مع تزايد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وزيادة الحاجة إلى تقديم المساعدات لقطاع غزة، وسعت الولايات المتحدة وجودها في الشرق الأوسط رغم محاولات الخروج منه.
وتقول صحيفة “واشنطن بوست”، إن الولايات المتحدة تجد نفسها في الشرق الأوسط مرة أخرى، رغم المحاولات السابقة للخروج من تلك المنطقة، والتركيز على الصين وروسيا.
وتشير إلى مشهدين متقاربين زمانيا ومكانيا، الأول لقيام المقدم في الجيش الأميركي، جيريمي أندرسون، بإسقاط 16 حزمة من المساعدات الغذائية الطارئة فوق شمال غزة من طائرة “سي 30”.
وعلى بعد آلاف الأميال، قبالة سواحل اليمن، تحلق الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية الأميركية من على سطح السفينة “أيزنهاور”، بفارق دقائق فقط، لمواجهة الحوثيين الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر.
ومنذ الثاني من اذار، نفذت الولايات المتحدة 7 مهمات إنزال جوي قدمت من خلالها أكثر من 200 ألف وجبة، وحوالي 50 ألف زجاجة مياه للسكان الذين يحتاجون إلى ملايين الوجبات الإضافية كل يوم في غزة.
وفي كلا الموقعين، يقول أفراد بالجيش الأميركي، إنهم فوجئوا بهذه المهام، التي كانت أيضا تتغير مع تحرك البيت الأبيض بسرعة لاحتواء تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس.
ومع تحرك طاقم من الجيش الأميركي إلى غزة لبناء ميناء عائم، فإنهم باتوا “يشكلون جزءا ثابتا من البصمة العسكرية الأميركية المتوسعة في الشرق الأوسط. في منطقة كان الرئيس جو بايدن يأمل في التقليل من التركيز عليها، وهي منطقة كان التدخل الأميركي فيها مدمرا ومكلفا”.
وقال أندرسون بعد عودته إلى الأردن: “لم يكن هذا بالتأكيد شيئا كنت أتوقعه. لم نعرف سوى القليل بعد السابع من تشرين الأول”.
وفي البحر الأحمر، قال الأدميرال ميغيز إن مجموعته الهجومية، بقيادة “أيزنهاور”، كان من المقرر أصلا أن تعبر الشرق الأوسط للقيام بعمليات عسكرية أخرى، لكنها الآن تتولى اعتراض هجمات الحوثيين بالطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية، وتضرب الجماعة في عمق اليمن.
وأضاف: “سنبقى هنا طالما دعت الحاجة”.
ومنذ 19 نوفمبر، ينفذ الحوثيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون في أنها مرتبطة بإسرائيل، في هجمات يقولون إنها تأتي دعما لقطاع غزة.
وتقود واشنطن تحالفا بحريا دوليا بهدف “حماية” الملاحة البحرية في هذه المنطقة الاستراتيجية التي تمر عبرها 12 في المئة من التجارة العالمية. ومنذ 12 كانون الاول، تشن القوات الأميركية والبريطانية ضربات على مواقع تابعة للحوثيين داخل اليمن، في محاولة لردعهم.
وأعلن الجيش الأميركي أنه أسقط مسيرة أطلقها المتمردون في اليمن باتجاه البحر الأحمر، وأنه دمر مزيدا من أسلحتهم، السبت.
وتقول واشنطن بوست: “لقد علمت الحرب في غزة والأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك بايدن درسا تعلمه العديد من الرؤساء من قبل: ليس من السهل الانسحاب من الشرق الأوسط”.
وأشارت إلى أنه بعد انتهاء ما وصفته بـ”الحروب الأبدية” في العراق وأفغانستان، “أرادت الإدارة توجيه سياستها الخارجية نحو مواجهة العدوان الروسي والتوسع الصيني، لكن صباح السابع من تشرين الاول (هجوم حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل) غيَّر كل ذلك”.
والآن، يجد البنتاغون نفسه منخرطًا بشكل متزايد في الصراع الأكثر صعوبة في المنطقة.
ويعد مقتل أكثر من 31 ألف شخص في غزة منذ بدء الحرب، وفقا لوزارة الصحة في غزة، رفضت إسرائيل دعوات الإدارة الأميركية لإدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع، ويبدو الآن أن العمليات العسكرية الأميركية لن تنتهي قريبا.
وتشير واشنطن بوست إلى أن الجيش الأميركي بدأ في أرسال وحداته العسكرية إلى المنطقة فورا بعد 7 تشرين الأول، لمنع حزب الله من فتح جبهة جديدة بمواجهة إسرائيل، ولتجنب حرب أوسع نطاقا.
وتمثل هذه التحركات زيادة طفيفة إذا قورنت بذروة التدخل في المنطقة بعد هجمات 11 سبتمبر على الأراضي الأميركية، حين تم نشر أكثر من 160 ألف جندي في العراق ونحو 100 ألف إلى أفغانستان.
ولا تزال العمليات متواضعة نسبيا، ولا توجد زيادة كبيرة في عدد القوات العسكرية على الارض مقارنة لما قبل السابع من تشرين الأول. ويؤكد البيت الأبيض أن العمليات لن تتطور إلى القيام بمهام قتالية.
“ولكن ليس هناك من ينكر الخطر الذي يواجه الأفراد على متن الطائرات والسفن الحربية الأميركية في مسرح مضطرب مثل الشرق الأوسط”، وفق الصحيفة.
