أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي جاء فيها: “العيد يوم سعيد يحتفل فيه الانسان في مناسبة وطنية او دينية او انسانية للتعبير عن بهجته وسروره، ومن الأعياد ما يتعلق بالأديان السماوية، وأول عيد ذكر في القرآن الكريم هو عيد المائدة السماوية، في قصة النبي المسيح عيسى بن مريم، إذ طلب الحواريون منه أن ينزل الله عليهم مائدة من السماء لتطمئن قلوبهم، فالعيد في كلام المسيح قد طرح بأوصاف عديدة مما يدل على إرتباطه بالسماء وبلطف الله، والسنة الشمسية هي السنة التي يتم احتساب عدد أيامها من خلال دوران الأرض حول الشمس، فالدورة الواحدة للأرض حول الشمس تعني إتمام سنة شمسية ، وتستغرق الأرض لإكمال دورة واحدة حول الشمس ما يقرب من حوالى 365 يوما و 6 ساعات تقريبا، بالتحديد 365.2435 يوما، اما السنة القمرية فهي تلك السنة التي يتم احتساب عدد الايام القمرية بها عن طريق دوران القمر حول الأرض، فيبلغ دوران القمر حول الأرض بالسنة القمرية عدد 12 دروة، ويستغرق القمر لإكمال ذلك 12 دورة حول كوكب الأرض مدة تصل إلى حوالي 354 يوما وبالتحديد 354.367056 يوما، ومن خلال السنة القمرية يتم احتساب تقويم الاشهر الهجرية”.
وتابع: “كان من عادات الامم على اختلاف قومياتها ومعتقداتها ان تعتمد لنفسها يوما محددا من السنة تعتبره بداية لعام جديد من حياتها وكل واحدة منها لاعتبار من الاعتبارات الذي ترى فيه مناسبة مهمة لديها قد تكون حدثا معينا مرتبطا بأمر عقائدي أو قومي، وكان اكثرها شيوعا واهمية راس السنة الميلادية التي اتخذت من ميلاد السيد المسيح مناسبة لاعتبار هذا التاريخ بداية للسنة من كل عام لما تشكله هذه المناسبة من اهمية لدى هؤلاء الذين ينتسبون للديانة المسيحية ،وكذلك راس السنة الهجرية التي اتخذها المسلمون بداية للسنة الهجرية لاهمية هذا الحدث لدى المسلمين الذي اسس لتشكل الامة المسلمة وللتحول التاريخي والثقافي والحضاري الذي احدثه ليس على المستوى الجزيرة العربية فحسب، وانما له من تأثير على المستوى العالمي حيث انتشر الاسلام على مساحة واسعة تشكلت الامة الاسلامية بسببها واندمجت فيه شعوبها المختلفة القوميات والثقافات والعادات والتاريخ والتي تنتمي لحضارات بعضها متخلف معدوم وبعضها غامر محدود وبعضها غارق في التاريخ والانجازات الحضارية المتقدمة في التأثير على الصعيد العالمي كالحضارة الفارسية والبيزنطية ،على ان الفرس اتخذوا من بداية الربيع راس سنتهم واسموه بيوم النوروز اي اليوم الجديد وأصل ذلك يرجع إلى تقاليد الديانة الزرادشتية”.
