كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بعيداً عن الشكل الذي لم يرضِ الكثيرين لمبادرة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية زيارة السفير السعودي وليد البخاري وليس العكس، فإن المضمون لم يتعد إطار المجاملات، وبدل أن تحمل الزيارة بوادر حسم، زادت البلبلة في الأوساط السياسية وصعّبت الموقف، في وقت كانت مصادر «الثنائي» تقول إنّ الأمر قضي لصالح فرنجية متغاضية عن شكل الزيارة التي حصلت وفق معلوماتها بناء على دعوة من السفير السعودي.
لم يكن لقاء البخاري مع فرنجية مدرجاً على جدول مواعيد السفير السعودي. وما إن تمّ تسريب خبر الزيارة الى بنشعي حتى سارعت السفارة عبر مصادرها القريبة إلى نفيها. كانت المفاجأة أن يقصد فرنجية دارة البخاري وليس العكس لكن، أما وقد حصل ما حصل فيمكن اعتبار الزيارة حمّالة أوجه من الجهتين. يوضح البخاري لحلفائه أنّ فرنجية حضر إلى دارة السعودية ليقدّم تصوره ودفاعه الشكلي عن ترشحه كحليف للثنائي، وأنّه مستعد للتقرب من المملكة، ليمهد بذلك أو ليبرر مرونة بلاده تجاه فرنجية إن وجدت، ويؤكد فرنجية الإلتحاق بالسعودية، إذا كان المطلوب تقديم ضمانات فأنا حاضر للنقاش ولا مانع لدي من المجيء الى عقر الدار للتفاهم. بمعى آخر ليس مهماً من يقصد من والمهم أن نتباحث.
وبينما كانت التأويلات تجتاح مواقع التواصل تعقيباً على مشهدية الزيارة بالشكل قبل المضمون، كان هناك من يؤكد أنّ الطبخة الرئاسية وضعت على نار حامية بما يفيد ترشيح فرنجية، وتشير المعلومات إلى أنّ البخاري وخلال زيارته عين التينة أودع رئيس مجلس النواب نبيه بري وديعة رئاسية وسأله الشروع في التحرك باتجاه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وآخرين لتسويقها، بينما مضى البخاري في جولته مستطلعاً وممهداً لما سيكون عليه الوضع.
وتجزم مصادر «الثنائي» أنّ بري تبلّغ قبل فترة بضرورة الدعوة إلى جلسة إنتخاب برلمانية وأنّ المملكة ستتولى موضوع النواب السنة وبعضهم تبلّغ التوجه السعودي المرن تجاه فرنجية وأنّ البحث جار عن مخرج أو توليفية لمعالجة المعارضة المسيحية. خلال اللقاء سأل البخاري بري عن موعد جلسة الإنتخاب فكان جوابه حين تقررون وتعطون رأيكم فقال له فلتتمّ الدعوة لجلسة وليفز من يفز. في هذا الوقت كان موفد مطلع على موقف البخاري أبلغ «حزب الله» إيجابية الموقف فتم البناء عليه.
إذا كانت معالم الرئاسة اللبنانية غير واضحة بعد، فإنّ الحديث عن الإنفراج بشأنها بات يتعدى التوافق الداخلي وإن كانت كل الجهات المعنية بالملف من السعودية إلى طهران تؤكد أنّ حسم الرئاسة متروك للبنانيين لإختيار مرشحهم الرئاسي والتوافق بشأنه. المدقق في التعاطي الإيراني ثم السعودي مع الإستحقاق يلاحظ التقاطع في المواقف المعلنة. لكن المجالس المغلقة لحليفي الطرفين تؤشر إلى وجود توجه أو كلمة سر كان يتبلغها حلفاء الطرفين بالتواتر.
