كتبت فاتن الحاج في “الأخبار”:
التعليم الرسمي هو أول الخاسرين وأكبرهم في كل قرارات السلطة السياسية. هذا ما يمكن استنتاجه مع إعلان روابط المعلمين والأساتذة رفض العودة، الاثنين المقبل، إلى التعليم الحضوري في الدوامين قبل الظهر وبعده، احتجاجاً على عدم وفاء الحكومة بالوعود التي فكّت على أساسها الروابط مقاطعة العام الدراسي، ومنها إعطاء تقديمات اجتماعية (نصف أساس راتب شهرياً)، ومنح حوافز (90 دولاراً شهرياً) ورفع بدل النقل (65 ألف ليرة). واشترطت الروابط للالتزام بالعودة تسليم المدارس كل الوسائل الضرورية لاتباع الإجراءات الوقائية (كمامات، معقمات…) وتأمين فحوصات pcr مجانية للمعلمين والتلامذة، ووضع مسار زمني لتصحيح الأجور أو احتسابها وتدويرها وفقاً لسعر صرف الدولار الرسمي. كما طالبت بتوقيع مرسوم إعطاء المساعدة الاجتماعية ورفع بدل النقل وفقاً لسعر المحروقات الجديد، وبصرف الحوافز لجميع العاملين في المدارس والثانويات والمعاهد الفنية والتقنية، وإصدار قرار رفع أجر الساعة للمتعاقدين والمستعان بهم ووضعه موضع التنفيذ والاستفادة منه من بداية العام الدراسي.
ونفت مصادر الروابط ما أشيع عن توقيع المرسوم الاستثنائي للتقديمات الاجتماعية، «إذ أوهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المعلمين وموظفي القطاع العام بأن رئيس الجمهورية ميشال عون وقع المرسوم (نصف شهر عن تشرين الثاني ونصف شهر عن كانون الأول) حين أعلن بعد اجتماعه مع عون، بأنه سيتم الإفراج اليوم (أمس) عن الاستحقاقات المالية التي وعد بها موظفي القطاع العام والإدارات العامة». وقالت المصادر: «فليرسلوا لنا صورة عن المرسوم إذا كان ذلك صحيحاً».
مهما يكن من أمر، فإن النتيجة الأبرز لكل هذه القرارات هي أن المعلمين يواجهون الظروف الاقتصادية والاجتماعية باللحم الحي، وأن التلامذة لم يتعلموا شيئاً بعد 3 أشهر من بداية العام الدراسي، ما ينبئ بكارثة تربوية ستلحق بجيل كامل، ذنبه الوحيد أنه تسجل في المدرسة الرسمية لضيق أوضاعه المادية. وكما لم يستطع تلامذة المدارس الرسمية الالتحاق بالتعلم عن بُعد لألف سبب وسبب، لن يعودوا إلى الصفوف على غرار أقرانهم في التعليم الخاص.
في هذا الوقت، توافقت وزارة التربية مع وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية والشركاء في المنظمات الدولية على فتح المدارس والجامعات، الاثنين المقبل، ضمن المعايير المحددة صحياً، وعلى خلفية الإفادة من التجارب العالمية بإبقاء المدارس مفتوحة مع التقيد بالإجراءات للحدّ من أي تبعات في حال الإصابة.
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية ومنسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، يوسف نصر، قال لـ «الأخبار» إنه لا يكفي أن نقول إننا قررنا العودة، بل يجب أن ترافق القرار إجراءات وقائية عملية ومشددة تريح الأهالي القلقين على أولادهم»، مقترحاً بأن يتولى الأهالي أنفسهم مهمة حجر أبنائهم خلال الأيام الفاصلة عن فتح المدارس من أجل عودة صحية آمنة، على أن يستكمل هذا التدبير بتوفير إدارة المدرسة لكل مقوّمات تطبيق البروتوكول الصحي، من فرض ارتداء الكمامات، واعتماد التباعد الاجتماعي، وتأمين التهوئة والنظافة والتعقيم.
لكن من يراقب الإجراءات في المدارس الخاصة؟ يميز نصر بين «إدارات حازمة نجحت في تطبيق البروتوكول» وبين «مدارس لم تنجح»، وهنا «تأتي مهمة مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية للإشراف على حسن سير الأمور». ولفت إلى أن الأمانة العامة ستضع في تصرف الوزارة لائحة من المدارس التي ستتحول إلى مراكز لتلقيح الأساتذة والتلامذة وأهاليهم، خلال حملة الماراثون المنوي إطلاقها السبت والأحد المقبلين، والتي «سنتعاطى معها بإيجابية وجدية، وإن كانت الحملة لا تكفي لأن نتائجها لن تكون مباشرة، إذ لا يمكن تلمّس مفعولها قبل 15 يوماً».
«العام الدراسي لا ينتظر، ولن نقبل بخسارة عام دراسي آخر مهما كانت التضحيات»، هذا ما قاله وزير التربية عباس الحلبي، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الصحة فراس الأبيض، مراهناً على التعاون مع الأهالي، أولاً لتلقيح أنفسهم وأولادهم، ومع المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة لشمول التلقيح جميع الأساتذة والإداريين والعاملين والتلامذة ضمن الفئات المستهدفة.
وأعلن الحلبي أبرز الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لتأمين عودة آمنة إلى المدارس، ومنها «تيويم» البروتوكول الصحي (جعل تطبيقه يومياً)، وإنتاج فيديوهات توعوية، واستكمال توزيع المعقّمات والكمامات على القطاع الرسمي، وإنشاء غرفة عمليات تدير ملف كورونا، واستناداً إليها يتخذ قرار إقفال صف أو طابق أو مدرسة في حال وجود إصابات، وتوزيع rapid test على المدارس، وتحضير لوائح اللقاحات من المدارس والتعاون مع وزارة الصحة لتفعيل الحملة من خلال العيادات النقالة في المدارس، وتكثيف الوزارة للزيارات إلى المدارس للتأكد من تطبيق البروتوكول الصحي من خلال جهاز الإرشاد والتوجيه للمدارس والثانويات الرسمية، ومصلحة التعليم الخاص للمدارس الخاصة، «وسيشرف الوزير شخصياً على تنفيذها ومحاسبة المدارس التي لا تلتزم»، مع «سعي الوزارة لنشر كل إصاباتها بطريقة شفافة، ويستطيع أي شخص ولوج dashboard لمعرفة عدد الإصابات في كل مدرسة أو محافظة».
من جهته، أكد وزير الصحة «أننا قبلنا تحدي العودة المدرسية مع التركيز على أمرين: التشدد في إجراءات الوقاية التي وضعت ضمن البروتوكول الصحي، وخلق جو آمن في المدارس للمعلمين والعاملين في الإدارة لضمان خلوها من الوباء»، مشدداً على «ضرورة إجراء الفحوصات وتحديد الإصابات المسجلة وعزل المصابين والمخالطين». وتحدث عن هبة الـRapid Antigen المقدمة من المنظمات الدولية وتشتمل على أكثر من 80 ألف فحص «ستسلم إلى وزارة التربية لاستخدامها في المدارس للتأكد من الحالة الصحية لأفراد الجسم التعليمي والطلابي والقيام بالمقتضى وفق ما تظهره الفحوص». وأعلن أن «وزارة الصحة ستقدم بدورها لوزارة التربية 10 آلاف فحص PCR مجاني لدعم المدارس الرسمية، على أن تجرى في مختبرات المستشفيات الحكومية وفق آلية تنسيق بين الوزارتين بما يكفل عودة مدرسية آمنة».