كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
لا يميّز التخبّط السياسي والإقتصادي والمالي والقضائي بين مقيم وآخر في وطن بات أشبه بسجنٍ كبيرٍ، يسوده غياب العدالة وتلاشي قدرة مؤسساته الرسمية في تأمين أبسط الحقوق ومقومات الصمود لأبنائه، لتتفاقم بشكل آخر على نزلاء سجونه الصغيرة، المكتظة، التي تفتقد بدورها لأبسط المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ما دفع الحقوقيين إلى المطالبة بتضافر الجهود الرسميّة والمحليّة والدولية، وتقديم الإصلاحات المستدامة للسجون، التي وُصِفت بقنابل موقوتة حيث لا تزال المحاكمات العادلة محجوبة عن نزلائها، كما الرعاية المطلوبة، وتحديداً الصحيّة منها.
تعذّر وصف الحالة المزرية للسجون في هذه السطور، لم يمنع رئيس جمعية «نصروتو – أخوية السجون في لبنان» الأب مروان غانم من التأكيد لـ»نداء الوطن»، أن «السجون اللبنانية تعيش تعاسة غير طبيعيّة، وتحديداً لجهة تأمين الطبابة التي تقع على عاتق السجناء وذويهم، الذين يقفون بدورهم عاجزين عن تأمين أبسط مقومات الحياة لأنفسهم قبل تكبد عناء إيصال المساعدات والأدوية وبدل الإستشفاء إلى أقاربهم في السجون»، مشيراً إلى أن «تبعات استنكاف القضاة عن إحقاق الحق، المترافق مع إضراب المساعدين القضائيين تفاقم تحديات السجناء والسجون التي بلغ إكتظاظها ذروته، فيما تجاوز إنهاء البعض منهم مدّة محكوميته القصوى من دون محاكمة».
وهذا ما دفعه إلى رفع الصوت والمطالبة برفض إستمرار الأمور على حالها وسط تمادي الإنهيار الذي يطال بتداعياته جميع مؤسسات الرعاية في لبنان. وشدّد على أن استئناف السلطة القضائية عملها واصدار الأحكام العادلة بحق المساجين، يشكّلان مدخلاً حتمياً لمعالجة الإكتظاظ وتأمين أبسط الحقوق التي يكفلها القانون لما تبقى من نزلاء وتحديداً الطبابة والغذاء واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحدّ من إنتشار الأوبئة، قبل الولوج إلى الشقّ الآخر من التحديات اللوجستيّة التي تواجه القوى الأمنية والتي تقف عائقاً أمام نقل المساجين إلى قاعات المحاكم، جرّاء تعطّل الآليات المستخدمة لهذا الغرض وغياب الإمكانيات الماليّة لصيانتها..
وإذ لفت إلى أنّ الصعوبات التي يعيشها اللبنانيون لم تحدّ من إندفاعة «الجمعية» واستمرارها في تأدية النشاطات التي تقوم بها داخل السجون منذ العام 1999، أوضح أن عملها يقوم على إعادة تأهيل مدمني الكحول والمخدرات، كما تقديم البرامج الإصلاحيّة للمساجين من خلال إرساء وتعزيز مفهوم العدالة التصالحيّة والتي تفتح الباب أمام المشاركين في تخفيض أمّد عقوبتهم السجنيّة.
وإن كان لإنعدام الإمكانيات المادية تبعات سلبيّة على السجناء، فإنّ ذلك يرتدّ أيضاً على القوى الأمنية وقدرتها على ضمان الأمن المتفلت داخل بعض السجون، ما دفع أحد المعنيين في هذا الملف إلى التشديد على أنّ التحديات المعيشيّة الجمّة التي يواجهها اللبنانيون وعناصر الأمن في السجن الكبير الذي يعيشون فيه، تفوق بأضعاف المعاناة التي يعيشها نزلاء السجون في لبنان.
إكتظاظ السجون الرسميّة الـ25 المنتشرة على كافة المحافظات، حوّل بعض النظارات في الضابطة العدلية إلى سجون، ما حال دون إمكانية الحصول على الأعداد الرسميّة لنزلاء السجون اللبنانية والذي يقارب الـ8000 وفق المعنيين في هذا الملف، بحيث يحتضن السجن المركزي في رومية ما يقارب الـ3500 محكوم وموقوف، فيما تمّ تقدير قدرته الإستيعابيّة القصوى بـ1500 سجين، في حين سجّل وجود 36 سريراً لما يقارب الـ100 سجينة في السجن المخصص للنساء في بعبدا، فيما تتوزع الأعداد المتبقية على السجون والنظارات الأخرى.
إلى ذلك، تضع رئيسة جهاز تفعيل دور المرأة في «القوات اللبنانية» سينتيا الأسمر، ملف السجون في سلّم أولوياتها، والتي تتضمن معاينة حسيّة لواقع السجون والتي بدأتها من سجن بعبدا للنساء.
وإذا كان الوضع الكارثي هو القاسم المشترك بين جميع السجون، فقد توقفت الأسمر عند النسبة المرتفعة من السجينات اللبنانيات في بعبدا والتي تتراوح أعمارهن ما بين 19 و35 عاماً. وهذا ما دفعها إلى التحذير من أن تشكّل الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يمرّ بها لبنان مدخلاً للخروج عن القانون.
وعن الخطوات العملانية الكفيلة بمعالجة جزء من التحديات الجمّة التي تشهدها السجون، أوضحت الأسمر لـ»نداء الوطن»، أن جهاز تفعيل دور المرأة في «القوات البنانية» بصدد الإعلان عن تلك الخطوات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في 8 آذار، بما يتلاءم ومشروع «القوات اللبنانية» في بناء دولة قوية، والتي قد تبدأ بإطلاق مشروع إنساني إجتماعي للمسجونات في لبنان، والشروع في تقديم مشروع قانون، يشكّل إقراره مدخلاً لتعزيز وضمان حقوق الإنسان في كافة السجون والنظارات على كافة الأراضي اللبنانية.