كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
عاد سعد الحريري… وفاق انشغال العامة باللوك الجديد للزعيم العائد إنشغالهم بمضمون العودة الميمونة. تخلى عن «الجل «والشعر المتماوج المسرّح إلى الخلف مع خصل متفلّتة عند العنق واعتمد قصة شبابية ترافقت مع تخفيف للّحية والوزن. وفعل اللوك الجديد فعله وأوحى بمظهر أكثر شباباً وحيوية وعصرية… السياسيون في لبنان «مذوقين» ومعظمهم أصحاب إطلالة جميلة أنيقة، وإن على تفاوت، يستغلون إطلالاتهم هذه للتأثير على جمهورهم فينجحون حيناً ويفشلون أحياناً.
قوة المظهر Power of Appearance مبدأ معروف يطبقه زعماء العالم وسياسيوه بناء على نصائح فريق مختص من استشاريي الصورة لإكساب طلّاتهم القوة التي يحتاجونها للتأثير على جمهورهم. في لبنان علاقة السياسيين بهؤلاء تبقى ضمن إطار محدود ويستعيضون عنها بذوق «المدام» او نصائح المستشارين وخبراء البروتوكول. من جهتنا أردنا أن نطلع عبر خبير بروتوكول واستشارية في المظهر على بعض خفايا إطلالة سياسيّنا في لقاءاتهم الرسمية والـ»cool»…
أناقة الرئيس بري
25 عاماً أمضاها السيد علي حمد مدير عام شؤون رئاسة مجلس النواب الحالي غارقاً في شؤون البروتوكول وشجونه وعارفاً بكل تفاصيله. يعرف الرئيس نبيه بري جيداً أمام الكاميرات وبعيداً عنها ويواكب إطلالات النواب في المجلس لتصويبها إذا اقتضت الحاجة. يروي أن إطلالات الرؤساء والنواب في لبنان عفوية على خلاف ما يحدث في الغرب حيث تنظم مؤسسات إعلامية وإعلانية إطلالات السياسيين وحملاتهم الانتخابية. اللبناني لا ينقصه الذوق ونادراً ما نرى إطلالات في غير محلها تسيء الى صورة صاحبها ولم يسبق أن رأينا في الإعلام مسؤولاً يخلّ بالذوق في اي مناسبة كانت. ويقول: «شخصياً إذا رأيت خطأ ما فإنني أسارع الى لفت صاحبه إليه. بعض النواب الجدد أرادوا اعتماد مظهر أكثر تحرراً في مجلس النواب لإثارة جمهورهم بوجه شبابي شعبي فرأينا بعضهم يصل بالجينز والسنيكرز، لكن لمجلس النواب وقاره فهو معبد الدساتير والقوانين ولا بد من احترامه ولا أحد يتجرأ على دخوله بشكل غير مقبول. لذا قد لا نفرض على هؤلاء إطلالة صارمة ونتركهم على راحتهم لكن شرط إلا يكون في الإطلالة خطأ او فاول». ويعترف حمد أن كل شيء على انحدار اليوم وهو ما يتجلى بمجرد المقارنة بين صور مجلس النواب القديمة والصور الحالية.
الرئيس بري برأيه من أكثر الناس لياقة ولباقة لكن البروتوكول عبء عليه وهو أكثر من يتبع مقولة لكل مقام مقال ويظهر دائماً بالاطلالة التي تليق باستقبال الضيف سواء رسمية او سبور. نسأل هنا كيف يتم تنسيق التناغم بين إطلالة الرئيس بري ومن يستقبلهم من ضيوف ومتى يرتدون البذلة والكرافات للقائه ومتى يواكبونه في إطلالته السبور؟
«في الاستقبالات الرسمية للوزراء والسفراء يعتمد الرئيس بري دوماً اللباس الرسمي، أما بالنسبة لاستقبال «الأصدقاء» الذين يأتون دوماً وفق موعد مسبق فيمكن إعلامهم أن الرئيس سيكون بلباس غير رسمي ويمكنهم المجيء «سبور» بلا كرافات إذا شاؤوا لا سيما إذا كان اللقاء بعيداً عن الإعلام. فالرئيس لا يفرض ذوقه على زواره ولا لباساً معيناً لكن يتم إعلام الضيف باللباس المعتمد ليكون اللقاء مريحاً للجميع».
