كتب أمين عام رابطة المدارس الإنجيليّة في لبنان الدكتور نبيل قسطه:
حتّامَ الصمتُ وعلامَ السكوت وإِلامَ الانتظار!؟ أجل، لقد حانَ الوقتُ لكي تعترِفَ الدولةُ اللبنانيَّة بأنَّ الأساسَ الذي بنَتْ عليه التربيةَ التي اتّخذت صفة “الرّسميَّة”، لم يَكُن متينًا. لقد حانَ الوقتُ لِكَي تعتَرِفَ الدّولة من دون تردُّدٍ وبلا خجَلٍ بأنَّ ما قدَّمته للتربية كان دون المتوخّى ولم يُلبِّ التوقُّعات. حانَ الوقتُ لكي تُقِرَّ الدولةُ بأنَّها أولتِ القطاعَ العامَّ أهميَّةً قصوى تفوقُ تلك التي أولتها القِطاعَ الخاصّ، وقد جَعَلَتْ قِطاعَها الرسميّ أولويَّةً فيما هَمَّشَتِ القطاع الخاصّ أحيانًا كثيرة، والقليل الذي مَنَحْتَهُ لهذا الأخير لا يُقاسُ بذاك الكثير الذي خَصَّت به قطاعَها الرسميّ.
وحانَ الوقتُ أيضًا للاعترافِ بأنَّ الأزمة التي تولَّدت مطلع العام 2019 فَضَحَتِ التربية في القطاع العام بِكَونِها كشفَت فيه خاصرةً “رخوةً” جدًّا، تأتَّت، ليس فقط من الإضرابات المتلاحقة بل من عدم توافر البُنية التحتيّة للتعليم عن بُعد لدى غالبيّة المدارس الرسميّة وأُسرها وتلامذتها، من كهرباء وإنترنت وأجهزة كمبيوتر وسواها، وقد جاء حجم الضرر كبيرًا ولمّا يزل في تصاعُدٍ وتزايد. ولعلّ ما قاله وزير التربية عن هذه السنة بالذات خير اعترافٍ محزن. قال: “تَلامِذة التَعليم الرسمي لَم يتعلَّموا أَكثر مِن 25 يَومًا، أمَّا تَلامِذة الخاص بَاتوا قَريبين مِن انجاز المنهاج، وهذا يؤدي إلى تفاوت كبير يطرح موضوع الامتحانات الرسمية على بِساط البحث ما لم نتمكن في التعليم الرسمي من تعويض الفاقد التعليمي”. في هذا الوقت، قدَّمتِ المدرسةُ الخاصَّة بالمقابل نموذجًا بأضرارٍ أقلّ كلفةً وبمعالجات سريعة عمليّة لا تخضع لما يُشبه ذاك الروتين الإداري في القطاع الرسميّ، بحيثُ كان ما قدَّمتهُ من تعليمٍ عن بُعْدٍ فعّالًا بِمعظمِهِ، وكلَّفَ جهدًا كبيرًا واستنبَطَ من الضعف قوَّة، على الرغم من احتجاز الدولة لكثير من أموالِها وتحديدًا تلك المُخَصَّصة للمدارس المجانيّة. وهُنا لا بُدَّ لنا من التذكير بأنَّ العديد الاجماليّ لمدارس لبنان هُوَ نحو من ثلاثة آلافِ مدرسة بينها ألف وأربعمئة مدرسة رسميَّة تُعلِّم مئتين وسبعين ألف تلميذ وعديد معلّميها هو خمسة وأربعون ألفًا، فيما هناك ألف وستمئة مدرسة خاصّة تعلّم سبعمئة وثلاثين ألف تلميذ. إنَّ هذا الإحصاء البسيط يُرينا حجم المسؤوليّات والقدرات والتضحيات التي تُبذَل في الخاصّ، فيما نرى مثلًا أنَّ لكلّ خمسة تلاميذ في الرسميّ معلّمًا، وهي من أفضل النِّسَبِ عالميًّا، بينما المردود التعلّميّ والنتائج مُتدنّية جدًّا قياسًا بما حقَّقهُ ويُحقّقه القطاع الخاصّ على الرغم من كلّ الأثقال والأعباء التي يتحمَّلَها. وهذا ما يُؤكِّد مرّة جديدة بأنَّ النظام التربويّ بِرُمَّته بات بحاجة إلى عمليّة إصلاح جذريّة بكونه بات هشًّا وقديمًا ولا يُحاكي متطلّبات التربية العصريّة، وهذا ما يُحتِّم علينا الشروع بورشة عملٍ نهضويَّة هادفة.
