جاء في “المركزية”:
قبل ان تطوق الاتصالات المكثفة التي تواصلت على اكثر من مستوى تداعيات إصدار المرسوم الخاص بفتح الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي نتيجة سيل المواقف المشككة بالظروف التي قادت إليها ودوافعها الحقيقية، جاءت الدعوة المستعجلة لرئيس الجمهورية ميشال عون من أجل عقد طاولة للحوار لتزيد من حجم التعقيدات السياسية التي تواكب اي محطة سياسية او دستورية تعيشها البلاد في وقت لا يزال فيه النزف المالي والنقدي والإجتماعي قائما كما في الكثير من الملفات الخلافية المفتوحة على شتى الاحتمالات.
وعليه، فقد لاحظ المراقبون ان، ومنذ مطلع العام الجديد ارتفع منسوب التوتر السياسي نتيجة سيل المواقف التي شهدتها عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة وما بينهما فتعددت المواقف والرسائل التي حملت المزيد من المؤشرات السلبية التي رفعت من مخاوف اللبنانيين على حاضرهم ومستقبلهم نتيجة الانقسام بين المسؤولين وخصوصا بين أهل المنظومة السياسية المتحكمة بالمؤسسات الدستورية الى درجة تحولت رهينة مواقف رؤسائها متجاهلة باقي المكونات التي تتشكل منها هذه المؤسسات والشراكة الالزامية التي يجب ان تتحكم بأدوارها.
وعلى هذه الخلفية، قالت مصادر ديبلوماسية وسياسية “من المؤسف ان تتحول المؤسسات الدستورية ملكا لرؤسائها. وما يثير قلقها ما رصدته من خطوات توحي بمصادرة المسؤولين “المتقدمين بين متساوين” لصلاحياتها وأدوارها. وعلى هذه الاسس يمكن القول ان رئاسة الجمهورية تحولت بحكم الامر الواقع وطريقة التعاطي معها ومن خلالها، وكأنها ملك لرئيس الجمهورية ولا يشاركه في ادارة شؤونها سوى صهره رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. في ما يختصر رئيس المجلس النيابي نبيه بري العمل المجلسي وكأن المجلس قد تحول مؤسسة ملحقة بقيادة حركة امل وكتلة التنمية والتحرير، في ما يبدو ان مجلس الوزراء ملك للرئيس نجيب ميقاتي بالشراكة التي احياها مؤخرا مع اعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين يصرون على التنسيق في ما بينهم في كل شاردة وواردة ليمسكوا بناصية العمل الحكومي.
تبعا لذلك، رأت المصادر ان المعادلة القائمة هي التي تتحكم بالعمل في السلطتين التشريعية والتنفيذية، طالما ان أي حراك على مستوى العمل النيابي او الحكومي رهن تصرف ومزاجية أحد رئيسيهما، بعدما جمدت او تعطلت الآليات الاخرى التي قال بها الدستور والنظام الداخلي لكل منهما. فلا يمكن لاحد ان يتجاهل انهما، اي الدستور والنظام الداخلي للمجلس والحكومة يسمحان باللجوء الى خطوات تتيح لمجموعتين من الوزراء والنواب بأكثر من وسيلة لتجاوز صلاحيات الرئيسين لتصويب الإداء ان عبر احدهما او الاثنين معا بشكل من الاشكال للحؤول دون التعسف في استخدام السلطة الممنوحة لهما. والتجارب التي تدل الى هذه الظاهرة متعددة وقد تكررت في السنوات الاخيرة التي وضع فيها الدستور والقانون على الرف وساد التعطيل والشغور النيابي والحكومي لعشرات الأشهر ولا مجال للعودة إليها بالتفصيل الممل.
انطلاقا من هذه المعادلة الواقعية، كشفت مصادر سياسية مطلعة لـ “المركزية” ان عددا من الديبلوماسيين ابلغوا كبار المسؤولين قلقهم من حجم التوتر السياسي الذي ارتفع منسوبه في الفترة الانتقالية بين عامين والتي تسببت به المواقف الاخيرة التي رفعت من سقوف المواجهة المحتملة بين المسؤولين اللبنانيين متجاهلين ما يقول به الدستور والقانون. والتدليل الى هذه المواقف وتأثيراتها السلبية، لا يحتاج الى الكثير من العناء لإثباته. فالمواقف الاخيرة التي سجلت في فترة قياسية عبرت بشكل لا يرقى اليها الشك لجوء كبار المسؤولين الى استثمار موازين القوى المختلة سواء بالسلاح او بالتحالفات السياسية التي رجحت كفة فريق على آخر بالمناوبة خارج الأصول القانونية والدستورية.فقد كانت الغاية من كل الضوابط القانونية والدستورية توفير افضل الظروف المؤاتية التي تسمح لكل من هذه المؤسسات للقيام بواجباتها ومسؤولياتها بالتنسيق والتعاون في ما بينها مع احترام مبدأ الفصل بين السلطات الذي تجاهلته المواقف الاخيرة. وهي انعكست بشكل غير مسبوق على شل العمل الحكومي قبل ان تقلع الحكومة الجديدة، وكادت تهدد العمل المجلسي لو لم تفتح الدورة الاستثنائية منذ ايام قليلة عدا ما أصاب السلطة القضائية من ندوب اساءت الى استقلاليتها وهيبتها ولم تنجح الهيئات القضائية العليا من إنهائها او حصرها من ضمن البيت القضائي قبل ان تخرج إلى العلن. كما لم ينجح نادي القضاة رغم مواقفه الصارمة وقدرته على تمثيل اكثرية القضاة من حماية السلك مما يستهدفه من الداخل والخارج.
بناء على ما تقدم وما افرزته من عقبات هائلة، يبدو واضحا ان وراء هذه الازمات المتجددة منطق اعوج سائد منذ فترة ولا يتطابق وأسس النظام الديمقراطي المعتمد في لبنان. فالإسراف في استخدام الميثاقية المذهبية والطائفية أنتج ما لا يمكن ان يؤدي اليه انقلاب شامل يمكن ان تشهده أي دولة. فتعددت الأزمات الى درجة غاب فيها مجلس الوزراء عن العمل في مرحلتي تصريف الأعمال للحكومة السابقة وتجميدها منذ فترة. وهو ما يدل في النتيجة إلى ان استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي الى تمدد الشلل الحكومي بسبب “الميثاقية الشيعية” ولن تعقد طاولة الحوار بسبب “الميثاقية السنية” والأخطر من هاتين الظاهرتين ان تطور الخلاف السياسي الى فلتان أمني سيطير معه الاستحقاق النيابي و الرئاسي لاحقا. فمن قال انه ليس هناك من يريد الوصول الى هذه المرحلة من الفراغ الشامل.