حين نسال من ينصح الرئيس بري مثلاً بما يجب ارتداؤه في مناسبة معينة ينتفض السيد علي حمد مجيباً بان الرئيس ليس بحاجة لنصائح مختصين وذوقه مشهود له. يأخذ برأي «الست رندة» لكنه يملك من الخبرة وحس المسؤولية ما يجعله دوماً يطل بالإطلالة الصحيحة. فأمام الوفود الشعبية مثلاً يعتمد مظهراً «كاجوال» شعبياً يقربه من الناس ولا يمكن بالمقابل فرض أية طريقة لباس على الوفود .
نجول مع مدير عام شؤون رئاسة مجلس النواب على بعض الملاحظات الخاصة باللباس والطلة التي تتخطى لبنان فنسأل عن الإطلالة الإيرانية التي تخلت عن الكرافات أو «ذنب الحمار» كما اسماها الإمام الخميني يوماً وإذا كانت تعتبر رسمية؟ فيجيب ان الكرافات لم تعد دليلاً على الاحترام او الوقار فكثير من الشعوب لا تستخدمها في زيّها الوطني مثل الزي الخليجي او الصيني او الإيراني ويجب دوماً احترام الزي الوطني للضيف.
صحيح أن البروتوكول يفرض على الرؤساء إطلالة خاصة في اللقاءات الرسمية في الفرح، والحزن والحرب لكن ظروفهم الخاصة وقراراتهم الشخصية قد تتفوق على البروتوكول. فزيلينسكي مثلاً تخلى عن مظهره المدني حين دخلت بلاده الحرب وأراد أن يقدم نفسه كقائد عسكري مناضل والتركيز على فكرة كون شعبه كله مقاتلاً من صغيره الى رئيسه. أما بوتين فرغم كونه يخوض الحرب ذاتها إلا أنه يشعر بفائض قوة وليس بحاجة لأن يوحي بالقوة لذا استمر في ارتداء بذلاته الصارمة الرسمية. والمستشارة ميركل أرادت أن تقدم إنطباعاً بالرصانة والجدية والتشبه بالرجال فكانت تعبّر عن مواقف معينة من خلال الألوان التي تعتمدها لقصة جاكيت واحدة.
قوة المظهر سلاح السياسيين
ننتقل الى إستشارية المظهر صاحبة اكثر من 15 عاماً في ميدان تحسين الصورة دينا الشميطلي التي عملت مع سياسيين لبنانيين اثناء حملاتهم الانتخابية لنكتشف أهمية ما يعرف بقوة المظهر وكيف يلعب دوراً سلبياً أو إيجابياً في التأثير على الناس.
بعض السياسيين تقول دينا لا نتذكرهم لا نحفظ اسماءهم، وبعضهم تعلق صورتهم في أذهاننا بفضل شكلهم الحلو المرتب الأنيق وخير مثال على ذلك النائب مصباح الأحدب الذي كان يهتم بشكله كثيراً أو النائب الشاب سامي فتفت الذي أحبه الجمهور قبل سماع كلامه. فالعين تحفظ الشكل أولاً ثم يسمع العقل ما يقال..
على السياسي أن يعرف بأية صورة يقدم نفسه أمام جمهوره ليكون له تأثير. فالمظهر تماماً كغلاف الهدية يدهشنا إذا كان جميلاً حتى قبل فتح العلبة والتعرف على مضمونها، فالمظهرالمدروس يعطي ثقة وقوة فيما المظهر الضعيف لا يقنع الناس. وتقوم قوة المظهر على عناصر ثلاثة: الشكل ويدخل ضمنه اللباس والترتيب والتأنق، التصرف أي طريقة الوقوف والجلوس والحركة وثالثاً التواصل مع الآخرين. من هنا ندرك أهمية الطلة والملابس واختيار الألوان عند السياسيين لأن الانطباع الأول هو الذي يجتذب الانتباه ويحتاج الى حوالى 7 ثوان ليتكوّن بعد أن تقوم العين بعملية مسح سريعة ويحتاج بعدها الى جهد لتغييره.