لم يكن متوقعاً من وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أن يعلن دعمه لمرشح حليفه في لبنان. منطق الأمور يقول إنّ أي إعلان من هذا القبيل أو التلميح له لن يكون لصالح فرنجية وسيتسبب بضرر كبير لترشيحه. حين تعلن طهران دعمها لمرشح ما سيُستخدم هذا الإعلان على أنه تدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية وستزداد الهجمة عليه لكونه مرشح إيران. لكنها تثق بـ»حزب الله»، حليفها الذي يملك ما يكفي من الوعي والقدرة على تقدير الموقف وإتخاذ الخيار الصحيح وهي تدعم هذا الخيار أياً يكن بمعزل عن الإسم والتفصيل.
لا يزال «الثنائي» يعتبر أنّ فرص فرنجية هي الأعلى وأنّ احدى نقاط قوته تكمن في أنّ الطرف الآخر ليس لديه مرشح، وهو يملك العدد الأكبر من أصوات النواب، ولديه مروحة دعم إلى «الثنائي»، نواب سنة ومستقلون. مجدداً إنبرى «حزب الله» للقيام بجولة اتصالات وعملية احتساب جديدة لعدد الأصوات التي قد ينالها حليفه في جلسة الإنتخاب، وهو في وارد المحاولة مع حليفه «التيار الوطني الحر» مجدداً لتليين موقفه مراهناً على تطورات في الآتي من الأيام والتي ستدفع «التيار» إلى تليين موقفه وهذه التطورات متصلة بملفات بالغة الحساسية تتطلب الحسم من بينها والأهم حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش، عدا عن المواقف الدولية التي يفترض أن تشهد تعديلاً مهماً، وعلى وجه الخصوص الموقف السعودي الذي يتوقع أن يشهد ليونة لافتة ومهمة في الملف الرئاسي اللبناني، فبعدما كان رافضاً بالمطلق بات في موقع اللافيتو على أي مرشح وهذا بحد ذاته عامل إيجابي يتأمل به الثنائي وحلفاؤه.
تطور آخر يبنى عليه هو الحراك الدولي المرتقب والذي سيتمثل بزيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى السعودية، وزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى السعودية أيضاً، والقمة السورية السعودية.
تترقب مصادر ديبلوماسية مواكبة ما بعد إنعقاد القمة العربية، والذي يفترض أن يشهد حركة مشاورات ولقاءات على صلة بالملف الرئاسي اللبناني قد تؤدي إلى خرق يسبق شهر تموز المقبل. الأولوية اليوم هي للتحضيرات المتعلقة بإنعقاد القمة العربية وما بعدها سيشهد تحولاً في كثير من الأمور .
وفي ضوء تحسن العلاقة السعودية الإيرانية وتبادل فتح السفارات في كلا البلدين، والاستقرار الذي بدأ يسلك طريقه في اليمن وعودة العلاقات السورية – السعودية باتت الظروف ناضجة وملائمة لبدء حوار سعودي مع «حزب الله». وبتقدير المطلعين فإنّ هذه الظروف مساعدة لبدء مثل هذا الحوار خاصة وأنّ الفريقين أو لنقل أنّ «حزب الله» على الأقل لم يعد يمانع في حصول هذا الحوار ويراه ممكناً. ولن يكون مثل هذا الحوار بعيداً عن إيران التي تقوم بنسج أول خيوطه، وهناك حراك مرتقب على هذا الصعيد ستشهده بيروت يبلور التلاقي الإيراني- السعودي ولقاءات على جانب من الأهمية مرتقبة سياسية وديبلوماسية ستتحقق بقوة دفع خارجية ستنعكس حكماً على الملف الرئاسي اللبناني.
واذا كان منزل البخاري استضاف فرنجية بوصفه مرشحاً رئاسياً فقد يشهد المقر الديبلوماسي السعودي لقاءات مماثلة على جانب من الأهمية ديبلوماسية الطابع، وعلى مرمى مسافة قصيرة سيحل موضوع رئيس الجمهورية ضيفاً في مباحثات شخصية سياسية تزور لبنان لعقد لقاءات على جانب من الأهمية فيه. فهل حسمت الرئاسة لفرنجية أم من المبكر الحكم نهائياً وانتظار ما سيترتب على لقاء فرنجية البخاري؟ لننتظر ونرَ.