤوليات ولا نضيعها. المسؤولية الاولى عند الافلاس تقع على المفلس أي الدولة التي عليها استخدام قيمة اصولها لتغطية جزء من الخسائر التي تسببت بها. وعلى المصارف اعادة تكوين رساميلها لسد جزء من حقوق المودعين. وفي النهاية، يجب ان يحصل المودع على قيمة اساسية من امواله وتوزع الخسائر ايضاً بحسب حجم هذه الودائع لان الودائع الكبيرة استفادت من الفوائد الباهظة وتتحمل بعض الاقتطاع منها كملاذ أخير ربما، بحسب حجم المخاطرة.
ما رؤيتك للمخرج خصوصاً وانك كنت من السباقين في طرح فكرة الصندوق السيادي؟
عادة الدول لا تفلس. للدولة سيادة على اصولها التي ترتفع قيمتها مع تنميتها وزيادة الافادة منها بادارة سليمة. القيمة لا تقاس عينياً فقط، بل ان تقييمها يجري وفق معادلة سيادة الدولة القادرة على تأمين نمو اقتصادي يعزز القيمة. وليس صحيحاً تقييم اصول الدولة بـ 15 مليار دولار فقط لأنها ليست للبيع اليوم. وللمثال هناك شركات لا تتجاوز قيمة اصولها وعائداتها الملياري دولار بينما قيمة اسهمها المدرجة في البورصة 100 مليار.
نحن نطرح ادارة الاصول بشكل سليم بالاضافة الى الاصلاحات التي تمنح الدولة مصداقية بتحقيق نمو اقتصادي ومداخيل للخزينة في استقرار تشريعي حديث. بهذه الشروط تتعاظم قيمة هذه الاصول اكثر من 10 مرات قيمتها الحالية اي الى نحو 150 مليار دولار ربما.
نطرح أن تتولى إدارة أصول الدولة مؤسسة متخصصة تشبه الهيئة الناظمة المستقلة عن السياسيين بخبراء دوليين ولبنانيين، مع تطبيق القوانين المرعية قبل سن قوانين جديدة ذات صلة، على أن يعطى المواطن، خصوصاً المودع، مباشرة حق الملكية فيها وليس عبر السلطة السياسية.
فالمواطن المودع مول الدولة ويجب ان يسترده. غير المودع رتبت الدولة ديناً باسمه، وبالتالي من حقه تأمين خدماته واستشفائه وتعليمه وضمان شيخوخته أي شبكة امان اجتماعي تضاف اليها شبكة امان امنية. كل ما عدا ذلك يبقى خارج الدولة التي عليها واجب التنظيم والتأكد من تدفق الاستثمارات الخاصة بمنافسة عادلة تحت رقابة واشراف هيئات ناظمة مانعة للاحتكارات. ومن الضروي في قانون المنافسة النص على هيئات ناظمة تحمي المستهلك من الاحتكارات غير الشرعية والتلاعب بالمواصفات واغراق السوق بالسلع الرديئة.
نحن ننادي باقتصاد حر منتج ومسؤول اجتماعياً وليس رأسمالياً متفلتاً ولا اقتصاد ريع. نحن ننشد الاقتصاد الليبرالي الاجتماعي.
بالعودة الى الصندوق السيادي، الاسهم تبقى لصاحبها لفترة معينة من 3 الى 5 سنوات والنجاح مرتبط بسرعة الإصلاحات، بعدها يمكنه التصرف بها. من دون اصلاحات ستفلس المصارف وتتبخر الودائع الى غير رجعة. خلال الفترة المذكورة تتعاظم قيمة الأصول والعائدات منها الى الحد القادر على تعويض خسائر المودعين. بعد ذلك يمكن ترك تلك الاسهم حرة للتداول في سوق الاسهم.
كيف تنظر الى موازنة 2022؟
قبل كل شيء، وقبل وضع الضرائب، علينا جباية الضرائب اولاً.
هناك نحو 40 مليار دولار لم تحصّل في السنوات العشر الماضية سواء جمركياً أو ضريبياً، بحسب بعض التقديرات.
التهريب لا يحرم الدولة من الرسم الجمركي فقط، بل تضيع معه ايضاً ضريبة القيمة المضافة وهذا يشكل نحو ملياري دولار سنوياً. اضافة الى ذلك هناك التهرب الضريبي الخاص بالدخل والارباح وخلل الجباية وخلل هيكلية الضريبة نفسها.. وهذا يقدر ايضاً بنحو ملياري دولار أيضاً. إن اساس الفساد في لبنان هو التهريب وسوء التحصيل والجباية.
توقّع انهيار قطاع الاتصالات… وحذّر مراراً
سبق غسان حاصباني وتوقع قبل 5 سنوات ان يصل مصير قطاع الاتصالات الى نفس مصير الكهرباء وحذر من ذلك مراراً. ويقول: بات قطاع الاتصالات أيضاً يطلب سلفة من الدولة ودعماً منها، ليستطيع الاستمرار ودفع كلفته التشغيلية. ويضيف: 99% من شركات الاتصالات المتنقلة في العالم هي في عهدة القطاع الخاص، تتنافس تحت اشراف هيئات ناظمة مستقلة عن السلطة السياسية. لذا كان لا بد من تطبيق القانون 431 الذي صدر في 2002 كجزء من الاصلاحات التي تعهدت بها الحكومة بعد مؤتمر باريس 3 للدول المانحة للبنان.