عبّر وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي عن المعنى الرمزي للزيارة التي يبدأها بعد غدٍ الأحد الرئيس جوزاف عون للكويت تلبية لدعوة سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد.
رجي، الذي يرافق عون في زيارة اليومين للكويت، يقرّ في ما يشبه «النقد الذاتي» بأن سياسة لبنان الخارجية في الأعوام السابقة أضرّت بـ «بلاد الأرز» وأساءت للأشقاء والأصدقاء وفي مقدّمهم دول الخليج، ولكنه وبلغةٍ حاسمةٍ يطغى عليها الحزمُ يقول «إنه زمنٌ ولّى إلى غير رجعة و… على الأكيد».
الأول على رأس الدبلوماسية اللبنانية، كان قبل 33 عاماً الأول في مباراة الدخول إلى الخارجية التي يَعرفها زاويةً زاويةً بعدما تَعاقَبَ على رئاسة مديريات التفتيش، والمَراسم، والشؤون السياسية، كما يعرف «العالمَ» الذي تَنَقَّل بين عواصمه… ساحل العاج، سيول، الرباط، بروكسل، واشنطن، عمان، وسواها، فخَبِر عن قُرب سياسات الدول ومصالحها.
الدبلوماسي «بلا قفازات»، والمتخصص بالإعلام والاتصال السياسي والعلوم الإدارية والسياسية، يُعْلي لبنانيته في كل مفاصل مهمته الشائكة كوزير خارجية… لبنان الجديد.
«الراي» التقت رجي في مكتبه في مقر «الخارجية» وأجرت معه الحوار الآتي:
سؤال: ترافقون عون في زيارته للكويت، وهي الرابعة في نحو شهرٍ لدولة خليجية… ما جدول الأعمال وماذا سيطلب لبنان من الكويت التي لطالما لعبتْ أدواراً في بلوغ اتفاق الطائف ثم مدّ اليد لـ «بلاد الأرز» كلما تَعَثَّرَت بأزمةٍ أو زُجّت في حرب؟
الزيارة في ذاتها هي الحدَث، وتكمن أهميتها في مجرّد حصولها. «فلبنان في الأعوام الأخيرة تَسَبَّب بفعل سياساتٍ منحرفة عن تاريخ علاقاته الخارجية مع أشقائه بزعَلِ دول الخليج بمَن فيهم الكويت، وكانوا على حقّ في زعلهم».
فالكويت لها فضل كبير جداً على لبنان منذ زمن بعيد، على مختلف المستويات، وهي لم تتخلّ يوماً عنه في أيامه المُرّة والحُلوة ولطالما كانت رافعة لبلدنا في الدبلوماسية والاقتصاد، ودعمتْه سياسياً وبالسياحة ولم تبخل عليه بكل ما يعينه على الخروج من أزماته، من حرب الـ 15 عاماً وما بعدها، كما على دفْع كل مسارِ نهوضٍ يعقب كبوةً، سواء في الإعمار أو الإنماء.
وأعتقد أن كل اللبنانيين ممتنّون للدور المحوري الذي لعبتْه الكويت إبان اتفاق الطائف، والجميع يقرّون بأن للإخوة الكويتيين دوراً مهمّاً في ازدهار السياحة. ولكن لسوء الحظ عشنا في الأعوام الأخيرة ظروفاً أبعدتْ الكويت ودول الخليج الأخرى عن لبنان الذي لم يكن يشبه نفسَه.
ومن هنا فإن دعوةَ سمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لفخامة الرئيس عون، هي في ذاتها الحدَث، وأهميةُ الزيارة تكمن في الزيارة نفسها، ذلك أنها كَسْرٌ للجليد وإعادة للدفء إلى العلاقات الأخوية، وتالياً فهي تكتسب رمزيةً كبيرةً في هذا الإطار نظراً إلى السياق السابق الذي ساد على مدى الأعوام الماضية وكونها تعبّر عن عودة لبنان إلى الحضن العربي وعودة الكويت إلى لبنان.
سؤال: ماذا تنتظرون من الزيارة وهل تحملون مطالب محددة؟
ننتظر أن نقول نحن وأشقاؤنا الكويتيون، فَتَحْنا صفحة جديدة والمياه عادت بالكامل إلى مجاريها، وهذا هو الأهمّ. فعندما تعود الثقة والمودة والاحترام المتبادَل تصبح المسائل الأخرى تفاصيل وتأخذ الأمور مجراها الطبيعي.
أما مطلبنا الوحيد فهو صداقة الكويت.
سؤال: تأتي محطة الكويت على وقع ما يبدو «صوتاً مسموعاً» للبنان استعادَه لدى أشقائه الخليجيين في ضوء طلائع عودة رعاياهم إلى ربوعه بدءاً من المواطنين الإماراتيين بعد قرار أبوظبي إلغاء حَظْرِ السفر إليه… هل هي مجرّد عودة سياحية أم سياسية؟
لا شك في أن عودة الأشقاء الإماراتيين هي سياسية قبل أي شيء، رغم طابعها السياحي. وقد سُمح بعودتهم من ضمن آلية معيّنة، وبالتأكيد سيكون هناك سياح ورجال أعمال، ونتمنى أن يشمل الأمر مستثمرين.
لكن لا يمكن إغفال البُعد السياسي لقرار رفْع حظر السفر الذي يعبّر بطبيعة الحال عن إرادة سياسية تجاه لبنان وعن ثقةٍ بقدرة حكومته على تأمين سلامة الزائرين مع كل ما يتطلّبه ذلك على مختلف المستويات.