وفي العراق وسوريا، أعادت الحرب في غزة نشاط الجماعات الموالية لإيران التي شنت أكثر من 170 هجوما على القوات الأميركية منذ هجوم حماس على إسرائيل، وفي 28 كانون الاول، أدى هجوم بطائرة مسيرة إلى مقتل 3 عسكريين أميركيين في قاعدة بالأدرن.
وردا على ذلك، شنت الولايات المتحدة هجمات أدت إلى مقتل قائد ميليشيا بارز في بغداد، مما أدى إلى استعادة بعض الهدوء النسبي.
لكن في البحر الأحمر وحول شبه الجزيرة العربية، تواجه الولايات المتحدة صعوبات في وقف هجمات الحوثيين بشكل كامل، بعد حملة استمرت شهرين على مواقع الجماعة.
ومنذ تشرين الأول، هاجم المسلحون اليمنيون السفن التجارية أكثر من 60 مرة، مما أدى إلى تحويل حركة الملاحة البحرية العالمية، وإغراق سفينة “روبيمار”، واشتبكوا بشكل مباشر مع القوات الأميركية، مثل إطلاق النار على مروحيات تابعة للبحرية الأميركية استجابة لنداء استغاثة من سفينة تجارية.
ويصف الأدميرال مارك ميغيز وتيرة العمليات في البحر الأحمر بأنها “قرع طبول مستمر”.
وحتى إسقاط المساعدات على غزة يحمل مخاطر، وفقا لأندرسون، لأن المجال الجوي مزدحم فوق القطاع، حيث تقوم الولايات المتحدة ومصر والأردن وبلجيكا وهولندا بتوصيل الإمدادات.
وتحاول بعض الدول، ومنها الولايات المتحدة، إيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة عبر إنزالات جوية وحتى إقامة ممر بحري على أمل توصيل المساعدات قبل وقوع مجاعة تطال مئات الآلاف من الأشخاص.
وتأتي المحاولات الدولية لتوصيل المساعدات عبر الجو والبحر لمواجهة العوائق التي تعترض إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر البر، إذ تتراكم الشاحنات بانتظار عمليات التفتيش من السلطات الإسرائيلية، وسط مطالبات بفتح معابر إضافية لتعزيز دخول المساعدات.
وتضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إسرائيل للسماح بوصول قدر أكبر من المساعدات إلى القطاع عبر الطرق البرية.
ووصف تقرير سابق، نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، إرسال المساعدات عبر الطائرات بـ”الأمر المكلف والخطير ولا يكفي” لدرء المجاعة.
ويؤكد التقرير أن “عمليات تسليم المساعدات بالشاحنات على نطاق واسع، هو الأمر الوحيد القادر على منع المجاعة” في غزة.
وحملت حزم المساعدات التي ألقتها القوات الأميركية الأرز والطحين والحليب والمعكرونة وأغذية معلبة في حزم، يبلغ وزنها أقل من 200 كلغ.
وطائرة الـ”سي 30″ التي حملت المساعدات التي تم إنزالها، انطلقت من الأردن في رحلة مدتها ساعتين، وتكلف رحلتها التشغيلية حوالي 30 ألف دولار، ويتطلب الأمر وجود طاقم مكون من تسعة أفراد من ذوي الخبرة، لتحمل 3.2 طن من المواد الغذائية، التي بالكاد تكفي لإطعام 4000 شخص وفقا للصحيفة.
وذكرت 3 مصادر مطلعة ومسؤول أميركي أن الولايات المتحدة قد تحث شركاء وحلفاء على تمويل عملية يديرها القطاع الخاص لإرسال مساعدات عن طريق البحر إلى غزة.
وإذا توافر التمويل، فقد تأتي الخطة بكميات كبيرة من المساعدات إلى الشاطئ في غضون أسابيع، وقد تكون أسرع من نظام الأرصفة العائمة للجيش الأميركي الذي تقول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إنه قد يستغرق 60 يوما حتى يصبح جاهزا للعمل.
وقال المسؤول الأميركي وشخص مطلع على الخطة إن الولايات المتحدة لن تمول المشروع، فيما أفاد مصدران آخران والمسؤول الأميركي نفسه بأن واشنطن تدرس مطالبة الحلفاء بتمويل المشروع ودعمه عبر مؤسسة دولية تقبل الأموال من حكومات ومصادر خاصة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين إيرانيين وأميركيين مطلعين إن إيران والولايات المتحدة أجريتا “محادثات سرية وغير مباشرة” في سلطنة عُمان في كانون الاول، تناولت التهديد المتصاعد الذي يشكله الحوثيون في اليمن على الشحن البحري في البحر الأحمر، فضلا عن الهجمات على القواعد الأميركية من قبل الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.
وذكرت الصحيفة أن المحادثات السرية عُقدت في 10 كانون الاول، في العاصمة العُمانية، مسقط، حيث بادل المسؤولون العُمانيون الرسائل ذهابا وإيابا بين وفدين إيرانيين وأميركيين جلسا في غرف منفصلة.
ولم يتم التوصل لاتفاق، وبعد ساعات ، قادت الولايات المتحدة ضربات ضد أهداف للحوثيين في اليمن في 11 كانون الاول. وفي بدياة شباط استهدفت ضربات أميركية قواعد لمليشيات تابعة لإيران في العراق وسوريا ردا على مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن.
الحرة