وجهان لقرار البرلمان الأوروبي: إيجابي وسلبي

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

لم يكن مستغرباً القرار المتعلق بالنازحين السوريين الذي صدر عن البرلمان الأوروبي. النقاشات الداخلية للنواب في الجلسة الأخيرة كانت تشي بوجود معارضة واسعة لعودتهم إلى سوريا باستثناء القلة القليلة من الدول التي طالب نوابها بالضغط على النظام السوري بهدف مساعدة لبنان على رفع هذا العبء عن كاهله. رغم مضي أيام إلا أنّ أيّ جهة رسمية لم تصدر رداً رسمياً على الشق المتعلق بعودة هؤلاء إلى بلادهم، علماً أنّ الفقرة المتعلقة بالنازحين والتي أثيرت حولها ضجة وتم التركيز عليها في الإعلام ليست قراراً مبرماً غير قابل للنقد، يل هو موقف يمكن أن يشكل مدخلاً لقرارات أكثر خطورة مستقبلاً وتمهّد لبقاء هؤلاء على أرض لبنان بحجة عدم توافر شروط العودة ودعم المجتمعات المضيفة.

ورد في البند الثالث عشر من نص قرار البرلمان الأوروبي ما يلي:

– العودة الطوعية والآمنة للنازحين واعتبار أنّ شروط هذه العودة غير متوافرة بعد.

– الحاجة إلى توفير تمويل كاف للمؤسسات التي تعنى بشؤونهم.

– دعوة المفوضية إلى العمل على تحسين الوضع الإنساني في سوريا من أجل معالجة الأسباب الجذرية لأزمة النازحين.

– دعوة لبنان إلى عدم ترحيل النازحين وإلى الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، وأعرب عن قلقه من الخطاب المناهض لوجودهم على أراضيه. وختم بالدعوة إلى تشكيل فريق عمل دولي بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسلطات اللبنانية لمعالجة قضية اللاجئين، ودعوة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى مواصلة تقديم التمويل للأونروا والنازحين السوريين.

ظروف لبنان وأزمته

بالتأكيد إنّ القرار الذي يمكن اعتباره مجحفاً بحق لبنان، لم يأخذ في الحسبان ظروف لبنان وأزمته وانعدام قدرته على استيعاب هذا العدد من النازحين على أراضيه، وقد كان واضحاً أنّ القرار سياسي أكثر منه مقاربة واقعية، ورغم ذلك، فإنّه لم يخرج في سياقه العام عن السردية التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي حيال لبنان منذ العام 2019، والتي تجلّت في الخلاصات التي اعتمدها مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي حول لبنان نهاية العام 2020، ونظام العقوبات الذي اعتمد في العام 2021، وقرار البرلمان الأوروبي حول لبنان للعام 2021، وبيان جهاز العمل الخارجي قبيل التمديد الأول لنظام العقوبات منتصف العام 2022.

بناء لما ورد في تقرير ديبلوماسي أممي متعلق بالتقرير، فإنّ القرار «افتقر إلى الصياغة الدبلوماسية التي يعتمدها جهاز العمل الخارجي الأوروبي ومجلس الشؤون الخارجية». وتوضح القراءة المتأنية للقرار إلى وجود وجهين للقرار:

– وجه سلبي من حيث تعرّضه للحياة السياسية والمؤسساتية في لبنان، وقد طال بعض مؤسساته والقيمين عليها وبعض أحزاب لبنان السياسية.

– وجه إيجابي الذي يمكن البناء عليه ويتجسد في التأكيد على أنّ شروط عودة اللاجئين الطوعية والكريمة إلى المناطق المتضررة من النزاع في سوريا لم تتحقق. بالتالي يمكن للبنان البناء على هذه الجملة للتأكيد على شرعية الإعادة الطوعية والآمنة للنازحين إلى المناطق التي أصبحت آمنة وغير متضرّرة من النزاع. ودعوة «المفوضية الأوروبية للعمل على تحسين الوضع الإنساني في سوريا من أجل معالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللاجئين». وهذا يتلاقى مع أولويات جامعة الدول العربية وقرارها الأخير بإعادة تفعيل عضوية سوريا والعمل على تحسين الأوضاع الإنسانية فيها تمهيداً لعودة النازحين.