سؤال: هل تلقّيتم إشاراتٍ من الدول الخليجية الأخرى التي تحظر السفر إلى لبنان بأنها على وشك العودة عن هذا القرار ومتى؟
تلقّينا وعوداً جدية، ونأمل أن تصبح واقعاً. ونتفهّم أن كل دولة لها اعتباراتها والآليات التي تعتمدها في سياق اتخاذ قراراتها وإحاطتها من كل الجوانب.
سؤال: من الواضح أن بداياتِ العودة الخليجية إلى لبنان «الذي عاد إلى العرب»، هي «وديعة ثقة» بالعهد الجديد وإشارة اطمئنان إلى الواقع الأمني ببُعده الداخلي، ولكن توقيتَ هذه العودة يتزامن مع بقاء المَخاطر المرتبطة باحتمالات اشتعال الحرب مجدداً رَبْطاً بملف سلاح «حزب الله»… هل يمكن أن نستشفّ أن ثمة ضماناتٍ أو تطمينات من أصدقاء لبنان والمجتمع الدولي بأن صيفه سيكون «بارداً»؟
نحن نقوم بكل ما يلزم على كل المستويات ليس فقط كي يكون الصيف واعداً ولكن أيضاً بهدف ألّا تعود الحرب وتنتهي إلى غير رجعة. وأصدقاء لبنان يساعدوننا ديبلوماسياً ونحن نحضّهم على القيام بما يلزم للضغط على إسرائيل في هذا الإطار وإن شاء الله خيراً.
سؤال: في ضوء زياراتكم الخليجية السابقة واتصالاتكم، هل الربطُ مُكَرَّسٌ بين دَعْمِ لبنان المالي ولإعادة الإعمار وبين بتّ ملف سلاح «حزب الله» وفق منطوق خطاب القسَم والبيان الوزاري واتفاق وَقْفِ الأعمال العدائية؟
أكرر هنا أن عودة لبنان إلى محيطه العربي وعودة العرب إلى لبنان هي أولاً عودة سياسية، وهذا هو الأهمّ بعد شبه القطيعة التي كانت قائمة والعَتَب الذي ساد تجاه «بلاد الأرز».
وأعتقد أننا تخطينا هذه المرحلة، فمع العهد الجديد وفخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس نواف سلام والحكومة، تبيّن للأشقاء الخليجيين والعرب أن هناك نهجاً جديداً وتوجّهاً مختلفاً بالكامل على صعيد الأداء الداخلي بمختلف أبعاده وعلى مستوى السياسة الخارجية، وهذا ما تم تلقُّفه بإيجابية كبيرة وأتاح مدّ جسور التقارب مجدداً وتبديد الزعل.
أما في البُعد السياحي لهذه العودة، فالموضوع له جانب أمني. ونحن نقول لأشقائنا إن الدولة بدأت تبسط سلطتها وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وان الأمن ممسوك، وهذا يشكّل عامل اطمئنان كبيراً.
ويبقى موضوع المساعدات والمساهمة في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، وهذا يرتبط بالوضع العام والمشهد اللبناني في كليته. ولا أخفي، وهذا ما يقوله الجميع في الخارج علناً، أن هناك شرطين أساسييْن للانخراط في مثل هذه الورشة:
الأول، الإصلاحات الاقتصادية إذ لم يعُد أحد مستعداً للمساعدة وضخّ أموال في سلّة مثقوبة، أي أن يذهب الدعم سدى بالهدر أو بالفساد.
وهذا الشرط يتشارك فيه المجتمعان العربي والدولي كما الجهات المانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بحيث يريدون ضمان أن كل قرشٍ سيذهب لِما فيه مصلحة لبنان سواء لجهة إعادة الإعمار أو النهوض الاقتصادي والعودة إلى الازدهار.
والحكومة اللبنانية تعمل في شكل أكثر من جدي في ملاقاة هذا الشرط، الذي هو مطلب داخلي قبل أن يكون خارجياً. وأعتقد أن العمل الذي أُنجز في نحو شهرين لم يحصل خلال أعوام.
من قانون السرية المصرفية وتعديلاته، والإصلاح القضائي عبر مشروع قانون استقلالية القضاء، ومشروع إعادة هيكلة المصارف، إلى إطلاق ورشة التعيينات في الهيئات الناظمة ومجلس الإنماء والإعمار. وكل هذا المسار الذي يعاينه الخارج يعكس جدية كبيرة في إنجاز ما هو مطلوب من لبنان وللبنان بالدرجة الأولى، على قاعدة أن نساعد أنفسنا كي يساعدنا الآخَرون.
وإن شاء الله تسمعون كل أسبوع من مجلس الوزراء إعلاناً عن حلقة جديدة في سياق الإصلاح المترابط والذي لا يمكن تجزئته باعتبار أن كل جانب منه يشكّل عنصر ثقة واطمئنان للمستثمرين كما الهيئات المانحة والدول الراعية للبنان والراغبة في مدّ يد الدعم له.
والشرط الثاني الذي لا يَخْفى على أحد ويُقال علناً أيضاً يتّصل بحصرية السلاح بيد الدولة على قاعدة أن تبسط الشرعية سيادتها على كامل أراضيها وتحتكر حمل السلاح. وهذا مطلبٌ لبناني ودولي وعربي له خلفيتان أمنية وسياسية. فالجميع يريدون أن يعود لبنان دولةً طبيعيةً مثل سائر بلدان