كتبت رلى ابراهيم في ” الاخبار”:
نشر موقع «ميديا بارت» الفرنسي تقريراً مفصّلاً حول تحقيق قضائي تقوم به السلطات القضائية الفرنسية بحق السفير اللبناني في فرنسا رامي عدوان. التحقيق مبنيّ على شكويين ضد عدوان تقدّمت بهما موظفتان لبنانيتان كانتا تعملان في السفارة بتهمة الاعتداء الجنسي والجسدي واللفظي عليهما في تواريخ مختلفة بين عامي 2018 و2022. وتزعم الموظفتان في تفاصيل أنهما تعرّضتا إلى ضرب واعتداء ومحاولات خنق ودهس بالسيارة، وهي تهم نفاها عدوان مشكّكاً بالشكويين المقدّمتين بعد أكثر من عامين. غير أنه اعترف بإقامته علاقة حميمة و«ندّية» مع كل من الموظفتين، مقدّماً روايات مختلفة عن تلك التي سردتها الفتاتان. علماً أن عدوان الذي يشغل منصب سفير لبنان في فرنسا منذ عام 2017، لن يكون مجبراً على الخضوع للتحقيق أو الملاحقة في فرنسا نظراً إلى حصانته الدبلوماسية بموجب اتفاقية جنيف الدولية للنشاطات الدبلوماسية، إلا في حال قرّرت الدولة اللبنانية رفع الحصانة عنه. وخلافاً لكل ما نُشر حول توقيف عدوان أو سفره إلى هولندا، لا يزال الأخير يمارس عمله كالمعتاد. وقال وكيله القانوني المحامي كريم بيلوني لوكالة «فرانس برس» إن موكله ينفي الاتهامات بالاعتداء سواء أكانت لفظية أم أخلاقية أم جنسية، مضيفاً أن عدوان أقام علاقات غرامية مع الشابتين تخللتها خلافات وانفصال.
ونقلت «فرانس برس» عن وزارة الخارجية الفرنسية ضرورة رفع السلطات اللبنانية الحصانة عن عدوان تسهيلاً لعمل القضاء الفرنسي، موضحة أن ليس لديها أي عناصر تتعلق بهذه القضية التي يتولى القضاء الفرنسي التحقيق فيها وما يشمله من سرية. اللافت هنا أن طلب الخارجية الفرنسية رفع الحصانة عن عدوان جاء من خلال الإعلام، من دون تقديم أي طلب رسمي إلى وزارة الخارجية اللبنانية وفق الأصول الدبلوماسية كما تؤكد مصادر مطّلعة. وبالتالي «لا يمكن للخارجية التعليق على أمر لم يتم فيه اتّباع الإجراءات الدبلوماسية الرسمية كإيفاد السفيرة الفرنسية إلى الوزارة أو إرسال طلب رسمي». لكنّ مصادر الخارجية أوضحت أن الوزارة في صدد إرسال لجنة تحقيق إلى باريس غداً أو بعد غد، مؤلّفة من مدير التفتيش هادي هاشم والأمين العام للوزارة هاني شميطلي للاستماع إلى إفادات موظفي السفارة والدبلوماسيين وحتى الموظفتين إن رغبتا بالحديث. «فرغم عدم تلقي أي طلب فرنسي عبر القنوات الدبلوماسية، لا يمكن للخارجية تجاهل كل التقارير الإعلامية». وبحسب المصادر، ستطلب اللجنة موعداً من وزارة الخارجية الفرنسية، على أن ترفع تقريراً إلى وزير الخارجية عبدالله بو حبيب يتضمن توصيات: «إذا كان السفير مذنباً فستطلب اللجنة كفّ يده وتعيين قائم بالأعمال مكانه إلى حين انتخاب رئيس، وسيخضع للعقوبات التي يحددها قانون الوزارة حسب الجرم المرتكب. وإذا لم تجد اللجنة أي أساس للقضية فستدوّن أنها لم تحصل على دلائل كافية لإدانته».