وأضاف: “بالخلاصة، فإن الاساس في ذلك يعود في الاصل الى المعتقد الديني ويرتبط به تخليدا لما اتت به الاديان من عقائد وشرائع واخلاق تستهدف الاصلاح وتخليص الانسان من الفساد والسقوط الاخلاقي ومن الشرور والاثام والظلم والعدوان، وتحصينه من ارتكابها وارشاده الى ما يحقق سعادته الدنيوية والاخروية بتحقيق الاستقرار النفسي الذي يفتقده والعدالة الاجتماعية التي يتوق ويسعى بحثا عنها، ولما وجد ان ذلك يتحقق له بالدين لموافقته للفطرة التي فطره الله عليها كان له في نفسه هذه المنزلة الكبرى وهذه القدسية، واعتبر انه وجد بها مبتغاه، وان حياته الحقيقية بدأت من هذه اللحظة فاتخذها عيدا لنفسه واتخذتها الامة التي انتسبت اليه عيدا لها، و لان لهذه الاعتقادات هذه المنزلة في عقله وقلبه ونفسه قاتل دونها واستشهد من اجل تحققها وانتصارها فبذل حياته دونها واعتبر انه يحيي بها وان فقد حياته لا يعد خسارة له، بل ربحا عظيما لا يعدله ربح آخر، بل يعد الاحتفاظ والضن بحياته حين يدعوه الواجب الى نصرته والشهادة دونه خيانة لله يستحق معه عذاب جهنم وعارا لا يمكن محوه من سجل حياته، لذلك اتخذته اهل هذه الديانات عيدا تحتفي به ومناسبة لترسيخ قيمه في حياتها وحتى لا تجرفها عوامل الانحراف ولتستقيم امورها وتعتدل مسيرتها امام عوادي الزمن الذي كل ما تقادم بها وتواترت معها الاحداث اصبح فهمها اكثر تعقيدا وتعددت معه التفسيرات الخاطئة والمضللة واخذ الضعف يتسلل الى النفوس وغلب التمسك بالقشور وتحولت شعائره الى طقوس سهَل على اهل الاهواء العابثين واصحاب المصالح من اهل الدنيا العبث بهذه المناسبات واستخدامها بما يتناسب مع اهوائهم ومصالحهم فافسدوا باسم الدين وهو ما نراه من تمكن اهل الانحراف والضلال من تحويل هذه المناسبات الى فرص للترويج الى ثقافة تتنافى مع الاهداف التي كانت هذه المناسبات من اجلها، وعمل على خلق قيم معادية وشوهت المفاهيم الدينية من قبل مؤسسات تجارية تبتغي الربح وليس عندها اي حس ديني او اخلاقي او بعد فكري او اهداف انسانية تتعلق بمصير الانسان وبفلسفة الحياة، بل ترى فيها ما يعيق اهدافها في الحصول على المنافع المادية ولذلك وظفت كل ما لديها من امكانات واستجلبت كل عناصر الفساد للترويج الاعلامي الفاجر تشويها للمفاهيم وقلب الحقائق والنيل من كل صوت يعارضها وافساح المجال امام عناصر الفساد، بينما يوصد الباب امام الصوت المقابل ليوضح الامور والتحريض على كل صوت يحاول ان يوضح الحقائق ويؤتى بدلا عن ذلك بالبعض من المحسوبين على الدين ولا يملكون ثقافة دينية كافية تخولهم القيام بالتصحيح او التوضيح لبعض ما تقوم به هذه الوسائل من اثارات وتضليلات تمس القيم الدينية ومفاهيمها الاصيلة، وهذه من اخطر ما تتعرض له الاجيال من إعطاء صورة مشوهة عن الدين وقيمه ومفاهيمه وخصوصا الاسلام، مع عدم وجود جهد جدي لمواجهة هذه التحديات التي تعد من أخطر الحروب التي نواجهها وتتحمل المؤسسات الدينية من المسؤولين والمفكرين والمثقفين والادباء والشعراء واهل الرأي مسؤولية التقصير الكبير في هذه المواجهة التي تفرض عليها التعاون في ما بينها لإيجاد الصيغة الملائمة والاستراتيجية الضرورية لمكافحة هذه الاخطار التي تهدف لهدم الاسس والقواعد الحضارية التي لن تقوم من دونها اي قائمة لامة من الامم، لما تشكل الدافع الاهم والمبرر الاقوى لوجودها فاذا انتفت او سقطت انتهى مبرر وجودها كأمة تحمل رسالة في الحياة، ويكون ذلك سببا لتفككها الى مجموعات همها الدفاع عن وجودها المهدد، كما يحدث الآن حيث لم يبق للامة العربية والاسلامية من قضية مشتركة تجمع شملها واصبح لكل منها همها الخاص الذي يدفعها الى ان تفتش كل واحدة منها عن مصالحها الخاصة بعيدا عن الاخرى حتى وصل ببعضها الامر الى ابعد من التطبيع بالتحالف مع عدوها الذي مازال يغتصب مقدساتها ويهجر اهلها ظنا منهم انهم سيكونون بمنجى من المصير المحتوم الذي رسم لهم، وهو فقدان الامن والاستقلال والاستقرار وسيطرة العدو الاسرائيلي على ثرواتهم واستخدامهم في تحقيق اغراضه الخبيثة في مواجهة القوى الحية من ابناء امتهم واخوانهم الذي بدا لهم انهم سيحصلون عليه عندما يتخلون عن تحمل مسؤولياتهم اتجاه قضاياهم المشتركة وسيقعون في شر ما هربوا منه”.
