“نافعة” صيدا: 20 موظفاً ينجزون أكثر من 200 معاملة يومياً

كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:

بين كتّاب العدل ومكاتب السيارات، تتكدّس آلاف المعاملات للمواطنين حتى إشعار آخر، بسبب اقفال مصلحة تسجيل السيارات في صيدا إلتزاماً بإضراب موظّفي الادارة العامة منذ أكثر من 4 أشهر، للمطالبة بتحسين ظروف معيشتهم ورفع رواتبهم التي تآكلت.

وتزامن الاضراب مع انتظار جلاء نتائج التحقيق المستمرّ بملفّ الفساد في «هيئة إدارة السير والآليات والمركبات»، وقد أدّى إلى توقيف موظفين ورؤساء مصالح ومعقّبي معاملات لتقاضيهم الرشى وتزوير المعاملات في بيروت، بينما بقي الاطمئنان يخيّم على نافعة صيدا، إذ لم تفُح فيها ومنها روائح فساد أو تمّ توقيف متّهمين أو متورّطين حتى الآن.

وبين الأمرين، يشكو المواطنون من عرقلة معاملاتهم، ينجزونها موقّتاً في مكاتب السيارات وكتاب العدل، بينما يدفعون رسوم الميكانيك عبر شركة تحويل الأموال، بعد الغاء المعاينة الميكانيكية في المركز الوحيد في محافظة الجنوب في منطقة الزهراني، وتم تسجيل تهافت غير مسبوق قبل رفع الدولار الرسمي من 1500 إلى 15000 ليرة لبنانية ظنّا بأنّها سترتفع ارتباطاً بتغيير سعر الصرف الرسمي، إلا أنّ كلّ شيء بقي على حاله بعدما تبيّن عدم صحّة الأمر وأنّه مجرّد بالون للتحفيز على دفع الرسوم، فيما تتكبّد خزينة الدولة خسائر مالية كبيرة يومياً.

لا حلحلة في الأفق القريب مع تجاهل مطالب الموظّفين، فمنذ 4 أشهر والنافعة في صيدا التي تقع في بلدة البرامية شرق صيدا وتجاور القياعة وبقسطا والهلالية، تقفل أبوابها، فتحت خلالها مرّة أو مرتين، ثم عادت إلى الإضراب، حيث شلّت الحركة وتوقّفت كل المعاملات من تسجيل السيارات إلى رخص القيادة جديدها وتجديدها.

ويعاني مبنى النافعة من الترهّل بفعل مرور الزمن، ويحتاج إلى إعادة ترميم وصيانة، إذ بني في الثلث الأخير من القرن الماضي ولم يتمّ تجديده أو بناء آخر بديل، بعدما كان سابقاً على الكورنيش البحري لمدينة صيدا، وهو يقدّم خدماته إلى منطقة واسعة لا تتوقف عند حدود مدينة صيدا ومنطقتها الجغرافية، بل تمتدّ إلى منطقتي صور واقليم الخروب بسبب عدم وجود مصالح لتسجيل السيارات فيهما.

ويبلغ عدد الموظفين حالياً نحو 20 بعدما كانوا 27، سبعة بلغوا سنّ التقاعد القانوني ولم يتمّ توظيف بديل عنهم، قلّة منهم في ملاك وزارة الداخلية والبلديات، والباقي في ملاك «هيئة ادارة السير والمركبات» الذي نجحوا في مجلس الخدمة المدنية، ولا تتجاوز رواتبهم 3 ملايين ليرة لبنانية، ما دفعهم إلى الالتزام بالإضراب.

والى جانب الموظّفين في ملاك الدولة بشقّيها، هناك نحو 6 موظفين من شركة فازت بمناقصة إنجاز دفاتر السيارات ورخص السَوق البيومترية (عبر الكمبيوتر باستخدام بصمة العين واليد) وقد أثيرت ضجة وقتها حولها. ويتوزع هؤلاء الموظّفون على أقسام: رخص القيادة، الكشف على السيارات للتأكّد من أرقام هياكلها ولونها ونوعها وسواها، اضافة الى المحررين على الكومبيوتر، وموظفي الشركة، ناهيك عن مكتب أحكام السير التابع للشرطة القضائية، ويختصّ بكشف محاضر الضبط، وهؤلاء الوحيدون الذين ما زالوا يداومون اليوم رغم الإضراب.

ومنذ اندلاع انتفاضة تشرين، دخلت النافعة في دوامة المعاناة امتداداً لتراجع خدمات الدولة، شهدت تقنيناً في التيار الكهربائي، حُرمت من تمديد خط الخدمات 24\24، فاستعانت باشتراك بالمولدات الخاصة في المنطقة، ولكن سرعان ما عجزت عن تسديد الرسوم المالية، فاتّجه خيارها إلى المولد الخاص ولكن مع ارتفاع ثمن صفيحة المازوت لم يعد هناك قدرة على تأمينه فتعطّلت معاملات المواطنين، قبل أن يبادر أصحاب مكاتب السوق إلى المساعدة على توفيره لإنجاز المعاملات.

