كتب خضر حسان في المدن :
يسقط مشروع قانون موازنة العام 2022 في فخ مخالفة الدستور والقانون. إذ تحمل بعض بنوده مخالفات واضحة تفترض تحرّك 10 نواب على الأقل، لتقديم طعنٍ بها أمام المجلس الدستوري في حال إقرارها كما هي. كما أن بعض البنود يُراد بها تطمين صندوق النقد الدولي حيال إجراء الإصلاحات المطلوبة. لكن كما كل مرة، لا تخرج السلطة السياسية من سياق التمويه المعتمد لتمرير أسوأ القرارات. فهل تصل المخالفات إلى المجلس الدستوري فيُبطلها، وهل يضع صندوق النقد موقفاً حاسماً أمام هذا التحايل؟
تفويض التشريع
تعطي المادة 133 من مشروع الموازنة، حق التشريع المالي للسلطة التنفيذية التي يمكنها أن تفوّض هذا الحق لوزير المالية. وقانونياً، تنحصر مهمة التشريع بمجلس النواب الذي يحق له وحده أن يقرر تشريع فرض الضرائب واستيفائها وتحديد عملتها. لكن تلك المادة نصّت على أنه “خلافاً لأي نص آخر، ولغايات فرض واستيفاء الضرائب والرسوم، يمكن للحكومة أو لوزير المالية بتفويض منها، أن تحدد سعر تحويل للعملات الأجنبية”. وهذه الانعطافة لا تتناسب مع إمكانية تفويض مجلس النواب لبعض مهامه للحكومة، لأن مهمة التشريع المالي والضريبي “هي لمجلس النواب، كما لا يمكن أن تتم عبر الموازنة، وهذا رأي فقهي واضح، حتى وإن كانت الموازنة تعكس خطة اقتصادية إصلاحية، إلا أن لا اختصاص تشريعياً لها”، وفق ما تؤكّده أستاذة القانون سابين الكيك.
والرأي القانوني الذي تستند إليه الكيك خلال حديثها لـ”المدن”، يرى الموازنة بوصفها “قانوناً يفتقد المقومات التشريعية الأساسية. وهي قانون ذو طبيعة خاصة لأنها صك تشريعي لتقدير نفقات الدولة وجبايتها ولإجازة الجباية والانفاق. فضلاً عن إطارها الزمني القصير الذي يقتصر على سنة واحدة”.
وقانونياً، أي تعديل لبنود قانون ما، يجب أن يأتي ضمن قانون من ذات الطبيعة، لا أن يندرج ضمن قانون الموازنة العامة، لأن في ذلك “خروجاً على أصول التشريع”.
مبدأ الشمولية
من أهم مبادىء الموازنة العامة أنها قانون شمولي، أي تُطَبَّق أحكامه على كل المكلَّفين الذين يُعتَبَرون سواسية بنظر القانون. إلاّ أن المادة 96 ميَّزَت بين مودع وآخر، وضربت بذلك هذا المبدأ، إذ نصّت على إعفاء الفوائد على الودائع الجديدة بالعملات الأجنبية لدى المصارف، من الضريبة لمدة خمس سنوات، من تاريخ نشر هذا القانون. فماذا عن أصحاب الودائع الذين دفعوا وسيدفعون ضريبة على فوائد ودائعهم طالما أنها محوَّلة إلى المصارف قبل نشر قانون الموازنة؟
وفي هذا التشريع المخالِف، تفرض الحكومة قانوناً على فئة دون أخرى، فيما لا صلاحية لها على فرض ضريبة أو الإعفاء من ضريبة.