بناءً على كلّ ما تقدَّم، نقول: “حانَ الوقتُ لِأَن يكونَ القطاع الخاصّ شريكًا كامِلًا وأساسيًّا في صنع القرار التربويّ في لبنان”. كما حانَ الوقتُ كي تستفيدَ الدولةُ من خبراتِ القطاع الخاصّ، فلا يقتصر دوره على المشاركة في وضعِ أسئلة الامتحانات الرسميّة ومراقبة إجرائِها وتصحيحها، وفي وضع مناهِج تعليميَّة مرَّة كلّ ربع قرنٍ إذا حَصَلَ. وحانَ الوقت كي تُفعّل الدولة مشروع تجميع المدارس الرسميَّة، بحيث يُصار إلى ضمّ صغريات المدارس الكائنة في قرى وبلدات متجاورة إلى مدرسة رسميّة واحدة قائمة في الوسط الجغرافيّ للمنطقة، الأمر الذي يُخفِّف عن كاهل الدولة أعباء ومصارفات تشغيليّة كبيرة، وتحويل هذه الأموال لتطوير العمل ولتحسين أوضاع المعلِّمين. وبإمكان المدرسة الخاصَّة أن تقدّم الكثير في هذا المجال وعلى غير مستوى وصعيد. وحانَ الوقت لكي تَضَعَ الدولةُ خُطَّةً للفاقِدِ التعلُّميّ المتراكم من العام 2019 إلى اليوم، على أَن يُشارِكَ معلّمو المدرسة الخاصّة في هذه الخطّة، ففي النهاية هُناكَ منهج تعليميّ مُوَحَّد وهُناكَ شهادة رسميَّة موحَّدَة للقطاعَيْنِ.
ولكن، قبلَ الشروعِ في أيٍّ من الخطواتِ والخطط التي حانَ وقتُها أعلاه، فإنَّ الدولة مدعوَّةٌ إلى إعادة النظر في فائض المعلِّمين لديها وإعادة توزيعهم من جديد وفصل شريحة كبيرة من بينهم لملء الشواغر في الإدارات الرسميّة وهي بالآلاف، كلّ ذلك بطريقة قانونيّة عادلة تحفظ كرامة الجميع وتضمن معيشتهم. وهنا نَهيبُ بكلِّ الأحزابِ والطوائف أن تعمَلَ على تسهيل هذه الخطَّة وضمانِ نجاحِها بعيدًا من أيَّةِ وساطاتٍ وتدخُّلاتٍ قد تعيقُ تنفيذها وتَتَسَبَّبُ في إفشالِها. نَعَمْ، إنقاذ القطاع التربويّ – التعليميّ وتطويرُه يبدآنِ بهذه الخطوة الإجرائيَّة، وكلّ ما عداها من تطويرِ مناهِج وتأمين الفاقد التعلّميّ وسوى ذلك يأتي كخطوات لاحقة. استنادًا إلى كلّ ما سبق، نُؤَكّد أنَّهُ حانَ الوقت ليكونَ القطاع الخاصّ شريكًا كاملًا، وعليه، فإنَّهُ لم يَعُد مقبولًا أن تتوجَّهَ كلّ المساعدات من الجهات المانحة إلى القطاع الرسميّ دونَ الخاصّ، علمًا أنَّ هذا الأخير يضطلع بثلاثة أرباع المهمّات التعليميَّة – التربويّة في لبنان. وهنا نقترح أن تكون هذه المساعدات للقطاعَين معًا بناءً على مشروع تربويّ إصلاحيّ هادف، على أن تُضبَط من خلال نظام محاسبيّ دقيق. وبالتالي، لماذا لا نعود إلى صُلب الخطّة الخمسيّة التي أعدّتها وزارة التربية في شهر آب ٢٠٢١، والتي تنطوي على رؤية تربويّة إصلاحيّة مستقبليّة من شأنها إعداد جيل يمتلك المهارات اللازمة لمواجهة العصر الجديد من جهة، ولتُمكِّنه من الإسهام في بناء اقتصاد وطنه من جهة ثانية. نَعْم ثُمَّ نعَمْ، حانَ الوقتُ لنكونَ شركاء كاملين.