تمنح الألوان الداكنة مثل الكحلي والأسود والرمادي الغامق من يرتديها قوة فيما الألوان الفاتحة والترابية تخفف من هالة القوة. لكن هنا لا بد من فتح هلالين للقول ان الرئيس نبيه بري مثلاً يليق به البني والبيج ولا يقللان من هالته. اما البذلات البيضاء فتجعل السياسي الذي يرتديها و كأنه يمثل دوراً رغم كون البروتوكول قد فرضها في بعض الصور. حتى لون الكرافات له تأثير كبير فالحمراء تدل على الرغبة في السيطرة والتفوق على الآخر لا سيما خلال المناظرات التلفزونية بينما الأزرق والكحلي هي ألوان صديقة يمكن بواسطتها مخاطبة الجمهور بشكل ودي. البذلة الرسمية تلعب دورها بالطبع في المظهر وتعطي انطباعاً بالثقة أكثر من الملابس العادية لكن هذا لا يعني أنها مفروضة في كل الظروف وثمة أوقات او مناسبات لا تحتاج الى بذلة رسمية شرط أن يبقى المظهر قوياً مرتباً يوحي بالثقة. فبعض النواب مثلاً قد يرتدون البلايزر مع جينز وقميص بلا كرافات وربما مع جيليه مثل النائب سامي الجميل وهذا مقبول إذا ظل مظهرهم مرتباً يحمل قوة. وقد رأينا الرئيس ماكرون يخلع سترته عند لقائه الناس إثر انفجار المرفأ ويرفع أكمامه ليكون قريباً منهم ورأينا سعد الحريري يقوم بحركة خلع الجاكيت ليكون قريباً من الناس… أما أن يطل سياسي بسويتشيرت ليلقي تصريحاً فحينها يكون مظهره ولادياً لا يوحي بالثقة مطلقاً.
أمثلة عديدة تعطيها استشارية المظهر دينا شميطلي للتأكيد على قوة المظهر وتقول ثمة شخصيات أطلت على الساحة السياسية بلوك معين غير تقليدي مثل وليد جنبلاط فما يرتديه هذا الزعيم لا يؤثر على القوة التي يوحي بها وحين يطل بالجينز وجاكيت الجلد يكون قادراً كلياً على اجتذاب انتباه من يراه كما قد يستقبل أبرز الشخصيات بهذا المظهر لأنه جزء من شخصيته. ولكن لا يمكن تعميم هذا المظهر الكاجوال على الآخرين لأنه يكون في غير محله لا سيما في اللقاءات الرسمية. فرصانة المظهر هي أساس الهيبة سواء ارتدى صاحبها اللباس الرسمي الداكن او اكتفى بلباس كاجوال.
ومن الأمثلة المعبرة النائبة سنتيا زرازير التي لم تستطع عبر مظهرها أن تعطي انطباعاً بالقوة رغم كون خطابها الأخير جيداً جداً فهي غالباً ما تتلقى التأنيب من رئيس المجلس ويطلب منها الجلوس او السكوت بينما يختلف الأمر كلياً مع النائبة ستريدا جعجع التي تمتلك في مظهرها الـpower ولا يمكن لأحد التطاول عليها، فاختيارها لما ترتديه وللحقيبة والمجوهرات والطلة ككل لا خطأ فيه ما يمنحها هيبة وقوة مظهراً.
وتطول الأمثلة ونستعيد في ذهننا صور نوابنا ووزرائنا ورؤسائنا لنصنّفهم بين «المهفهف» الذي يوحي بالترتيب والنظافة والأناقة وبالتالي بالقوة والثقة و بين « المرتّ» أو المهمل الذي نخجل أحياناً ان يكون ممثلاً عنا. ونستعيد في بالنا تغير بعض الإطلالات لتتماشى أكثر مع دور سياسي جديد فسمير جعجع لم يعد يطل بلا بذلة رسمية وكرافات ليعطي صورة رجل الدولة فيما إطلالات معظم شخصيات حزب الله تكون بلا كرافات تماهياً مع قناعاتهم.
وبالعودة الى سعد حريري نكتشف مع استشارية الصورة ان اللوك الذي ظهر به جاء عصرياً مختلفاً عن اللوك الأولد فاشن الذي كان يعتمده سابقاً يناسب شكل وجهه و يوحي بالقوة. لكن النقطة الوحيدة التي شكلت ثغرة في اللوك هي صبغة الشعر التي ظهرت واضحة فخففت من قوة المظهر. فالصبغة عند الرجال لا سيما تلك التي تغلف الرأس بشكل واضح تنقص من قوة المظهر كما التجميل والنفخ المبالغ به عند النساء. وحدها الرصانة هي مصدر قوة فهل من يسمع؟