وعلمت «الأخبار» من مصادر مقرّبة من عدوان أنه كلّف محامين للرد على الشكاوى «وهو مستعد للذهاب إلى التحقيق في باريس».وثمّة من يربط توقيت الكشف عن القضية بأبعاد سياسية تتعلق بزيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الأخيرة لباريس وعدم موافقته على مبادرة الرئيس الفرنسي القاضية بالإتيان بسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة، إذ إن عدوان محسوب على باسيل ويُعتبر من حصة التيار الوطني الحر في التعيينات الدبلوماسية. وتشير هذه الجهات إلى «مطبخ» سياسي – إعلامي للضغط على باسيل و«معاقبته»، دخل أخيراً على خطه سلام شخصياً.
وكتبت الدكتورة فاديا كيروز في” اللواء”: لم يكن ينقص سمعة لبنان في الخارج إلاّ هذه الفضيحة الشنيعة التي إرتكبها السفير اللبناني في باريس رامي عدوان، «حتى يكمل النقر بالزعرور»، ويُشوّه التاريخ المهني الرفيع للديبلوماسية اللبنانية في العالم.
يحصل في العمل الديبلوماسي أن يكون السفير عصبي المزاج مثلاً، أو سريع الإنفعال، أو يكون من أصحاب السلوك القاسي أو المتشدد مع معاونيه من الديبلوماسيين أو الموظفين المحليين، فمثل هذه الصفات تُعتبر من مواصفات الشخصية الإنسانية التي نصادفها في مختلف مجالات الحياة، وفي العديد من القطاعات المهنية. أما أن يكون الديبلوماسي، وخاصة السفير، من أصحاب السجلات الأخلاقية المعيبة، والتي لا تُسيء إلى شخصه وعائلته وحسب، بل تُلحق الأضرار الفادحة بوطنه، وبمناقبية السلك الديبلوماسي كله، فالمسألة عندها تصبح بمثابة وصمة عار على جبين دولته، إذا لم تُبادر إلى إتخاذ أشد العقوبات بحقه، والتي تبدأ برفع الحصانة عنه، أو بسحبه فوراً من البلد الذي إرتكب فيه خطيئته، وتنتهي بقرار حاسم يقضي بطرده من السلك الديبلوماسي.
رامي عدوان لا ينتمي إلى السلك المهني للخارجية اللبنانية. وتعيينه أثار جدلاً حول كفاءته في تولي مثل هذا المنصب الذي يُعتبر واحداً من أهم خمسة حساسة بالنسبة للديبلوماسية اللبنانية، وهي: واشنطن، الأمم المتحدة في نيويورك، باريس، الرياض والقاهرة. ولكن الدعم الذي لقِيَه من وزير الخارجية يومذاك جبران باسيل، فتح له أبواب سفارة باريس، في إطار التعيينات التي تتم بترشيح من رئيس الجمهورية في مطلع عهده، حيث درجت الأعراف أن يختار الرئيس، بشكل شخصي من يراه مناسباً لتمثيل لبنان في عهده في بعض تلك العواصم المذكورة، على أن ينتهي مفعول التعيين بإنتهاء ولاية الرئيس، حيث يعود للرئيس الجديد حق التمديد له أو تغييره.
وكانت تصرفات عدوان الشخصية، ومعاملته الفظة للعاملين في سفارة باريس، موضوع شكاوى عديدة، ولكن الحماية الحزبية من التيار العوني، وعطف الرئيس عون والوزير باسيل عليه، كانا يُبعدان عنه المساءلة، حتى عندما سرِّبت بعض الكليبات على وسائل التواصل الإجتماعي وهو يرقص بطريقة خلاعية لاتليق بما يُمثّل.
بيان وزارة الخارجية عن إيفاد بعثة تحقيق إلى العاصمة الفرنسية للإطلاع على ملابسات ما أثير في الصحافة الفرنسية عن حادثة الإغتصاب الملتبسة، هو بداية التعاطي الجدي بالملفات الشائكة في الإدارة اللبنانية، وإطلاق جرس الإصلاحات المنشودة، بدءاً من وزارة كانت مرتعاً لفريق حزبي واحد طوال سنوات العهد السابق.