يسابق حراكيو الجنوب بدوائره الثلاث، الوقت مع بدء العد العكسي للانتخابات النيابية بعد نيف وأربعة أشهر. وهم يشرعون في اجتماعات مكثفة لا تقتصر على إطار معين وتأتي في محاولة استثمار مزاج شعبي ناقم على اركان الحكم في لبنان يتفاوت بين منطقة وأخرى.
ولعل المهمة الأصعب هي الجنوب حيث لثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» سيطرة شبه مطلقة على الرأي العام، من دون ان يعني ذلك اسئثارا كاملا لهذا المزاج ما سيتيح لقوى الاعتراض إدعاء القدرة على الخرق الانتخابي في أكثر من دائرة.
عندما نتحدث عن قوى الاعتراض، فهذا يعني القوى المعارضة تقليديا للسلطات المتعاقبة حتى قبل وصول الثنائي الى الحكم، مثل «الحزب الشيوعي» و«التنظيم الشعبي الناصري» وقوى وشخصيات يسارية متبعثرة لكنها تعارض بشراسة واقع الحال في الجنوب مثل «منظمة العمل الشيوعي» على سبيل المثال لا الحصر. مثلما يعني هذا المصطلح بالاعتراض القوى المستجدة على الساحة لا سيما بعد تاريخ 17 تشرين الاول 2019 والحديث هنا عن الحراك المدني الذي نشط بكثافة في المرحلة الاولى للحراك كما في النبطية وكفررمان وفي صيدا وصور.
ولتنظيم الذات، عاد «مؤتمر الجنوب» لاستئناف نشاطه وهو الذي تأسس العام الماضي واعلن انطلاقته في 20 حزيران في منطقة النبطية الفوقا، لاستكمال ما بدأه ومواكبة الحدث الانتخابي.
وبعد نقاش بين تلك القوى حول اكثر من قضية واهمها مسألة سلاح «حزب الله» وتعريف المقاومة، غلب الرأي السائد بأن القضية يجب ان تعالج بالحوار وعبر استراتيجية مشتركة مع الدولة اللبنانية، في مقابل رأي لا يحظى بحظوة لكنه يشكل صدى لرأي معادي للحزب من خارج الجنوب ويدعو الى نزع سلاحه ويذهب الى المطالبة بتطبيق القرارات الدولية على هذا الصعيد. أي بمعنى آخر، غلب الرأي المُتمايز عن سياسة الحزب لبنانيا واقليميا على حساب الرأي المُعادي له، بينما يحتفظ الرأيان بعدائهما للطبقة الحاكمة ويحملانها مسؤولية ما آلت إليه الاوضاع المزرية في البلاد.
وبعد لقاء أول لم يُستكمل، حضر مؤسسو المؤتمر الى اجتماع آخر للعمل على هيكلية تنظيمية من نحو 15 كيانا، حيث أقاموا تقييما وتقديرا لسبل انشاء تحالف واحد في كل الجنوب بدوائره الثلاث. وهذا التقييم تعززه لقاءات حضرها حراكيون من مناطق متعددة خارج الجنوب في ظل بحث جدي في كيفية التحالف مع المنصة الانتخابية المستجدة لـ«كلنا إرادة» و«نحو الوطن» والموحِّدة لهما، وتقديم الاقتراحات وتلقيها.
على أثر سجالات حول ماهية القوى التي يجب التحالف معها اذ برز خلاف حول استبعاد قوى التقليد، ليس في الجنوب فقط بل في مختلف المناطق، يبدو ان الرأي استقر على محالفتها وان تورطت في مراحل زمنية بالسلطة.
لكن التناقض حول تقييم تلك القوى التي تعتبر مشاركة في الانهيار كان واضحا من قبل «كلنا إرادة» التي أيدت التحالف مع حزب «الكتائب» وحركة «الإستقلال» وشخصيات مثل نعمت إفرام، واتخذ الامر جهودا لإقناعها بالتحالف مع «الشيوعي» الذي لم يشارك في السلطة كما مع زعيم «الناصري» أسامة سعد العضو البرلماني الذي كان مقربا من «حزب الله» حتى فترة قريبة وكذلك الحال مع «الشيوعي».
أما المعترضين على كل تحالف مع مشارك في السلطة وهم كانوا رموزا في «نحو الوطن» فقد خرجوا محاولين تأسيس كيان جديد وسط تنازع على عنوان «نحو الوطن» مع أولئك الذين استمروا في تلك المنصة متحالفين مع
«كلنا إرادة».
سؤال «الممول الخارجي»؟
وجراء ذلك التخبط لدى «كلنا إرادة» همس البعض لكون موقفها هذا يأتي نتيجة المعارضة الشرسة التي يبديها «الممول الخارجي» الرافض للتحالف مع أي كان يحتفظ بعلاقة غير خلافية مع «حزب الله».
لكن حراجة موقف المنصة التي يرأسها العضو الكتائبي السابق ألبرت كوستانيان دفعت بها الى القبول بمقاربة المعارضين جميعا كرزمة واحدة طالما أنهم يواجهون منظومة الحكم وان كان لكل منهم طريقته في التعبير عن هذه المعارضة.
ويلاحظ هنا ان حتى المعارضين الشرسين لـ«حزب الله» باتوا اقل تعبيرا عن تأييدهم لشعارات معادية له مثل نزع السلاح وحصريته، وهم نأوا بأنفسهم عن كل تصنيف يرى باحتلال إيراني للبنان او يرفع شعارات ذات طابع طائفي.
في الأثناء، يرى حراكيو الجنوب، وبعد احصاءات طويلة ودؤوبة بالاشتراك مع اكثر من خبير انتخابي مرموق، ان خرقا في منطقة مغلقة مثل صور الزهراني لم يعد مستحيلا. لا بل انهم يشيرون الى ان خرقا من هذا النوع قد يحققه الحراك «المدني» وحده من دون القوى السياسية التي قد تخاصم الثنائي في الجنوب ونتحدث هنا عن «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» وحتى «تيار المستقبل».
وكذلك الأمر في النبطية مرجعيون وحاصبيا حيث تتجه الانظار الى المقعدين السني والأرثوذكسي. على ان المهمة الأقل صعوبة نسبيا ستكون في صيدا جزين حيث يقترب سعد من الحاصل وكذلك الحراك لوحده، وبهذا سيكون الحاصل في المتناول في حال وحّدا جهودهما واختارا هوية المقعد والمرجح ان يكون ذاك السني في صيدا.
لكن تلك الخروقات دونها تحقيق شروط اولها وحدة جميع قوى الاعتراض وترشيح من يمتلك المعايير المطلوبة التي يدرسها الحراكيون على طريق تقديمها. والعمل الآن على تحالف شامل عماده «الشيوعي» وسعد، صحيح ان الاخير قد لا يكون متواجدا خارج صيدا، لكن حلفه مع «الشيوعي» سيكون له وقع معنوي ضروري للحراكيين في الدوائر الاخرى كما يرى هؤلاء اذا تشكلت جبهة واحدة. وعلى طريق الانتخابات ستعمل كيانات جديدة على بلورة نفسها وقد تنضم الى «مؤتمر الجنوب» على اساس توسعه لتعزيز الجبهة المنوي قيامها وطبعا على اساس خطاب موحد وجامع للكل.
المصدر: اللواء