بعد فترة من الترقب والانتظار، تم انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية ونواف سلام رئيسًا للحكومة في لبنان، ما يمثل مرحلة جديدة قد تحمل معها تحديات كبيرة وفرصًا للإصلاح. بينما تثير هذه التعيينات تساؤلات حول المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد، يمكننا النظر إلى ما حدث من خلال عدة زوايا: المخاوف التي تلوح في الأفق، الإيجابيات التي قد تترتب على هذا التغيير، وأهمية منح الفرصة لتقييم الأفعال بدلاً من الحكم المسبق.
الانتقال من مرحلة سياسية متعثرة، حيث الطبقة الحاكمة تسيطر على مفاصل الدولة منذ سنوات، إلى عهد جديد بقيادة شخصيات قد تكون غير مرتبطة بشكل مباشر بالمنظومة التقليدية، يثير الكثير من التساؤلات والمخاوف. بين هذه المخاوف نجد أن لبنان يعاني من تركيبة طائفية معقدة، وأي تغيير في رأس الدولة أو الحكومة قد يصطدم بحواجز المحاصصة السياسية التي من شأنها إعاقة الإصلاحات الحقيقية.
لبنان، بحكم موقعه الاستراتيجي والسياسي، يتعرض لضغوط شديدة من القوى الإقليمية والدولية. إدارة هذه الضغوط ستكون إحدى أبرز التحديات التي سيواجهها الرئيسان في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة.
لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وقد تكون الإصلاحات المطلوبة في هذا المجال صعبة التنفيذ، خاصة إذا لم يترافق التغيير السياسي مع تغييرات جذرية في السياسة الاقتصادية.
ربما أبرز المخاوف التي يطرحها البعض هو ترك نواف سلام منصبه الدولي الرفيع، كونه كان يشغل دورًا مهمًا في محكمة العدل الدولية وفي الأمم المتحدة. تساؤلات كثيرة تُطرح حول دوافعه للعودة إلى لبنان في هذا الوقت العصيب، حيث النظام السياسي يعاني من الانهيار. البعض يرى أن هذا القرار قد يكون ناتجًا عن دوافع شخصية، مثل السعي وراء السلطة والنفوذ في “مستنقع السياسة اللبنانية”، الذي قد يتسبب في محاصرته بين القوى السياسية التقليدية وصعوبة تحقيق الإصلاحات في ظل هذا النظام المترهل. بالإضافة إلى ذلك، تظل احتمالية الاستفادة المالية والمزايا الشخصية مشروعة في سياق السياسة اللبنانية، مما يجعل الكثيرين يتساءلون إذا كانت نواياه إصلاحية حقًا أم أنه مجرد خيار آخر للتموضع ضمن هيكل السلطة.
على الرغم من المخاوف، يمكن النظر إلى انتخاب جوزاف عون ونواف سلام كخطوة إيجابية لبداية مرحلة جديدة في لبنان، حيث:
انتخاب جوزاف عون يعد فرصة لإعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس من الكفاءة والعدالة. يتمتع بشعبية واسعة نظرًا لدوره المميز في قيادة الجيش اللبناني في أصعب الظروف، مما يجعله شخصية قادرة على إحداث التغيير من خلال تثبيت الأمن وتعزيز سيادة الدولة.
نواف سلام، بنضجه السياسي وخبرته الدولية، قد يجلب إلى لبنان رؤية جديدة في كيفية التفاعل مع المجتمع الدولي. كما يمكنه استغلال علاقاته الدولية لجذب الدعم المالي والإصلاحات التي يحتاجها لبنان بشدة.
إعطاء فرصة للتغيير:
قد يكون هذا التغيير بداية لإصلاحات حقيقية، حيث إن عدم وجود شخصيات من المنظومة الفاسدة قد يسمح بفرصة لتطبيق سياسات جديدة تسعى إلى بناء مؤسسات قوية ومستقرة.
في ظل الوضع المعقد الذي يعيشه لبنان، يصبح منح الفرصة للرئيسين الجديدين أمرًا بالغ الأهمية. يجب أن لا يكون الحكم مبنيًا على خلفياتهم أو تجاربهم السابقة، بل على أفعالهم وقراراتهم في المستقبل. إذا استطاع جوزاف عون ونواف سلام التوحد حول رؤية إصلاحية بعيدة عن المحاصصة، فسيتمكنان من تحقيق التغيير المرجو. كما أن المجتمع اللبناني بحاجة إلى أن يتجاوز الحكم المسبق على الشخصيات وأن يقيّم الأداء بناءً على الإنجازات التي ستحققها الحكومة المقبلة.
لبنان، اليوم أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى قيادة حازمة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. إذا استطاع الرئيسان النجاح في استعادة الثقة بين اللبنانيين وتطبيق إصلاحات حقيقية، فإن ذلك سيكون بداية لتغيير كبير في البلاد. في النهاية، تبقى الأفعال هي من تحدد مدى قدرة هؤلاء على تحقيق التغيير المطلوب، وليس الكلمات أو الوعود.
التغيير في لبنان ليس أمرًا سهلاً، ولا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها. ولكن مع شخصيات مثل جوزاف عون ونواف سلام، قد تكون الفرصة سانحة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الإصلاح وبناء المؤسسات. على اللبنانيين أن يمنحوا هذه الفرصة لتقييم أداء الرئيسين بناءً على أفعالهما المستقبلية، لأن الحكم المسبق قد يحرم البلاد من التغيير الفعلي الذي تحتاجه.
مكاريو٢١ مارسيل راشد