وقال الخطيب: “إن العدو الاسرائيلي ما كان له ان يتجرأ على العدوان على سوريا ولا كان له ولمن خلفه ان يدفع بالارهابيين ان يقوموا بما قاموا به من القتل والدمار والقضاء على كل ما تحقق من انجازات وامكانيات للدول العربية كالعراق وسوريا لولا تواطؤ بعض العرب والسير بالمخطط التآمري والمشروع الامريكي والغربي لصالح الغلبة الاسرائيلية والذي لن يتحقق الا بضرب القوى الاساسية في مواجهة الاطماع العدوانية الاسرائيلية، وعمدتها وقلبها النابض سوريا الداعم الاساس مع الجمهورية الاسلامية الايرانية للمقاومة، والتي استطاعت رغم ضخامة المؤامرة ان تصمد في وجه هذه المؤامرة الكونية العدوانية وان تحقق انتصارا لا نظير له في التاريخ ،ونحن نأمل ان تكمل انتصارها الكامل بتحرير ما تبقى من ارضها المحتلة من قوى ارهابية ومن يدعمها ويقف الى جانبها”.
وتابع: “نتمنى ان تكون مناسبة حلول السنة الجديدة مناسبة مباركة على العرب والمسلمين واللبنانيين يجمع الله به الشمل ويحل فيها علينا جميعا بركته ورحمته، وان تكون سنة الاعتبار من الاحداث الاليمة التي عاشتها بعض البلاد العربية وان يوحد اللبنانيون جهودهم لانقاذ بلدهم مما يتهدد وجوده وامنه واستقراره قبل فوات الاوان ويجدوا لا سمح الله وطنهم في مزابل التاريخ اذا ما تمسك مسؤولوهم وبعض قواهم الحزبية والطائفية بأنانياتهم ونكدهم واستغلال كل الوسائل بما فيها العصبيات الطائفية لاغراض حزبية وليس لدى بعضهم مشكلة في احراق البلاد والعباد للوصول الى مآربه وتحقيق مصالحه وغاياته وانانياته، اننا نأمل ان ننتهي سريعا من هذا الوضع المزري بالخروج من الحالة المسماة بالشعبوية، والتعاطي بمسؤولية حول القضايا التي هي ليست محل اجماع وعدم تعريض الوضع الداخلي الى مزيد من التشنجات الطائفية والدفع نحو مزيد من الفوضى، فقد دخلنا في تجارب عديدة من الحروب الداخلية لم يخرج فيها احد منتصرا، بل مزيدا من الخراب والدمار، لذلك ندعو الى التبصر والعمل على ايجاد الحلول للمشاكل، وفي مقدمها حل عقدة البيطار التي حرفت المسار القضائي وتسببت بأزمة حكومية ينبغي معالجتها بتصويب النهج القضائي وايجاد آليات دستورية وقانونية تعيد الثقة بالقضاء وتحقق العدالة من خلال كشف المتورطين والمتسببين في كارثة المرفأ ومعاقبتهم حفظا لدماء الشهداء وصدقية القضاء.
وختم الخطيب: “نحن اذ نؤكد ان تطبيق القانون هو السبيل الوحيد لانتظام عمل المؤسسات، فلا يمكن ان تتم محاكمة الوزراء والنواب خارج الاطر الدستورية، ولا يمكن عقد جلسات حكومية غير ميثاقية، في المقابل فان المسؤولين مطالبون بتكثيف المشاورات لايجاد مخارج قانونية تفعل المؤسسات وتطبق القانون بما يطلق عمل الحكومة لتكون المنطلق الصحيح لمعالجة الازمات المعيشية والاقتصادية على كثرتها وتراكمها بدءا من التضخم والاحتكار والفلتان الامني واستغلال حاجات المواطنين للكهرباء والدواء والغذاء”.