وفي ما يتعلق بـ»إنشاء فريق عمل دولي بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسلطات اللبنانية لمعالجة قضية اللاجئين»، فإنّ من شأن ذلك وفي حال عمل لبنان على مقاربة دبلوماسية أن يؤمن «آلية واضحة حول تسجيل وتنظيم وجود النازحين على أراضيه بالإضافة إلى طريقة توزيع المساعدات وصولاً إلى تنظيم العودة الآمنة».

ويندرج في سياق الإيجابيات الفقرة المتعلقة بالعمل مع الإدارة اللبنانية حيث تضمن القرار دعوة «الاتحاد الأوروبي لمساعدة لبنان في نشر بعثة استشارية إدارية شاملة تابعة للاتحاد الأوروبي من أجل تلبية الحاجة الملحة لمواجهة الانهيار المتسارع للإدارة العامة والخدمات الأساسية من خلال توفير خطة عمل وما يتصل بها من دعم ضروري»، مثنياً «على دور العاملين الأساسيين في القطاع العام الذين، على الرغم من خفض رواتبهم بأكثر من النصف في السنوات الأخيرة بسبب تدابير التقشف، استمروا في تقديم الخدمات الرئيسية للسكان في مجالات مثل الصحة والتعليم والرعاية».

تأثير القرار على الدول

وفي ضوء ما سلف يصبح السؤال الملح عن جدوى مثل هذا القرار وفعاليته ليتبين أنّ البرلمان الأوروبي وإن كان شريكاً في عملية التشريع الأوروبية إلا أنّ المقررات الصادرة عنه لا تستتبع نفس الأثر التشريعي، ولا تعتبر واجبة التنفيذ بالنسبة للدول الأعضاء، ولا بالنسبة للدول الثالثة… ولذا فإنّ قرار البرلمان الاوروبي لا يعني الدول غير الأعضاء في الاتحاد الاوروبي، وهو قرار غير ملزم لها. بالتالي فانّ بعض الدول التي تشملها قرارات عن هذه الهيئة تختار عدم الرد بشكل مباشر وتعتبر نفسها غير معنية بها.

ولذا فأهمية القرار «ليست بأثره التشريعي، بل بأنه يحمل معنى سياسياً يعكس قناعات الكتل النيابية الأوروبية التي صوتت لصالح اعتماده، علماً أنّ تلك القناعات قد تلتقي والسياسة الخارجية الرسمية للاتحاد الأوروبي وقد تختلف معها، ذلك أنّ من يحدد تلك السياسة هي المفوضية الأوروبية، وليس البرلمان الأوروبي، والدول الأعضاء». واذا كان المؤشر الصحيح لعلاقة الاتحاد الأوروبي بشركائه هو ما يصدر من بيانات عن المفوضية الاوروبية أو خلاصات اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الدورية أو مجلس الاتحاد الأوروبي – الذي هو عبارة عن قمة الرؤساء ورؤساء الحكومات الأوروبيين، فإنّ هذا لا يلغي حقيقة أنّ هذه «القرارات يمكن أن تؤثّر في عملية صنع القرارات الوطنية للدول الأعضاء، أو أن تحثّ على اتخاذ إجراءات على المستوى الأوروبي».

القرار الذي أثار تفاعلاً لبنانياً صوّب على جوانب معينة وأغفل جوانب أخرى تنصح المصادر الديبلوماسية بالجواب عليه من جانب لبنان «من دون إثارة حساسيات مع الدول المعنية بل الرد ضمن الإطر الدستورية خاصة وأنّ للبنان بعده الأوروبي والثقافي والاغترابي الذي يتميز به، والذي يجعله في موقع لا يمكنه تجاهل القرار الأوروبي من دون رد رسمي صادر عن جهة دستورية كمجلس النواب».

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …