جاء في جريدة الأخبار:
«المشكلة مع لبنان ليست كالمشكلة مع غزة»، كما نُقل عن عضو في مجلس المستوطنات الشمالية، تعليقاً على تأثر «المجتمع المدني» في هذه المستوطنات بالحرب. بعد حرب الإسناد، سرى على سكان المستوطنات الحدودية مع لبنان ما كان سارياً على تلك القريبة من قطاع غزة، من مشاكل نزوح وإيواء وتوقف الأعمال والتعليم وغيرها. لكن من يقيمون في المستوطنات التي تبعد كيلومترات عدة، في غلاف غزة وقرب الحدود مع لبنان، واصلوا حياتهم بشكل شبه طبيعي، باستثناء الاستدعاء إلى الاحتياط وتوقف بعض الأعمال الخاصة.
لكن، بعد توسع العدوان على لبنان، انقلبت الصورة. بقي وضع المستوطنين الهاربين من غلاف غزة على ما هو عليه، لكن المشكلة تفاقمت في الشمال، بعدما أضيف إلى من هُجّروا عشرات الآلاف ممن أُخلوا طوعاً بسبب الحرب، او غادروا بعدما أعلنت المقاومة في لبنان تحوّل مستوطناتهم إلى أهداف مشروعة لصواريخها ومسيّراتها. انقلبت الأمور رأساً على عقب مع استهداف المقاومة مناطق تمتدّ من الحدود مع لبنان شمالاً، الى الخط الواصل بين حيفا وطبريا جنوباً، بما فيها تجمعات استيطانية كبيرة، في نهاريا وعكا وحيفا وطبريا وصفد وغيرها.
ورغم الرقابة العسكرية المشددة حول ما تستهدفه المقاومة في كيان الاحتلال، تتفلّت المجموعات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومراسلو مؤسسات إعلامية أجنبية، من الرقابة، ويؤكدون أن حزب الله يصيب أهدافاً عسكرية حساسة في كل مدن الشمال، وصولاً إلى تل أبيب.
ويقول المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني محمود يزبك، في مداخلات عدّة على قنوات فضائية، إن ما تحدثه صواريخ حزب الله ومسيّراته له وقع كبير وبعده الأصعب. إذ إن السكان في الشمال، وصولاً إلى تل أبيب، لا يعرفون متى تنطلق صفارات الإنذار، ويضطرّون إلى اللجوء إلى غرف محصّنة أو ملاجئ. وتكون المشكلة عندما يكونون في الشوارع، أو يضطرّون إلى ترك أعمالهم، وغالباً ما لا يعودون إلى مكاتبهم. ويلخّص يزبك الأمر بـ«قلق عام» يعانيه المستوطنون، و«شلل تام» يصيب كل جوانب الحياة في الشمال.
وقد طالب رئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بتحديد إطار لتعويض أصحاب المصالح التي تضرّرت جرّاء الحرب مع لبنان، مشيراً إلى أن «قطاعات كثيرة، بينها السياحة والمطاعم والصناعة والاحتفالات والمهرجانات والمسارح والتجارة والتعليم، تتضرّر كل يومٍ وتعيش تدهوراً ملموساً في حجم نشاطها، وخصوصاً في غياب أيّ أفق لوقف الحرب». ولفت ياهف، الذي يمقته التيار اليميني في الحكومة بسبب ميوله اليسارية، إلى أن هناك «علاقات مباشرة في مجالات عديدة بين حيفا ومدن الشمال الأخرى، وهناك تأثير مباشر لحالة الطوارئ القائمة في هذه المدن على النشاط (الاقتصادي) في حيفا والأعمال التجارية فيها».
تتفلّت مجموعات التواصل الاجتماعي ومراسلو مؤسسات أجنبية من الرقابة، ويؤكدون أن حزب الله يصيب أهدافاً عسكرية حساسة
من جانبه، عكس رئيس بلدية نهاريا، رونين مارلي، الوضع الصعب في المدينة بالقول: «ليس بالإمكان تحمّل الحياة هُنا في ظل استمرار الحرب».
ووصف موقع «كالكاليست» العبري يافا بـ«مدينة أشباح». ونقل عن أصحاب مطاعم أن الإيرادات تراجعت بنسبة 90 في المئة. وقالت صاحبة مقهى ومطعم إن عدداً لا بأس به من المطاعم أغلق أبوابه. وأضافت: «تقلّص عدد الشركات بشكل كبير، ومن بقي يكافح للاستمرار أو على وشك الإغلاق. وينقل الموقع عن صاحب مطعم آخر: «صارت يافا كئيبة، وتراجع ما كنّا نكسبه بنسبة كبيرة، وإذا بقينا على هذه الحال شهراً أو شهرين فسنضطرّ إلى الإغلاق».
إلى ذلك، تسببت حركة مقاطعة إسرائيل عالمياً بأضرار عدّة في الاقتصاد الإسرائيلي. وظهرت انعكاسات ذلك بشكل كبير في مجال الاستثمارات المالية في الكيان. إذ تتوقّع شركة ستاندرد آند بورز أنّ يسجّل صافي تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد الإسرائيلي «سالب 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2024، بالمقارنة مع 2.4% في 2022 و1.3% في 2023».
وقد باع أكبر صندوق تقاعد خاصّ في المملكة المتحدة 100 مليون دولار من الأصول الإسرائيلية، بما فيها السندات الحكومية، حيث كان للضغط الذي مارسه اتحاد الجامعات والكليات دور رئيسيّ في هذا القرار. واستبعد ثاني أكبر صندوق استثماري في النرويج، (ستوربراند) شركة (آي بي إم) وشركة البناء وخدمات السكك الحديدية من قاعدة بياناته بسبب تواطؤهما في الجرائم التي تقترفها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. كما تخلّى عملاقا التكنولوجيا العالميان، “أوراكل” و”إنتل” عن استثماراتهما المُخطّط لها في إسرائيل، إذ كانت الأخيرة تخطط لإنشاء مصنع في الكيان بقيمة 25 مليار دولار، فيما تخلّت الأولى عن استثمار 250 مليون دولار في قطاع الذكاء الاصطناعي.
وبحسب حركة المقاطعة، تقلّص الشركات الأجنبية العملاقة أعمالها في قطاع الغاز. إذ انسحبت شركتا “بريتش بتروليوم” و”سوكار” وغيرهما من شركات الطاقة الكبرى من مشاريع إسرائيلية أو أجّلتها. كما علّقت شركة شيفرون الأميركية خطّتها البالغة قيمتها 429 مليون دولار لتوسيع حقل “ليفياثان” للغاز.