سعر الصرف
المخالفة الثالثة تظهر صراحة من خلال المادة 57 التي تفرض رسم الخروج على المسافرين من لبنان. فهي خلافاً لما ورد في الموازنات السابقة، تحوِّل عملة استيفاء الرسم إلى الدولار بدل الليرة. وتبرّر السلطة السياسية هذا التحويل انطلاقاً من أن “أنظمة الطيران العالمية تفرض أن يتم إدراج قيمة الرسوم على التذكرة بالدولار الأميركي ويسددها الراكب بهذا العملة. وتسديد الرسم للخزينة بالليرة اللبنانية من جانب مؤسسات النقل يخلق بعض المشاكل لجهة أسعار الصرف المعتمدة”. ما يعني أن قانون الموازنة يغيّر سعر الصرف الرسمي بصورة غير مباشرة. كما أن تعديل العملة إلى الدولار يعني زيادة الرسوم بطريقة ملتوية وليس عبر تعديل تشريعي عادي في مجلس النواب، وهو ما يمثّل مخالفة جديدة تستحق الطعن.
أيضاً، فإن اعتماد الليرة والدولار في موازنة واحدة، يعني احتساب الواردات والنفقات ضمن سعر متحرّك وغير رسمي، وهذا يعرقل لاحقاً إجراء قطع الحساب، فلا ثبات في هذه الموازنة. كما أن عدم وجود سعر صرف رسمي في الموازنة يدل على غياب السياسة النقدية. أما الاصرار على اعتماد سعر منصة صيرفة كسعر رسمي، فالأجدى تغيير السعر الرسمي بشكل واضح.
النواب أمام تحدٍّ جديد
تستوجب المخالفات تقديم 10 نواب طلب طعنٍ أمام المجلس الدستوري يعيد للموازنة صورتها الحقيقية ويمنعها من التعدّي على صلاحيات مجلس النواب. وبرأي الكيك، فإن “مجلس النواب تحت المجهر. فمن المعيب أن تُقَر موازنة غير دستورية من دون اعتراض 10 نواب عليها والطعن بها”.
تذهب الكيك في إصرارها على الطعن وعدم تمرير الموازنة بشكلها الحالي، إلى ضرورة تقديم الطعن، وإن بأقل من 10 نواب، وحتّى لو ردّ المجلس الدستوري الطعن لعدم استيفائه الشروط، إذ يبقى الاعتراض مطلوباً وإن كتسجيل موقف، وهو أمر حصل سابقاً.
علماً أن المجلس الدستوري أبطل ستة بنود في موازنة العام 2018 “لا علاقة لها بقانون الموازنة”، وبذلك، رأى المجلس أن وجودها في الموازنة هو “خروج على أصول التشريع”.
صندوق النقد
لا تتوجّه الموازنة بشكل رسمي لصندوق النقد الدولي، بل هي قيدٌ لنفقات الدولة ووارداتها، لكنها تعكس الخطة الاقتصادية التي يفترض أن تقدّمها الدولة كطريق للخروج من الأزمة وكمفتاح لإنجاح المشاورات مع الصندوق، ولاحقاً التفاوض معه.
وما يحصل في الموازنة هذه، أنها لا تطمئن الصندوق لجهة إجراء الإصلاحات. بل فيها ما يمكن أن يساهم نظرياً في جذب الودائع بالدولار، وبالتالي احتساب السلطة لهذا العملية ضمن خانة الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد. فالمادة 132 “تُلزم المصارف بتسديد الودائع الجديدة بالعملة الأجنبية التي يتم إيداعها نقداً لديها أو من خلال تحويلات مصرفية خارجية بالطريقة عينها التي أودعت لديها. ويأتي اقتراح هذه المادة “من أجل استقطاب ودائع جديدة بالعملة الأجنبية”.
وهنا، على صندوق النقد الإيضاح أن الاصلاحات تأتي ضمن خطة واضحة وضمن إقرار قوانين في مجلس النواب ذات صفة تشريعية مستدامة وليست بنوداً في موازنة سنوية، خاصة وأن الحكومة الحالية التي وضعت لنفسها صلاحيات موسّعة في الموازنة، لن تعمّر طويلاً، إلاّ إذا كان الهدف من توسيع الصلاحيات استباق عدم إجراء الانتخابات النيابية أو تعطيل عمل المجلس النيابي لأي سبب كان.