وإلى جانب الكهرباء، يعاني سقف النافعة من النشّ، ما يهدّد ملفّاتها بالتلف، اذ في مستودع الأرشيف، تتجمّع المياه بشكل دائم مع توقّف المضخّة عن شفطها جرّاء انقطاع التيار الكهربائي وعدم تشغيل المولد نتيجة الإضراب المفتوح أو حتى العطل أو العمل 3 أيام فقط، «فالنافعة تقوم على أرض فيها عين مياه – نبع متدفّق»، وفق ما أكّد سابقاً رئيس قسم تسجيل السيارات في صيدا عمر وهبي، «فيما الملفات لم تدخل عصر المكننة بعد وبالتالي اذا توقّفت مضخّة شفط المياه إلى الخارج قد تسبّب كارثة».

وتعاني النافعة أيضاً من شحّ الطوابع، حيث يؤكّد معقّبو المعاملات أنّ معاملات كثيرة تحتاج إلى طوابع ولا تنجز وفق ما هو مقرّر لها بسبب ندرتها حيناً أو فقدانها أحياناً، كما حال كثير من المعاملات في باقي ادارات الدولة، وقد اشترى البعض الطوابع من السوق السوداء بأسعار مضاعفة ومن خارجها، لإنجاز معاملته من دون تأخير.

ويبقى الهاجس الرئيسي الذي يخيّم على الموظفين هو التحقيقات الجارية في «هيئة إدارة السير والآليات والمركبات»، لا تفوح روائح فساد في أروقتها، الموظفون مطمئنون، «الحارة ضيقة والكل بيعرف شو بيصير فيها»، تقول أوساط داخل النافعة، لكن ثمّة تضامناً ضمنياً مع زملائهم، على قاعدة «لا يجوز توقيف الموظفين من دون سبب أو حتّى بسبب وشاية أو نكاية أو حتى إكرامية باتت شبه عُرف في كثير من إدارات الدولة وخصوصاً في ظل الأزمة المعيشية وتدنّي رواتب الموظّفين وصعوبة الوصول إلى مراكز عملهم». وتؤكّد المصادر أنّه لم يتمّ توقيف أي موظّف أو عامل فيها، ومن خارجها جرى الاستماع إلى أحد معقّبي المعاملات كشاهد، وأوقف آخر لأيام قبل أن يُطلق سراحه.

ورغم المعاناة، فإنّ النافعة تدرّ إلى خزينة الدولة أموالاً، إذ إنّ أكثر من 200 معاملة تنجز يومياً فيها، بقيمة ملايين الليرات اللبنانية وفق نوعها، أي مليارات الليرات اللبنانية شهرياً، حرمت منها بسبب الإضراب حالياً، بعدما تراجعت سابقاً مع تقليص عدد أيام العمل إلى 3 أسبوعياً، ثم إلى يوم واحد أخيراً. ويرجّح أن يتضاعف المبلغ بعد فكّ الإضراب نتيجة تراكم آلاف المعاملات.

وتمتدّ الخسائر إلى خارج النافعة، تتوزّع بين معقّبي المعاملات وبين مكاتب تعليم القيادة، هؤلاء يدخلون أيديهم في جيوبهم، فيجدونها خاوية، بعدما شلّت حركتهم وتوقّفت أعمالهم، وفضّل بعضهم التوقف عن العمل توفيراً لمصاريف الموظّفين أو الاشتراك بالتيار الكهربائي أو نفقات الانتقال من دون أن يعود عليهم أي مردود مالي.

ويشكو محمد، أحد من قطعت أرزاقهم، ويقول لـ»نداء الوطن»: «قبل الاضراب بسبب الانقطاع التام في التيار الكهربائي وعدم توفير المازوت أو حتّى بعض المستلزمات ومنها على الأقل الحبر، نظّمنا وقفات احتجاجية عدّة امام المركز للمطالبة بانتظام سير العمل من دون جدوى، قبل أن يتطور الأمر إلى الإقفال التام. ومع الاضراب توقّفت عملية تسجيل السيارات وتجديد اللوحات وكلاهما مرتبط بمكاتب النافعة مباشرة»، فيما الكارثة الكبرى تكمن بوقف امتحانات تعليم قيادة السيارات.

والحال نفسه مع معقّبي المعاملات، حيث يؤكد محمود لـ»نداء الوطن» أنّ الإقفال «أثّر سلباً على كلّ المعاملات، من بيع وشراء السيارات وتسجيلها، إلى إنجاز رخص قيادة السوق أو تجديدها، أو استخراج قيادة دولية»، مشيراً إلى «أنّ الرسوم معروفة وثابتة عن كلّ معاملة، ولكن تختلف أجرة المعقّب بين مكتب وآخر، اذ ليس هناك قانون ينصّ على تحديد الكلفة والناس تبحث دوماً عن الأرخص لإنجاز معاملاتها».

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …