كتب أنطوان الفتى في “أخبار اليوم”:
“لا يوم غضب، ولا من يغضبون”. فتحرّكات الشارع باتت باهتة، خصوصاً أن الذين “يغضبون” في ساحاته، لهم ما لهم من خلفيات سياسية، وحزبية، تصفّي حساباتها بعناوين معيشية وحياتية.
وأمام هذا الواقع الذي يجعل حاجات الشعب المتألّم في مكان، والسياسة في آخر، نسأل عن إمكانية إحداث نقلة نوعيّة في تحرّكات الشارع، على صعيد نزول العناصر العسكرية والأمنيّة إليه، للاحتجاج وقطع الطُّرُق ولو لـ 24 ساعة، في رسالة وجع تُوجَّه الى المجتمع الدولي، وهي أن الوضع في لبنان ما عاد يحتمل، مع ما لذلك من نتائج سلبية على أكثر القطاعات الحسّاسة.
لا نهاية
نحن لا نتحدّث عن انقلاب عسكري، ولكن لا يُمكن الاطمئنان الى إمكانية بقاء لبنان خارج نطاق الخطر الإرهابي، في شكل مُستدام، إذا وصلت العناصر الأمنية والعسكرية الى مرحلة أشدّ سوءاً. كما لا يُمكن زجّ تلك العناصر في مواجهات قتالية، إذا كان الجوع والفقر والمرض ينخرها وعائلاتها، الى ما لا نهاية واضحة.
ثمن التغيير
رأى العميد المتقاعد، وقائد عملية “فجر الجرود”، فادي داوود، أن “صرخة الوجع العسكرية والأمنية في الشارع لن تنفع، طالما أن العسكري والمدني اللبناني يتألّمان أمام العالم كلّه. وهما ينظران الى مؤسّسات لبنانية مشلولة، والى دولة تتحوّل الى هيكل عظمي أكثر فأكثر. وهذه مرحلة شديدة الخطورة”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “التحمُّل بات صعباً، ولكن ما هو ثمن التغيير؟ هنا مكمن الخطورة الأساسي. فضلاً عن أن أي تحرّك عسكري أو أمني في الشارع، لن يخرج عن احترام المؤسّسات والقوانين، وسيكون لسدّ الفراغات الكثيرة التي تنهش المؤسّسات كافّة، ولقطع الطريق على الشعبويّين، وعلى الجهات غير الرسمية التي قد تستفيد من الانهيار الحاصل”.
صعوبة
وأوضح داوود أن “النّظريات الطوباوية للخروج من الأزمة، لا يُمكن تطبيقها على المؤسّسة العسكرية، التي تحوي نحو 100 ألف عنصر، ما عادوا قادرين على القيام بأعمالهم في مثل تلك الظّروف”.
وشرح:”النظريات الطوباوية لا يمكنها أن تطال تلك الأعداد، بل نسبة قد لا تتجاوز الـ 30 في المئة. وهي نسبة مئوية غير كافية لنقول إن المؤسّسة العسكرية قادرة على الاستمرار طويلاً بَعْد، في مثل هذا الجوّ”.
وأضاف:”للمؤسّسة العسكرية حساباتها، التي تشبه حسابات الدول، وهي لا تحتمل التآكُل التدريجي في عملها. ولا يمكن للجندي أن يقوم بواجبه، إذا كان فَقَدَ القدرة على توفير المال لمواصلاته، وللالتحاق بمركزه. فضلاً عن أن نقل إبن عكار للخدمة في البقاع أو الجنوب، يزداد صعوبة، وهو ما يؤسّس لإبقائه في منطقته، ولإنشاء ألوية إقليمية، تأخذنا الى فرز مناطقي وطائفي، تتجنّبه المؤسّسة العسكرية منذ التسعينيات”.
ليس حلّاً
وأكد داوود أن “اعتماد مبدأ المداورة الأسبوعية في عمل العناصر الأمنية، ليس حلّاً أيضاً، لأن لكلّ عنصر دوره الخاص في الوظيفة العسكرية والأمنية. وهذا لا يحتمل أي غياب، لأي عنصر”.
وكشف عن أن “الاحتياطات الاستراتيجية للمؤسّسات الأمنية تُستنفَد، من محروقات، وأطعمة، وأدوية، وغيرها. فما الذي سيحصل؟ الاحتمالات كلّها مُقلقة ومُخيفة، ولكنها لا ترتبط بقرار داخلي فقط، بل هي تحتاج الى قرار دولي أيضاً”.
بسبب الفقر
وأشار داوود الى أنه “يستبعد أن تنزل العناصر العسكرية الى الشارع لتحتجّ، لأن هذا الأمر يخرج عن قوانينها وأعرافها وسلوكها التاريخي، وخوفاً من أن يُسيَّس تحرّكها، وترتفع أصوات التخوين، والاتّهامات بالطائفية، بدلاً من العناية بحاجاتها، وذلك كما هو الحال بكلّ ما يحصل في البلد بدءاً من عَدَم الاتّفاق على كتاب موحَّد للتاريخ، وصولاً الى ما يحصل اليوم، من ضمن مشهد سيُحاوِل إضعاف المؤسّسة العسكرية، والتسبُّب بانهيارها، بما يكمِّل الانهيار المالي والقضائي الحاصل في البلد”.
وختم: “عانينا سابقاً من الإرهاب، سواء من جراء تنظيم “داعش”، أو في نهر البارد. واليوم عاد الإرهاب ليظهر مجدّداً، وسط تخريج شبّان في العراق، فيما الفقر والجوع هما من أهمّ أسباب انتشاره (الإرهاب). والخوف هو من أن نضيّع كل ما أنجزه الجيش خلال السنوات السابقة، بسبب الفقر والجوع أيضاً”.