كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
من الأوّل، حين يُحدد «الغضب» من الخامسة حتى الخامسة يكون غضباً مفتعلاً ينطلق من حسابات ومباركة وسيناريو مركّب. فالغضب، قبل بسام طليس وبعده، عارم. والغاضبون أذكى من شحذ «الرواق» من سلطة تعتبر أنها لا تزال قادرة على تحريك المشاعر بكبسة زر!
انطلق الثالث عشر من كانون بتقطيع أوصال البلد، من أوتوستراد الكرنتينا، الى الدورة، الى نهر الكلب وساحة الشهداء فالسفارة الكويتية وساحة النجمة – صيدا وتقاطع بشارة الخوري وبحمدون ومثلث خلدة وبشامون والناعمة والبداوي ودوار البحصاص ودير عمار والعبده وضهر البيدر ودوار الجبلي… ساعة، ساعتان، ثلاث، أكثر بقليل، وانتهى «الغضب» كما بدأ. نبكي أم نضحك؟ فما توقعه الناس حصل على الرغم من كل علامات الحسم والجزم من رئيس إتحاد النقل البري ورئيس الإتحاد العمالي العام أن «يوم الغضب» الجديد لن يكون كما قبله.
السائقون العموميون يعانون. العشرات حملوا ثقل العمر والخيبات ونزلوا الى الأرض غاضبين، صارخين، شاتمين. قطعوا الطرقات على بعضهم البعض. أنزَلوا من تجرأ و»لمّ» راكب على الطريق وأنذروه. وكل واحد منهم، من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، حكى عن «وجعه»: ما معي حقّ دوا. ما معي إدفع موتور. أولادي ينامون بلا عشاء… مشاكلهم مشاكل كل اللبنانيين، لكن، ممن يطالبون بحقوقهم؟ من بعبدا؟ من عين التينة؟ من الحكومة؟ من وزير النقل او وزير المال أو وزير الطاقة؟ ضاع سائقو النقل البري البارحة ووحده بسام طليس كان عارفا بالبير وغطاه.
أن يطلّ سائق عمومي البارحة ويصرخ: «اللبنانيون حمير» فهذا دليل أنه أضاع منذ اللحظات الأولى البوصلة ومشى في ركاب ما أعدوه له. فاللبنانيون يراد لهم أن يصبحوا بالفعل «حميراً» على قاعدة الإستجابة العمياء لأهواء من يشاء تسييرهم. لهذا، لشدة ما يعانون منه، إختنقوا ويشعرون بما يشبه اليأس. البارحة، لم يتضامن اللبنانيون مع قطاع النقل البري في النزول الى الشارع وممارسة «الغضب المبرمج» لكنهم، في العمق، غاضبون أكثر بكثير من بشارة الأسمر وبسام طليس.
إنتهى «يوم الغضب» فأيّ خلاصة له؟
بسام طليس بدا، منذ الصباح، غاضباَ. وجال صال على التقاطعات وردّ على الأسئلة بأسئلة:
«إنتو شو بدكم؟». لام طليس بعض الصحافيين. ومسح عرقه مرات. أما بشارة الأسمر فتقدم عليه شوطاً معتبراً: أن اليوم (البارحة) قد نجح لأن التضامن معه كان كبيراً. يبدو أن الأسمر وسواه يحاولون حتى تكذيب أعين الجمهور. وحدهم السائقون، ثلاثة أرباع السائقين، كانوا يتابعون مسار النهار من وراء التلفاز. فلا حول لهؤلاء ولا قوّة، كما لكثير من اللبنانيين، لا للنزول الى الشارع ولا لممارسة الألعاب الفولكلورية. مراقب حاول في ختام النهار أن يكون منصفاً فقال: 10 في المئة من العاملين في النقل البري، ممن شاركوا في يوم الغضب، إنما فعلوا ذلك لغضبهم الجامح ووجعهم الشديد أما البقية الباقية فكانت تعمل وفق تكتيك: «ننزل هنا. نقطع الطريق قبل وصول طليس. يغادر. نغادر. ونعود ونقطع طريقاً آخر وهكذا دواليك». تكتيك. هكذا يُشلّ البلد من أقصاه الى اقصاه».
إذا كان هذا هو الغضب فما بالكم «بالرواق»؟ أحد سائقي الشاحنات نزل الى ساحة الشهداء ومعه نرجيلته وراح ينفث وينفث علها تنجلي. تسلى نحو ساعتين وغادر. زميلٌ له «معصّب» ردد: اليوم هو أول الغيث وغدا يوم آخر. لن نخرج من الطرقات. لن نسكت. لن نهدأ… وحين شاهد زميله يغادر قال له: إنتظرني اغادر معك.
المدارس أقفلت البارحة. المصارف أيضا. أما المحال التجارية ففتحت أبوابها، والطرقات عادت هي أيضا و»شرعت»مساراتها في بلد السلطة فيه فاجرة فاسقة تقتل وتمشي وراء النعش. وبعض الدواليب أحرقت ومعها تخلصت «دولتنا» من بعض النفايات التي لا مكبات كافية لها وأشعلت، من الغاضبين، حنقاً. رئيس إتحاد النقل البري خرج هو أيضا البارحة من الأرض قبل الخامسة بكثير. وبُعيد الثالثة بقليل اقام مؤتمراً صحافياً تحدث فيه «عن قلوب سوداء أرادت تشويه التحرك». أما في النتائج فقال «معركتنا مستمرة مع الحكومة لتنفيذ الإتفاق أو تعديله وسيلي «الغضب» اليوم (البارحة) خطوات مقبلة مكمّلة للتحرك».
فلننتظر إذا يوم غضب جديداً في يوم ما قريب…
من حكى مع بسام طليس أول البارحة ظنّ أن «الغضب الجامح آت» ومن تابع البارحة شؤون الأرض والحراك تأكد أن السلطة فقدت «ذكاءها المصطنع» وما عادت قادرة، من خلال كل أدواتها، على تركيب السيناريوات كيفما شاءت ومتى شاءت.
أبو جورج، عاد البارحة ظهراً الى منزله، بعدما نزل الى مستديرة الدورة «ليتسلى» قليلاً. رأى بسام طليس آتياً ومعه شخص يرتدي عباءة وربطة عنق عليها دبوس مذهب. سمعه يتحدث عن «وجع» السائقين وعن سعر ربطة الخبز و»قدرية» أن يكون الإنسان سائقاً لبنانيا. مشهدٌ إستفزه وهو الذي ليس في جيبه سوى 10 آلاف ليرة. ابو جورج غاضبٌ جداً منذ ما قبل الخامسة فجراً والى ما بعد الخامسة عصراً.
البارحة بدأ «الغضب» ومعه إرتفاع المحروقات والبارحة إنتهى «الغضب» ومعه إتجاه الدولار صعوداً صعوداً. أيها السائقون قلوبنا، قبل البارحة واليوم وعلى الأرجح غداً، معكم.